آراء

هجرة العراقيين بين الإمام علي والسيد السيستاني

منذ أن فتحت أوربا وفي مقدمتها ألمانيا أبوابها أمام جيوش المسلمين وبقّية الأديان الأخرى الفارّين من جحيم الإسلام السياسي اللاأنساني بحثا عن الأمن المفقود في بلدانهم للحفاظ على حياتهم، حتّى تذكّرت العمائم والقوى السياسية التي باركتها لتذيق شعبنا الذلّ والفقر والموت اليومي أن الهجرة الى بلاد غير إسلامية محظور الا بشروط عند السيد السيستاني، وإنها محظورة بالكامل عند بعض العمائم من تلك التي رفعت الجماهير بوجهها شعار "بإسم الدين باگونه الحرامية" وفي المقدمّة منهم معمّم يسمى الصغير جلال الدين، الذي قال في صلاة الجمعة من أن اوربا بحاجة الى خدم والمهاجرين اليها سيعملون كخدم عندها كونها بحاجة الى يد عاملة، ولا أدري إن كان أقطاب الإسلام السياسي من الّذين كانوا في أوربا قبل أن يقفزوا الى العربة الأمريكية وهي تحتل العراق ومنهم معممّون يعملون كخدم فيها؟

قبل أن أتناول ما جاءت به العمائم من توصيات للمؤمنين بها ولكي تصمت قليلا وتكف عن التدخل بشؤون الناس والدولة، دعونا نتعرف على أسباب هذه الهجرة وإن كانت العمائم تعرف أسبابها.

ما يهمّني في هذه المقالة، هجرة العراقيين هربا من "جنّة" العمائم وأحزابهم، والتي أستطيع تلخيصها بالنقاط التالية :

1- الوضع الأمني غير المستقر وأنتشار الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة المرتبطة بأحزاب السلطة وأستهتارهم بحياة الناس.

2- القمع المبرمج للأقليات الدينية والعرقية وتعرضّها لما أشبه بعمليات الإبادة الجماعية.

 

3- البطالة التي وصلت نسبتها وفق أحصاءات وزارة العمل العراقية للعام الماضي وعلى لسان وزيرها الى أرقام مرعبة، إذ صرح وزير العمل "نصّار الربيعي" في تصريح لاذاعة العراق الحر على هامش مشاركته في "مؤتمر أولويات التنمية المستدامة في المنطقة العربية لما بعد عام 2015" الذي عقد في العاصمة الاردنية عمّان، " إن نسبة البطالة في العراق تتجاوز 46% من عدد سكانه وهو أمر خطير يتطلب دعما كبيرا من الدولة والقطاع الخاص خاصة وان أكثر من 300 الف شاب يدخل سوق العمل سنويا."

4- إتساع رقعة الفقر التي وصلت حسب أحصاءات وزارة التخطيط للعام الماضي وفق ما جاء به وزير التخطيط " سلمان الجميلي" الذي قال إن "نتائج التحليل التي أطلقت والمبنية على مؤشرات الاقتصاد الكلي وتقديرات الاسقاطات السكانية ونتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة توصلت الى ان نسبة الفقر تراجعت الى ما كانت عليه في عام 2007 اي (22.5%) بعد ان كان متوقعاً ان تنخفض من 19% في عام 2012 الى 15%". لافتا الى ان "الحكومة خسرت كل الجهود التي بذلتها منذ عام 2007 وحتى عام 2012"، وهذا يعني أن ربع سكّان البلاد تقريبا يعيشون دون خط الفقر هذا اذا ما اتفقنا على صحّة الارقام الحكومية.

5- فقدان الأمل بتحسّن الاوضاع الإقتصادية على المدى المنظور عند قطّاعات واسعة من الجماهير وفي مقدمتهم خريجي الجامعات وأنظماهم الى جيش العاطلين عن العمل الذي يزداد سنويا نتيجة أنعدام فرص التوظيف الحكومي.

6- فشل الحكومة في أيجاد حلول حقيقية بما يحفظ كرامة مليونين وثمانمائة ألف مهّجر داخل البلد ومعاملة الكثير منهم وكأنهم أجانب بعد مطالبتهم بما يشابه "الفيزا" للتنقل بين المحافظات.

إضافة الى اسباب عديدة اخرى مرتبطة أساسا بالصراعات الحزبية والطائفية والقومية والتي تهدد بأنفجار الوضع الأمني الهش.

لقد وضعت الإمام علي كعنوان في المقالة كون العمائم التي وضعت وتضع الشروط أمام هجرة العراقيين هي في الغالب عمائم شيعية يبدو أنها لم تقرأ "للإمام علي شيئا" وإن قرأته فأنها تلوي عنق حقيقة ما جاء به، كيف؟ سأتناول ما جاء به "الإمام علي" الذي يقول المعممّون من إنه إمامهم، عن الفقر والذي هو أحد أهم أسباب هجرة العراقيين للخارج .

يقول "الإمام علي" في إعلان حربه على الفقر " ما ضرب الله عباده بسوط أوجعَ من الفقر" هذا الفقر الذي يعيش في كنفه - بفضل الاحزاب الاسلامية ومراجع الدين - ربع الشعب العراقي جلّهم من الشيعة الذي خرجوا يتظاهرون ضد فساد السلطة وسرقتها لثرواتهم. هذا الفقر الذي يزّينه المعممّون وبعض الزهّاد للعباد كمدخل الى الجنّة كون الفقير حبيب الله! ولا أدري إن كان الفقر مدخلا للجنة لماذا لا يتوشح الاسلاميون والعمائم الثرية بلباس الفقر ليختصروا الطريق اليها؟

يبدو أن سوط الفقر أنتقل من يد الله الى أيادي حزب الدعوة والمجلس الاعلى والفضيلة والتيار الصدري وبقية الاحزاب والميليشيات الاسلامية والقومية ليجلدوا به ظهور فقراء العراق وهم يسرقونهم أيها "السيد السيستاني"، يبدو أنكم سهوتم أيها السيد السيستاني عن قول إمام الفقراء وهو يقول " الفقير غريب في بلده" فإن كنتم تريدون عدم هجرة الناس فأعملوا على أن لا يكون في هذا الوطن غريبا، وما أكثر الغرباء عند ضريح إمام الغرباء. تجوّل قربه لتراهم عراة واطفالهم يعتاشون على المزابل أيها السيد السيستاني، هل تعرف كم هم اعداد سكّان العشوائيات؟ وهل تعرف كم هم أعداد أطفال الشوارع في بلد النفط المنهوب من مريديكم الذّين باركتموهم من ساسة الاحزاب الطائفية الشيعية؟ هل تعرف أن هناك عوائل قد باعت أطفالها نتيجة الفقر؟

يقول الإمام علي " الفقر هو الموت الأكبر" فلماذا تريد للناس أن يموتوا فقرا في بلد أسلامي ولا تجعلهم يعيشوا أغنياء لحدود وبكرامة في بلد "كافر"، إذ تقولون في وصفكم " لنقص الدين" وأنتم تضعون شروطا لهجرة الناس هربا من ظلم الاحزاب الاسلامية من أنكم تقصدون به " اما فعل الحرام باقتراف الذنوب الصغائر أو الكبائر كشرب الخمر أو الزنا أو أكل الميتة أو شرب النجس أو غيرها من المحرمات الأخرى، وإما ترك الواجب كترك الصلاة أو الصوم أو الحج أو غيرها من الواجبات الأخرى". أيعقل من إنكم لا تدرون من إن نسبة الدعارة الحقيقية منها والمقننة "دينيا" قد زادت الى حدود لم تكن مسبوقة بالعراق حتّى ثمانينات القرن الماضي؟ أيعقل من أنكم لا تعرفون أن الخمر والمخدّرات قد أنتشرت بشكل كبير في المجتمع العراقي؟ أيعقل من أنكم لا تدرون شيئا عن لحوم الحيوانات الميتّة ومنها الحمير تباع في أسواق العراق ويأكلها الفقراء لرخص ثمنها؟ وهل جميع العراقيين يصلّون ويصومون ويحجّون داخل بلدهم كي تخاف عليهم وهم في بلاد الكفر أو بلادا غير أسلامية كما تصفها؟ إن الصلاة أيها السيد السيستاني يجب أن تكون كما قال الإمام علي لزياد بن كميل الذي سأله في معنى الصلاة والصوم فأجابه : "يا كميل، ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، وإنما الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقيّ وعمل عند الله مرضي، وأنظر فيما تصلّي، وعلام تصلّي، فإن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول". وإنني هنا أجزم وأنا مسؤول أمام الله أن الغالبية العظمى من المعممّين وجميع قيادات الاحزاب الاسلامية دون أستثناء لا يصلّون الا رياءا وكذبا، كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهل هناك فحشا ومنكرا اكبر من سرقة أموال الرعية وبيع الوطن أيها السيد السيستاني؟ وهل من يتعامل بالرشوة مؤمن؟ وهل تعرف نسبة المرتشين في دولة فاسدة كدولة الاحزاب الاسلامية؟

في الغرب "الكافر" لا مكان للرشوة والفساد الا بحدود ضيقّة جدا عكس العراق الاسلامي الذي فيه الرشوة والفساد أصبحتا ظاهرتان تهددان أسس الدولة بكاملها وهما سمة بارزة للاحزاب الدينية التي باركتموها في كل انتخابات!! في الغرب "الكافر" كل الابواب مفتوحة لابنائنا في أن يتلقوا تعليمهم ويكونوا أفرادا أيجابيين في المجتمع الّذي يعيشون فيه، في الغرب "الكافر" تتم معالجة مرضانا في مستشفياتهم ويحصلون على علاجهم مجّانا، في الغرب " الكافر" يعاملوننا كبشر من دون النظر الى قوميتنا وديننا وطائفتنا، في الغرب "الكافر" نشعر بالأمان وحماية الدولة لنا. فهل هذه الامور وغيرها متوفرة في عراق الانبياء والمعصومين أيها السيد السيستاني!!؟

يقال أيها السيد السيستاني إن " فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد"، وأبليسنا في العراق اليوم هو نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد والمليشيات التابعة له التي زرعت الفقر في أرجاء وطننا وجعلت من شعبنا مشروع موت، فهل تستطيع أن ترفع سيفك "فتوى لمريديك" لتقتل به الفقر الذي قال فيه إمام الفقراء والمساكين " لو تمثّل لي الفقر رجلا لقتلته" . لقد قلتم أيها السيد السيستاني عن طريق وكلائكم في صلوات الجمعة ولاكثر من مرّة أن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب، ولأنكم وقفتم ضد الإرهاب الّذي يهدد وطننا وشعبنا بفتوى "الجهاد الكفائي"، فأننا ننتظر منكم فتوى بجهاد لا أعرف أسمه كوني لست فقيها ضد الفساد، لتخرج الجماهير التي تقلدكم وغيرها الى الساحات والشوارع حتّى ننهي نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد، ولنبني على أنقاضه دولة المواطنة الكفيلة ببناء عراق مزدهر معافى من أدران الطائفية العفنة.

السيد السيستاني، لماذا أكثر المهاجرين الى بلاد الكفر هم من المسلمين!؟

 

زكي رضا

الدنمارك

 

في المثقف اليوم