آراء

وزارة الخارجية ومحنة اختيار الوزير!!

لسنين طويلة جدا، ومن خلال وجوده كوزير للخارجية، لعب السيد هوشيار زيباري في فضاءات واروقة الامم المتحدة والمحافل الدولية، دورا رئيسيا في تشويه صورة العراق وسياساته الجديدة، ومارس لعبة اضفاء المبالغات السلبية وتحريض منظمات حقوق الانسان على الاحداث ضدالوطن العراقي والتي كان العراق يمارس فيها أقصى حالات الدفاع عن نفسه في الداخل ضد الارهاب . لقد طاب لزيباري التجرد من أخلاقه المهنية والوظيفية من اجل ان يقدم دعما لامحدودا من خلال الافتراءات لتبرير سياسات حكومة الاقليم في ممارساتها السياسية والنفطية غير الشرعية ضد الدستور والحكومة الاتحادية في سرقات النفط وتهريبه الى تركيا وايران . فزيباري، وكأي من السياسيين الاكراد ممن لا يعنيهم الواقع العراقي شيئا، لا من قريب ولا من بعيد إلا بقدر مصالحهم الكردية، كان يتصرف وكأنه قام بامتلاكه لوزارة الخارجية، وأسس من خلال ذلك، سياسة عدوانية مباشرة ضد سمعة الدبلوماسية العراقية بهدف الابقاء على "تفوق" ملموس للاقليم على حكومة المركز . فقد أتاح له منصبه السيادي أن يلعب دورا غير شريف في ابراز الاقليم كبيئة مثالية حاضنة لجذب شركات الاستتثمارالعالمي، وكان في نفس الوقت، يساهم والى حد بعيد الى اضعاف دورالعراق وتشويه سمعته من خلال التركيز على الاوضاع العراقية كبقعة ساخنة تعج بالارهاب والمفخخات، بحيث زرع الرهبة والخوف في الشركات العالمية لرفض المجئ للعراق، لكي يجعل من اقليم كردستان، وحده الجدير بالثقة!!

أما الحديث عن قائمة السفراء والموظفين الاكراد الطويلة والبعثيين والفاسدين الذين كان لاهم لهم سوى الاسائة الى الجاليات العراقية وتشويه سمعة العراق في الخارج، قد أسدى من خلالها "الخال" زيباري "لابن شقيقته " رئيس الاقليم، أعظم المواقف التي يمكن ان يقدمها أي مسؤل عراقي فاسد ضد النظام، فكانت فرصة لينكئ جروح العراق وشعبه بكل دوافع العنصرية حينما يراد لها الانتقام وتقويض حكومة اتحادية ظلت محاصرة ولوقت طويل من قبل رئيس البرلمان اسامة النجيفي الذي كان "يمتنع" من تنفيذ قرارات رئاسة الوزراء، وكتل شيعية تعمل وراء الستارمع اياد علاوي ورئيس الاقليم من اجل اسقاط الحكومة.

وبعد عناء للعراقيين طويل، وانتقادات اقلام شجاعة واحتجاجات المخلصين حول سلوك زيباري الشائن، استبشرنا خيرا بتغييره، ولكننا، واذا بنا نجد أن خلفه الدكتور الجعفري، يتبنى سلوكا لايقل سلبية في الابقاء على معانات العراقيين وفي ظروف لا تزال فيه المشكلة العراقية تجتر نفسها في محنة شمولية وامكانية انهيار متعدد الجوانب للمجتمع العراقي . حيث لا يزال الفساد والفاسدين يمثلون تهديدا حقيقيا بايقاف نبض الحياة، مشيعا صدمة وخيبة امل كبرى مشوبة بالذعر وسخط العراقيين على دولة استمرت اثنتي عشرة سنة ولم تبدي أي مسؤوليات حقيقية امام كتل فاسدة ومن ارهابيين ولصوص ومجرمين وهم ماضون في تقطيع اوصال المجتمع العراقي، سوى ممارسة الصمت والتهديدات بفضحهم لا غير.

أن ضعف اداء الدكتور الجعفري وتزلفه المخجل لانظمة السعودية وقطر وتركيا واحتضانه لاهدافهم، من خلال سياسات لا تزال تمثل بعض نزعات التوارث الشيعي المعروف في الالتزام الشديد بمبدأ "التقية" وتطبيقاته على تلك العلاقات مع تلك الانظمة التي لم تتوانى عن تدمير العراق، لا يزال يشكل محنة حقيقية تتعارض مع الاصلاحات التي لا تزال تدور وتلف حول نفسها.

فمبدأ التقية هذا، والذي كانت الشيعة تتبناه، كأحد وسائل حماية الذات من ظلم الانظمة الحاكمة للعراق، والذي يفترض ان لا مكانه له اليوم في ظل توفر الثقة بالنفس كحكام للعراق الجديد، يبدوا انه لا يزال جزءا من المسيرة السياسية الشعية والتي لا تتغير ولن تتغير أبدا، والمتسمة دائما بابتعادها عن استراتيجية شمولية لبناء اسس الدولة الحديثة وتنمية المواهب العلمية والقدرات لكنس ازبال خلفتها كتل سياسية لا تستحق الحياة.

أن شعبنا الذي يحاول اليوم ان يملي ارادته على الاحداث التي يريد لها بعض الكتل السياسية ان تبقى معطلة، قد استفاق من سباته الطويل، بعد ان دقت المرجعية الدينية الرشيدة أجراس الخطر للنهوض ضد ما يجري من موت الحياة وتحول عراقنا الى خرائب واطلال، أطرتها مبادرات ابطال الحشد الشعبي في التطوع لصد الرصاص باجسادهم . لقد أحدث ذلك صدمة كبرى هزت الوجود العراقي وأحيت ألامال في تغيير حقيقي مأمول، ولكن هذه الصدمة، يبدوا انها لم تصل بعد الى الكثيرين، من بينهم السيد وزير الخارجية الدكتور الجعفري. فكانت على سبيل المثال، كلمة السيد الجعفري في الامم المتحدة، صدمة لنا، لانها مثلت ابتعادا عن التركيز على صميمية المشكلة العراقية . ولم يكن لها علاقة بما يجري في العراق من كوارث، أومما ينبغي من تثوير الموقف . لقد كانت فرصة للمطالبة الفورية من قبل دول العالم التي كان الجعفري يتحدث اليها، تفعيل خطة عراقية "كنا نأمل" من وزير الخارجية انه قد تم اعدادها، لنصرة العراق في حربه ضد داعش وفضح مؤامرات السعودية وقطر وتركيا، أو على الاقل التلميح لهذه لادانة المهمة لهذه الانظمة للكف عن التدخل في الشؤون العراقية.  

ان العراقيين يدركون جيدا مقدار نرجسية الجعفري وغموض شخصيته، وبحثه عن فرص الصعود في المراكز الحكومية . فكما هو معروف من قراءات نفسية، ان الرجل "الصامت" يشكل خطرا كبيرا فيما يعتمل بنفسه امام الاحداث، أي أحداث. حيث ان العراقيين أدركوا أن النظام السعودي ومباركة الادارة الامريكية، كانت وراء المؤامرة ووجود الجعفري وزيرا للخارجية العراقية!!

أن تركيز الجعفري بشكل خاص وتوجهاته المتكررة لاعادة العلاقات مع النظام السعودي وفتح سفارتها في بغداد، لا نرى فيه شيئا من عفة وعزة المباديئ أوالقيم الاخلاقية والمهنية ولا إحترام مشاعر شعبنا الذي لا يزال يخر صريعا كل يوم نتيجة لدعم وتمويل السعودية وقطرلارهاب داعش. ففي الوقت الذي نجد ان الدكتور الجعفري يمتنع عن تحمل مسؤولياته الوطنية والمبدأية للتركيز على ما يعانيه العراقيين من تحديات وتهجير لشعبنا، وهو موقف مرفوض نشجبه كعراقيين لخلوه من أي شعور بالمسؤولية من قبل وزير الخارجية، وخصوصا في أكبر المحافل الدولية، وعدم استغلاله من اجل المكاشفة وتحميل مسؤولية دعم ارهاب داعش لادوار انظمة السعودية وقطر وتركيا كحقائق يعرفها العراقيون، نجد على العكس من ذلك، أن صمت الجعفري كان "رحمة" لهذه الانظمة. بل ووجدنا، تعاطفا دائما مع النظام السعودي والقطري بشكل خاص، في محاولة مغالطة شعبنا . فسياسة الجعفري التي تركز على "دبلوماسية هادئة"، مفادها أن سياسات "العفو" والصفح للمواقف العدوانية لكلا النظامين، هي اقرار ضمني للعراق في رضاه عنهما وليس ادانتهما، ليس من صالح العراق ولا تترك للجعفري مكانا لاحترام شعبنا.

وكان ينبغي على السيد وزير الخارجية، ان يسلك سياسات التعامل بالمثل ورفض "الانفتاح" على هذه الانظمة الخسيسة كما يفعل الان، فوقوفه صامتا حينما تتصرف هذ الانظمة بعدوانية ضد العراق، لا ينظر اليه سوى مجرد خيانة وطنية!!!

من جانب اخر، ليس صعبا معرفة ان الجعفري في عمله كوزير للخارجية، لا يمتلك خطة عمل واضحة كرئيس للدبلوماسية العراقية، ولكننا، نكاد نجزم ان الجعفري، يمارس خطأ شنيعا في سياسات "المجاملات" غير الضرورية وغير اللائقة مع انظمة معادية للعراق كجزء من سياسته التي كانت ولا تزال الداعم الاكبر للارهاب العالمي. كما ولا نريد ان نقدم امثلة على فشل الدكتور الجعفري كوزير للخارجية في تأخره طويلا في عدم كنس تركات الفساد في تمثيل السفراء العراقيين وكوادرها وموظفيها والتي كانت سياسات سابقه زيباري تمثل اغراضا معروفة لنشر الفساد والمحسوبيات والتركيز على العنصرية .

أن الفظيع المؤلم في الحياة العراقية، ان هناك لا تزال فجوة كبرى بين الحياة التي يعيشها الوزراء وبقية المسؤولين الحكوميين والكتل البرلمانية، وبين الحياة التي تعيشها بقية طبقات شعبنا. هذه الفجوة أكبر من ان تجعل أي تقارب ممكن بين المعتقدين بين هؤلاء وبين شعبنا في ما يخص طريقة التفكير الوطني وما يخص سياسات هذه الانظمة العدوانية وتأثيرها المباشر على مواقف هؤلاء المسؤولين أوعلى شعبنا. فالفرق بين الحياتين، تفرض فاصلا كبيرا جدا بين شعبنا الذي يخضع للارهاب اليومي ويعلم ان هذه الانظمة هي وراء كل مصائبه، بينما، نجد ان المسؤول الحكومي او عضو البرلمان، لا يخضع لسطوة الارهاب . وعليه، فان الدكتور الجعفري، لم يتناول مشكلة الارهاب السعودي والقطري كمشكلة ذات أهمية كبرى على شعبنا، ولن تثنيه كوزير خارجية من اصراره على عودة العلاقات مع النظامين العدوين. فوزير الخارجية يمارس دوره السلبي هذا، كأي عضو برلمان او وزير اخر، بغض النظر عن انتمائه لحزب الدعوة . وكما هو حال الاخرين، عند اضطراره، فانه يصرح بما من شأنه امتصاص نقمة شعبنا لا غير. فكما تعودنا، ان جميع الكتل السياسية العراقية تصرح "بأعلى درجات الوطنية"، وبلا فرق بين أحدهم او الاخر، في حين أن معظم هؤلاء هم اسباب دمار العراق.

مشكلتنا العراقية القائمة، تتلخص في أن الكل يغني على"ليلاه" . كما وأن الحياة العراقية لا تقتصر على محور معين قد توقف فيه نبض الحياة ومات، فربما تستطيع الحكومة او الوزارة المعنية او الجهات المختصة، ان تنبري لاعادة الحياة له من خلال معالجة جزءه العاطل و توفير البديل له، لكي تستمر الحياة من جديد وتنتهي المشكلة، وتمضي عجلة الحياة بالدوران.

المشكلة العراقية تتلخص ان الحياة برمتها معطلة، وهذا يعني الحاجة الى حياة جديدة واصلاحات جذرية وانقلاب على جميع الاخلاق المتهرئة القائمة.

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم