آراء

الخوف من المستقبل

almustafa abduldaemلا بد أن المتتبع سيلاحظ دون كبير عناء استناد "كتابات" بعض الصحراويين "المدافعة" عن سياسة البوليساريو إلى "قناعة شخصية" متمكنة من أصحابها، يحتكم في هجومها العنيف على كل رأي مخالف ومنتقد لقيادة البوليساريو .. ظاهريا "الخوف على الثورة"، وعلى "المصير"، واعتبار هذه الكتابات النقدية تخدم "العدو المغربي"، لأنها – أي الكتابات المدافعة عن سياسة البوليساريو – ترى أن كل نقد خارج القنوات التنظيمية يستفيد منه " العدو المغربي ولا أحد سواه "، بيد أن "تلك الكتابات" وعكس ظاهرها في العمق، تكشف عن اعتمادها المبالغ فيه على مسبّقات مُوجّهة، ففي الوقت الذي يعترف فيه النظام نفسه أن "البناء التنظيمي قد انهار تماما" بالمدن المحتلة .. وعبر عنه بالحسانية " انفرط التسبيح "، وتحوله – أي البناء التنظيمي – إلى مجرد هياكل فارغة، لا تربطها بالتنظيم الأم إلا " التقارير السرية " المؤدى عنها لأمناء الفروع، وفي نفس الوقت أيضا الذي افتقد فيه التنظيم بمخيمات اللاجئين إلى السند النظري، نجد مع ذلك أن الكتابات " المدافعة " عن الخطاب الرسمي للبوليساريو رغم كل الانتكاسات والهزائم السياسية والدبلوماسية التي راكمها، مافتئت تنظر إلى ذاتها باعتبارها موطنا وحيدا وأوحد لقيم النضال والتضحية والبذل والعطاء والتضامن والحرية والأمانة ...، في حين أن الآخر المخالف ..الآخر المنتقد والناقد، وإن كان ينطلق في نقده من مبادئ ثورة العشرين ماي الستة عشر، فهو الوجه المكشوف للتآمر والكذب والمكيدة والتبعية، وكلها أوصاف تشكل مقدمات ضرورية مفضية إلى التخوين الذي يمتح لدى " هذه الذات " في الغالب من اعتمادها الكلي على " آلية ذهنية " تتجلى في "صورة القديس"، وتلبس الآخر ثوب " الكفر والخطيئة " .. وهكذا تموقع " هذه " الذات القديسة " غيرها كأتباع أخطئوا الطريق، وأنها وحدها (أي هذه الذات) من تملك جزاءهم عقابا أو تبرئة بحسب خلفيتهم " القبلية والعشائرية والعائلية " من جهة، ومن جهة أخرى قربهم من " القوى الداعمة " للمشروع الوطني ككل.

إنّ هذه "الذات " المستقوية في "وجودها السياسي" بأسلحة "القدسية" التي كما سبقت الإشارة إلى ذلك تضمر تصورا للذات عليه تقيم علاقتها بالآخر .. علاقة سلطوية تدين ليس فقط هذا الآخر المنتسب لرؤية سياسية مخالفة، ولكنها أكثر من ذلك تدين حركة الزمن لأنه كلما اتجه نحو المستقبل إلا وكان من الطبيعي أن يفجر رؤى جديدة ومغايرة .. هكذا هي حركة الزمن لا يمكن أن تتوقف عند لحظة معينة ..إنها في تطور مستمر .. وهذا التطور هو " العدو الأساسي " للذات المتمكن منها مفهوم " القدسية والعصمة من كل خطأ " .. لذلك تصر " هذه الذات " على الاحتماء بزمن " السبق النضالي " المستوحى في خيالها من زمن " الوحي "، وفي " الإخراس العلني " للآخر تتلفع ب" طهر البدايات" الذي يعني أن: (النقاء موقوف على البدء / الوحي، الذي شمل الزعيم / الطاهر وحده الضروري لإصلاح كل شيء، وفي غيابه ينهار كل شيء) .  

إنّ استحواذ هذه الذهنية التي ترسخت كنتيجة لخوفنا " الثقافي " من المعنى، وانفتاحنا الموجه على المغالاة في كل شيء، بما في ذلك الركون دون ندم إلى القبول بتتويج زيغ الثورة " رئيسا أبديا " ...  

إن رؤية بهذه الحمولة " الميتافيزيقية " المبشرة طبعا بعداء لكل الأجيال المستقبلية، عادة ما يرشح منها هذا النزوع المباشر لإخضاع الجميع لمنطق الأستاذية والوصاية .. ومن غير الصعب اكتشاف أن كل الكتابات التي واجهت الآخر بحجة الخوف على الثورة، وعلى المصير .. هي في حقيقتها كتابات تخاف من المستقبل لأنه مبشر بالاختلاف ومبني على الحرية ضدا على واقع استكانت فيه " الذات" إلى السلطة، وصنعت باللجوء إلى اقتراف " المحو " من ذاكرتنا النضالية الجماعية كل " الآخرين المخالفين " مقصلة إعدام تحمل ختم التخوين الجمهوري .  

إن الهجوم الشنيع على الآخر، والتحامل عليه بمبرر انحيازه إلى النقد الذي يخدم العدو، في محاولة للإيهام أن هذه " الذات " ليست مناهضة للنقد إلا مرحليا، لا يستقيم حالما نعرضه على خوفها على مصالحها الشخصية، ومنافعها الذاتية، ومناصبها الخالدة، وميراثها في السلطة والمال، وأيضا خوفها من هذا النكوص الإجباري والاضطراري المهول الذي يصيب " الأنا " المسيطر والمتفرد، كلما انتهك أرجاءه صوت الاختلاف والتعدد .. الصوت الذي لا يعلن عن نفسه إلا من خلال القبول بالآخر وحقه في أن يعبر عن نفسه بكل حرية .

 

المصطفى عبد الدائم

في المثقف اليوم