آراء

تحطيم سلم القيم الاجتماعية في العراق بشكل خطير

emad aliمن يعلم شيئا عن تاريخ العراق الاجتماعي سواء بمعايشته واقعيا او قرائته لما يتسم به من خلال البحوث والدراسات والكتب التي اصدرها العالم الاجتماعي الكبير علي الوردي، يعلم ان العراق كان يمتاز بمجموعة من القيم المرتبة وفق سلم جاءت نتيجة تقادم الزمن ومن نتاج تاريخه العريق، رغم حدوث التغييرات الكبيرة فيها بمرور الزمن ففعلت التناقضات الموجودة في بنية المجتمع العراقي وسلوكهم امور اثرت على تراتبية القيم او تسلسلها او محتواها وايمان الناس بها كما تكلم عنها السيد الوردي بالتفصيل في معظم كتاباته، الا ان العراق في المرحلة الاخيرة تعرض لمجموعة من العوامل التي يمكن تسميتها بالكسارة الكبيرة للقيم ومحطمة لسلمها التي امتاز الشعب العراقي بها في كافة انحاء البلاد بمدنه واريافه وجباله واهواره وسهوله .

اما في المرحلة الاخيرة، نجد ان هناك من هذه القيم التي اندثرت او نزاحت او اقترضت بفعل التغييرات الجذرية التي حدثت واثرت بشكل مباشر على حياة الناس وتفكيرهم رغم التزام البعض هنا وهناك على نسبة منها . الحرب بما فيها والتدخلات الكثيرة واجتياح داعش وافعاله وما جلبه والمصالح والمضايقات والظروف الصعبة التي مر بالبلد اجبره على التغيير المحسوس في سمات وصفات الناس، وان ظهر التغيير بشكل طفيف بداية وسوف تبرز اثار تلك التدخلات والتاثيرات ونتاجاتها بشكل بطيء على سلوك الناس وفكرهم وايمانهم بقيمهم ونظرتهم الى الحياة . اي الحروب والتغييرات الجذرية في البنية السياسية والاقتصادية والثقافية اثرت بدورها على التركيبة الاجتماعية الشكلية والباطنية، وغيرت من السمات بفعل تغيير النظرة الى القيم المختلفة او اضطرارهم على التغيير للتكييف مع المستجد بشكل عام، وهنا لا نتكلم عن الاستثناءات التي قاومت ولازالت تلتزم بما كانت عليه ربما لبعده وانعزاله او تواصله في التحكم بالاواصر والعوامل التي تبقي على السمات والقيم وبدواعم ذاتية تنفض عن نفسها المؤثرات الخارجية التي جاءت بفعل التغييرات المختلفة ان تمكنت .

النزوح الكبير والاحتكاكات والاختلاط المباشر بين الناس بجميع فئاتهم بشكل متكرر، هو العامل القوي الفاعل لتبادل الموجود من الناحيتين التحتية والفوقية وما تكتسبه العقول وتؤمن به حال تنقله بعد تلمسه المختلف الموجود حتى بين قريتين من الجوانب الكثيرة . الازمات المتكررة من المالية الى الامنية ودخول العرف والعادات التي لم تعرف بها اية فئة عراقية من خلال دخول المقاتلين سواء بشكل رسمي او من خلال اجتياح داعش وغيره وما يتركبوا منه من الجنسيات المختلفة المتسمة بسمات وخصائص لا يمكن ان يبقوا منفصلين كيانا وفكرا وان نتوقع انهم لايؤثرون على اي مكان يدخلونه ولو لمدة قصيرة جدا من كافة جوانب الحياة ومنها القيم الاجتماعية المختلفة .

و عليه يمكن ان نقول بان العراق اليوم ليس بما كان عليه من الناحية الاجتماعية كما هي حاله من الناحية الثقافية والاقتصادية، ولا يمكن ان نقيمه كما كان ايام الوردي، ولا يمكن ان نجده ويمكن ان نتوقعه يعود الى ما كان عليه قبل الحروب وما وصل اليه في الاونة الاخيرة، وعليه لا يمكن ان نجد الشعب بقيمه وصفاته وسماته مهما دعى البعض عكس ذلك ومن منظور عاطفي غير واقعي نابع من حنينه الى الماضي وما كان عليه العراق ايام زمانه . انه حقا تحطيم كامل لسلم القيم الاجتماعية التي كانت تربط بين مكونات الشعب وكان لكل فئة خصوصيات الا انه كان هناك سمات مشتركة اخذت مداها وتعمقها خلال التاريخ الطويل لحياة الناس المشتركة، رغم وجود الاختلافات المنظورة بين الاعراق والاديان والمذاهب بشكل واضح وجلي .

طالما امتدت الازمات وتمادت المدخولات من السمات الدخيلة ولقت ارضية لتزاوجها مع الاصيل اننا نجد سمات هجينة وُجدت من تفاعلهما وتداخلهما مع البعض وربما نتج منه اشكال اجتماعية وقيم مغايرة كليا عما كانت عليه المجتمع العراقي من قبل التغيير .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم