آراء

هل يتحقق مبدا المواطنة في العراق؟

emad aliربما يتعجب من يقرا هذه المقولة وهي تحقيق المواطنة في العراق الذي لا يعرف احد هل لازال وطنا ام مقسما على ارض الواقع من حيث عمق مفهوم الوطن، وهل من احد يمكن ان يتجرا ويقول ان الارضية قد يمكن تخصيبها لتهيئة الاجواء من اجل ان يكون لدينا وطنا بسمات ومواصفات يعيش فيه مواطنون بمعنى الكلمة، اي منتمون الى الوطن عقلا وفكرا والتزاما بالواجبات التي تقع عليهم ومطالبين بالحقوق الذي لهم . الانتماءات لازالت متقطعة او متجزاة ان تكلمنا بدقة اكثر، اي لازال الشعور بوجود شعب متوحد منتمي للوطن اسمه العراق لم يتحقق لحد الساعة، وان كان الانتماء الى قبيلة او عشيرة او حتى فخذ فيه من التعصب الذي يمكن ان يصل الى الاحتكاك وحتى الاحتراب على ابسط خلاف، اولاان التزام الموجود بالدين او المذهب الذي يحتاج اليه اي فرد من حيث الاحتياجات النفسية اصبح بديلا للمواطنة والانتماء الوطني بشكل مطلق . اما الاحساس بوجود وطن ومميزات لازال في بداياته او لم نصل اليها بعد، لانه حتى البدايات تحتاج الى وعي اكثر منه الى الانتماء النفسي الملائم كما تحتاجه الانتماءات التي يمكن ان نسميها التفصيلات البديلة الاخرى . السؤال هو؛ العراق وهو بلد وعضو في الامم المتحدة، وكيفما كانت البداية، انه انبثق منذ اكثر من تسعين سنة وتركبت مكوناته فوقيا، الا انه رغم التقادم فان الانتماء لم يتم فيه كما هو المطلوب بل لم يُحس به في اية مرحلة كانت من تاريخه، نقصد ما المعلوم عن الانتماء عقلا وعاطفة وايمانا وليس سطحيا . انه الوعي الذاتي الذي يفرض القفز على الانتماءات الصغيرة البسيطة التي التزم بها العراقيون بديلا للانتماء للبلد ان نكن صريحين ولم نخدع انفسنا، وهذا له عوامله واسبابه الموضوعية الكثيرة عدا المستوى الثقافي والعوامل الذاتية التي ترتبط بذات الفرد وتعلقه بمفاهيم تمنعه من التنقل الى الانتماءات الكبيرة التقدمية التي بدات منذ بناء الدول وانبثاقهم، وازاحت الانتماءات الاخرى كما نرى في الدول الاخرى .

كل انسان في داخله يمتلك خصائص وتوجد جوانب تدفعه الى حب الذات اي النرجسية قبل اي شيء اخر، وهذا ما يدفعه الى الاختزال في الانتماءات في النهاية من اجل العناية بالذات ومتطلباته الخاصة قبل الغور في متطلبات الانتماءات الكبيرة، ولكن ان تشبعت الذاتية الانسانية من الامور الصغيرة فانه تتجه نحو الاكبر وهي سُنة الحياة، اي ان اقتضى الضرورة تجاوز الانتماءات الصغيرة فان الانسان سيعبرها الى الاكبر وهي فوق الحدود الضيقة لتفكير فرد او مجموعة معينة .

ربما الغربة والهجرة والنزوح القسري والابتعاد عن الوطن يزيد من الحنين اليه ويعتقد البعض بانه الانتماء الى الوطن، الا ان الانتماء الصحيح الحقيقي ليس بحنين الى الوطن فقط تحس به وانت بعيد عنه ومن ثم تتركه متى تعايشت معه وتضايقت منه. اكثر السياسيين والذين عادوا الى العراق فيما بعد السقوط كانوا يعتقدون بانهم يضحون من اجل العراق وتبجحوا بانتماءهم الى العراق العظيم كما سموه، ولكنهم في اول خطوة عملية لاثبات ذلك لم يفلحوا، بل اما غادروا الوطن لاستيائهم فيما وقعوا انفسهم فيه او لم يحصلوا على موقع سلطة او عفويا نتيجة احساسهم بانهم لم ينتموا الى اي شيء في الوطن الذي تشدقوا به من قبل نتيجة ضغوطات الحنين البايولوجية ومن ثم عادوا الى حقيقتهم، والباقون لصقوا بالمصالح التي وجدوها في الوطن وليس ما دفعهم هو الانتماء ابدا .

المواطنة لا يمكن فرضها قسريا او بادعاءات ومبالغات سياسية، وانما هي نتاج لعملية معقدة من الوعي العالي للمنتمي الى الوطن والمنتقل من الانتماءات الصغيرة الى الكبرى، او من فضل الانتماء الكبير على الصغير دون ان يخرج حتى من الصغير. ما نراه في العراق اليوم هو مسح الانتماء الوطني من اجل انتماءت عقيدية فكرية ايديولوجية قحة لا يمكن انبثاق الانتماء الوطني منه، لا بل يمكن ان يكون ضده بالكامل، لان الانتماء العقيدي فوق الوطني يمنع الانتماء الوطني وبالخصوص في حال لم يتوافق العقيدي مع الوطني كما نرى .

لو نلقي نظرة على السعودية وايران ولم نذهب بعيدا عن المنطقة، لكي لا نقيٌم الانتماءات الاخرى التي وصلت اليها البلدان المتقدمة نتيجة طول تفاعل العملية هناك وفناء انتماءات اخرى نتيجة ايجاد البديل المناسب للفرد وتعويضه لما ينقصه ويفرض عليه امتلاكه الغوص في الانتماءات البديلة . ان ايران فرضت المذهب الشيعي بديلا ومن خلاله والتعصب الناتج عنه فرضت الانتماء الى المذهب هو الانتماء المواكب او الموازي او البديل الى البلد واستغل المذهب والدين كعامل مناسب للمسك بالوطن وفرضه على الجميع والا لا يوجد هناك انتماء الى الوطن بمعنى الكلمة هناك (هنا لا نتكلم عن القوميات والمذاهب غير الشيعية التي لا تنتمي اصلا الى ايران باية نسبة تُذكر). وهكذا للسعودية التي تستخدم المذهب المعاكس وبالشكل والتوجه ذاته، هذا ان استثنينا شكل وتركيب النظام في الدولتين . اما العراق الذي يحتوي في تركيبته الاجتماعية على موزائيك مختلط قوميا ودينيا ومذهبيا، لم يتمسك بشيء من هذا القبيل الموجود في السعوجية وايران كدولة، بل توزعت ما بين ايران والسعودية، لذا لا يمكن ان نتوقع انتماءا وطنيا حرا عفويا راسخا في العقلية والتوجه والفكر الا بعبور الانتماء الديني المذهبي، وعلى العكس تماما من البلدين ايران والسعودية .

الصراع المذهبي النابع من الشر المكبوت في داخل اي انسان ويسوغ له المذهب من اجل تقوية الانتماء لدى المنتمي للمذهب، دفع الى التصارع والتمديد في الصراع دون ان يتمكن احد من ازاحة الاسباب، لانها منغمسة في عمق التفكير الفرد الذي يعايش الحالة في حياته اليومية (لم نتكلم هنا عن النخبة المثقفة العابرة لهذه الافكار والعقائد الجزئية القليلة العدد) . ان الوعي الديني بشكل عام حاله حال الوعي المذهبي لا يمكن ان يكبح جماح الشر المكنون في الانسان لانه يفرض الانتماء الى دين او مذهب ويعتبره هو الاحق على الاخر مهما كان معتدلا .

لذا، طالما بقي الشعب العراقي على ما هو عليه، وكما اعتقد سيبقى لمدة طويلة مهما كانت سلطته او حكومته، فان الانتماء الى الوطن والانتقال الى ارضية اندثار الانتماءات الاخرى ليس بسهولة يمكن انتظارها قريبا، نتيجة لما نعرفه عن الوعي والمستوى الثقافي للسواد الاعظم من العراقيين .  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم