آراء

هل تعيد روسيا التوازن الى المنطقة؟

emad aliتدخلت روسيا بشكل مباشر بعد انتظار طال على المنطقة نتيجة انشغالها الداخلي، والمشاكل التي خلقت بقرب من بابها الرئيسي ونوافذها المتعددة على العالم. لم تهتم روسيا بالسلطات الحليفة لها من قبل كما هي الحال لسوريا الحليفة العتيدة لها، ومنذ اندلاع الثورة بعد سلسلة الربيع العربي المتتالية في الدول العربية، وبعد ان تاكدت من ان اخر ما تبقى لها ربما قد يسقط في غضون اشهر ان لم نقل ايام، وتحركت بشكل سري مباشرة او عن طريق حليفاتها والقوى التي يمكن ان تستخدم كمخلب في تحقيق اهدافها بشكل غير مباشر.

مرحلة الانسحاب الامريكي البطيء المقصود من منطقة الشرق الاوسط عسكريا في فترة حكم اوباما وفرت فرصة لاحلال البديل المنخرط مباشرة في قضايا المنطقة، وربما لم يكلف التدخل بعض الدول شيئا يقارن مع ما يمكن ان يكلفه ويقع على امريكا، لاسباب عديدة سواء جغرافية كانت ام سياسية او اقتصادية ام تاريخية . تاكدت روسيا من قرب سيطرة المعارضة السورية وداعش على زمام الامور في سوريا او قرب حدوث الفوضى الكبيرة، ولم تبق لنظام الاسد سوى ايام معدودات وهي اندفعت الى زاوية محصورة يمكن ان تركعها القوى المسيطرة التي لم يُعرف اي منها لحد اليوم يمكن ان يبرز على الساحة اكثر من غيره مستقبلا رغم قوة داعش التي لا تقارن مع الاخريات، ويبقى هذا على مقدار الدعم من القوى التي تقف ورائهم من الدول المجاورة والعربية والعالمية ايضا . تسارعت روسيا الى الساحة وحزمت الامر دون ان تنتظر قرار او تفويض اممي وبحجج واعذار ليس لها اي قوة قانونية دوليا، ولكنها تعلم انها على اتصال مع نظام لازال هو الرسمي في المحافل الدولية وهو الذي يقدر على تخويل اي كان من الدول لمساعدته وبرضا الذات .

المعادلات التي تقف عليها المنطقة لازالت في تحرك مستمر ولم تبقى على حال لفترة طويلة، وبعد ان عزمت امريكا امرها في النظر من بعيد او اللانخراط عسكريا نتيجة للخيبة التي اصيبت بها بعد سقوط الدكتاتورية وما تعهد به اوباما وانتخب على اثره هو انسحابه العسكري من المنطقة، وتتصرف امريكا بشكل تبقي على تاثيرها المباشر ودورها القوي بسياسة ناعمة ولكنها تتراوغ مع الجميع في الوقت ذاته . اندفعت امريكا واصرت كثيرا وربما تنازلت اكثر من المتوقع من الجميع لايران من اجل الوصول الى الاتفاق النووي التي يمكن ان نعتبره المنقذ السياسي لامر اوباما الشائك في سياساته وما فرض نفسه عليه من ضرورات السياسة الخارجية على الدبلوامساية الامريكية، بشرط عدم تكلفها ماديا كما حدث من قبل ولم تنجح امريكا في تحقيق اهدافها فيها رغم خسائرها الكبيرة من جميع النواحي .

تركيا العضو في حلف ناتو لم تتقدم خطوة لمساعدة امريكا على ما تنويه لاسباب داخلية او عقيدية ايديولوجية وشخصية ايضا، اي ترى امريكا احد ارجل القاعدة التي استندت عليها وكانت تسهل لها الامر قد انكسرت منذ بداية العملية، اي منذ عمليات اسقاط الدكتاتورية العراقية ولحد الان، روسيا تصرفت سياسيا باتجاهات عديدة وتمكنت من سرقة بعض منجزات امريكا مع ايران ولم تدع ما تتلذذ به امريكا في هذه المرحلة، الاتفاقية الايرانية الامريكية فرضت خطوات على امريكا تشككت منها الدول العربية الحليفة لها وتحركت بمسار لم يعجب امريكا بعدما تدخلت روسيا واستغلت القرصة وصعبت على امريكا النجاح بسياسة التعامل الناعم . لم تنجح سلطة الاخوان في مصر مما اجبر الامر على تراجع امريكا عن بعض التوجهات مرغما وربما قد اعادت الخطط والنظرات الى المنطقة من اساسها . اي لو نقصر القول ونختزله كثيرا، يمكن ان نقول ان ما وقعت فيه المنطقة لم تكن لصالح نوايا وامنيات امريكا ولو بنسبة بسيطة، وكل ما يهم اوباما وسياساته هو الدبلوماساية الخارجية من اجل تقوية الداخل والانتعاش الاقتصادي، ونجح في ذلك داخليا لحد الان .

المنطقة لحد الان على نار هادئة وكل الاطراف التي لها صلة بها تعمل من قريب او بعيد ليشد من قوة وحرارة الجذوة وتوجيهها الى ما يريد تدفئته في وضح الشتاء القارص التي نحن على استقباله حاليا .

التوازن لا يتم بحركة او خطوة او توجه معين ان لم تساعده او تعمل على ترسيخه عوامل اقتصادية سياسية داعمة لها، وما يريده قبل اي شيء هو الاستقرار والامان، وحتما كل طرف يجهد عاليا كي يقع الاستقرار المامول على خارطة تكون لصالح علو شانه وتفوقه على الاخرين، وليس فيهم من يريد توازنا كميا او كيفيا للمنطقة ومن اجل صالح المنطقة بشكل مجرد،لاهميتها السياسية الاقتصادية لهم . هناك خلافات في الرؤى بشكل جذري؛ من الاطراف؛ هناك من ليس لمصلحته الخارطة الحالية وما موجود في ثناياها من الشعوب والاعراق والاديان والمذاهب، ويريد ان ينظم الامور سواء كان بتغيير الخارطة في المنطقة بشكل عام ام داخليا لكل دولة بحيث يقع لصالح توجهاته المستقبلية وما يجسد تقوية علاقاته ويمنع التشققات التي تضر به باي فعل كان مهما كلف الامر على الشعوب المنطقة . وهناك من يعتقد بان الخارطة الحالية ليس فيها اي عيب ويمكن التحرك للاصلاح الحكومي والسلطات كي تكون منطقة امنة بشكل يكون لصالحه وما ينويه هو ايضا في المنطقة مستقبلا . وهناك في المنطقة ذاتها من يدعم تغيير الخارطة ويساعد من يهدف لذلك، وعلى العكس ايضا هناك من يمنع بكل ما يملك ويدعم من يحافظ على وحدة الارض وسيادة الدول والخارطة الحالية . وعليه، ايجاد التوازن بين كل تلك التوجهات المتناقضة والمخالفة للبعض لا بل المعاكسة مع بعضها، انه لامر ليس بسهل ويحتاج لعمل مضني من قبل اي طرف يهتم اكثر بالمنطقة او ما يمكن ان يحدث وهو من اولوياته . امريكا يمكن ان يفيدها تقسيم المنطقة وفق ما يقع الجزء الاكبر منها تحت رعايتها او على الاقل ان يكون مواليا لها سياسيا وان كانت تصر وتجاهر على اهمية الحفاظ على وحدة الاراضي للدول المنطقة ظاهريا . روسيا في المقابل يمكن ان تفيدها وحدة الاراضي وعملها على اعادة مكانتها من تحالفاتها القديمة مع الدول المنطقة وما زادت عنهم ايران وربما دول خليجية، وان استطاعت وتحركت بشكل جدي ربما ستجد ذراعي مصر منشرحة وابوابها مشرعة لها وفي استقبالها . اصبحت سوريا مفتاح التوازن الشرقي الغربي بعدما التزمت روسيا ببقائها كاخر نقطة تواصل بينها والمنطقة وفرضت على الغرب ما اقدمت عليها من ضرورة تحركها كي لا تخرج هي نهائيا من معادلات المنطقة، رغم الصعوبات التي تواجهها داخليا واقليميا . تركيا متورطة داخليا وطموحات رئيسها على السلطنة ابعدتها عن بقاء ثقلها في ترتيب المعادلات لتوازن المنطقة لحد اليوم، الدول العربية ليس لها شغل شاغل الا ما يمكن ان يقللوا به امتدادات ايران الاقليمية وطموحاتها العقيدية وتطاولها على المناطق الحساسة . هذا في الوقت الذي تمارس فيه امريكا سياسة اللاانخراط او النظر بعيدا لاتقاء الاضرار التي منيت بها منذ عقد تقريبا . اذا، التوازن صعب ولا يمكن لاي طرف فرضه مهما كانت قوته وثقله وامكانياته في المنطقة، سواء من القوى العظمى او من دول المنطقة . والمنتظر هو اما التغيير الشامل الكامل لخريطة المنطقة وفق ما يدعي البعض هو المخطط منذ مدة، او تغييرا داخليا والاستمرار في الفوضى الخلاقة لمدة طويلة لتنبثق منها ما يغير الامر داخليا وتتغير معه التوازنات والتحالفات وتقع المنطقة بعد فترة طويلة من التخبطات على امر لا يمكن تقديره او تصوره بشكل كامل مهما كانت التحركات علمية وبتخطيط مباشر من المتدخلين من القوة العظمى . اللامستقر من الدول، العراق ، سوريا ، تركيا ، لبنان ، اليمن ، البحرين وربما ستزداد بشكل او اخر ان تغيرت التفاعلات الموجودة للمعادلات . التحالفات تتداخل بين ما تفرضه المصالح مابعد الاتفاق النووي الايراني والنتائج التي تتمخض عنه من كافة النواحي . التوازن ليس له ما يمكن ان نشاهده تلميحا او بشكل منظور في الافق البعيد لحد اليوم، اي حتى التوازن لا يمكن ان يُفقه من قبل اي كان يريد فقهه شكلا وتعريفا ومضمونا وبشكل يمكن ان ندعي بان حدوث ونجاح تلك المعادلات ستؤدي الى تلك التوازنات، اي بعبارة اخرى، لحد الان لا يمكن ان نعلم ماهو شكل ومحتوى التوزان السياسي بذاته في هذه المنطقة بعدما اختلط الحابل بالنابل في المنطقة من جميع النواحي . وعليه، ان روسيا ليست بمقدورها ان تعيد التوازن كما فشلت امريكا في ذلك الا انها استقدمت الى المنطقة للابقاء على نقطة ترى فيها عدم فقدان مصالحها بشكل كامل وتتشبث بها لمنع قطع يدها بشكل كامل عن المنطقة وما فيها من قبل الاخرين والا التوازن ليس من نتاج يد روسيا او حتى امريكا بنفسها وان تعاونت معها دول المنطقة .

  

عماد علي

في المثقف اليوم