آراء

هل يحق لروسيا التدخل في سوريا؟

emad aliلقد كمنت كل من امركيا وروسيا لبعضهما منذ مدة وانتظرتا فرصة سانحة لتنقضا على بعضهما بشكل او اخر ولتاخذا زمام المبادرة في السيطرة على المنطقة لتقطع احدهما الطريق عن الاخر، ويمكن ان يقع اللوم اكثر على امريكا اكثر من روسيا التي كانت منشغلة بامورها الداخلية ومشاكلها اكثر من امريكا. بعدما فشلت امريكا في المنطقة منذ اسقاط النظام العراقي من تامين الامن والاستقرار وضمان الولاء الكامل لها نتيجة التعقيد الذي تتصف به المنطقة من وجود محاور واشكاليات سياسية من اختلاف الانظمة مع الابعض من حيث السلطة والنظرة الى المفاهيم المختلفة والايمان بها في حكمهم، كان من المنتظر ان تحدث مفاجئات. اصبح العراق وحلا عميقا غاصت فيه امريكا وتنصلت من مسؤلياتها بعد ان تاكدت بانها تخسر اكثر ان استمرت في مسيرتها فقررت وانسحبت جزئيا بماء الوجه في عهد اوباما، الا انها لم ترد ان تقطع صلتها نهائيا، فارادات ان تستخدم العاملين المحليين لبقاء يدها متسلطة على المنطقة. هذا في الوقت الذي كان روسيا مشغولة جدا في امورها الداخلية ولم تكن لها يد في اية عملية تحصل في منطقة الشرق الاوسط الا ما ربطت من الخيط الرفيع مع ايران ومن خلالها تمكنت من تحقيق مهام عديدة وانتظرت الفرصة لتعيد النظرة او ان تنقض على ما هو الواجب من استغلال الفرصة لتامين مصالح روسيا فيها. خسرت امريكا ما جاءت من اجلها ولم تحقق اهدافها حتى بشكل جزئي رغم ما اهدرته من الاموال ومن مواطنيها في وحل الارهاب الذي غاصت فيه بنفسها لمدة طويلة . اشتدت الصراع ووصلت الى استخدام القوى الارهابية في عمليات مخابراتية للدول المتصارعة بحيث اصبح الانسان وحقوقه اخر ما يفكر به اي طرف من الدول والجهات المحتدمة، والمواطن المدني اصبح ضحية لتلك الصراعات والتعقديات السياسية وتضررت بشكل مباشر من تداعيات وافرازات المعادلات التي خلطت الحابل بالنابل .

وصل الاتفاق النووي الايراني الى مراحله الاخيرة وكان من المرجح ان تغير ايران من سياساتها واساليبها امام امريكا واسرائيل، ولم تبق او ربما تتلاشى تلك الاهمية لروسيا في المنطقة في المستقبل المنظور من جهة، ويمكن ان تكثف امريكا من الضغوطات الاكثر عليها من خلال بوابة اوكرانيا والضغوطات الداخلية من فرض الحصار وتشغيلها بما لديها من المشاكل من جهة اخرى. الا ان روسيا ارادت وفرضت الاسبقية وتغذت منها قبل ان تتعشى امريكا بها . واتخذت خطوة مصيرية كبيرة بتدخلها المباشر بعد خطوات استباقية في سوريا ومن خلال قفزة نوعية في خلال تغيير مسيرة السياسة العالمية في منطقة الشرق الاوسط، ولم تُبقي روسيا شيئا لامريكا الا الخنوع لما يحصل في اخر المطاف، هذا ان استبعدنا الاتفاقات الخفية لتوزيع الادوار كما يدعيها البعض من المحليين والسياسيين، الا انني لست على اعتقاد ان تضحي امريكا بكل ما صرفتها وخسرتها من اجل تامين ما يهم روسيا وتتفق على ما تهمها في اخر المطاف .

لقد تغطرست امريكا وازدادت من عنجهيتها باستقدامها الى المنطقة من خلال نافذة العراق، الا ان الضربات التي تلقتها من افعال وسياسات دول المنطقة واستغلالهم للارهاب في توجيه سياساتهم وتشويه العملية واحلال الفوضى على مخطاطاتها، اجبرت امريكا ان تفكر جيدا في اعادة النظر واعترفت بان العملية صعبة ولابد ان تتراجع عن الكثير من اهدافها كما فعله اوباما بخطواتها التي سماها اعادة التوازن في المنطقة بهدوء ليحل السلام والامان كما ادعى .

السؤال هو هل يحق لروسيا التدخل كما فعلت؟ وهل استقدامها يفيد المنطقة واكثر ضمانا لأمن المنطقة؟ وهل تنجح في مهمتها على الرغم من الاعتراضات الكبيرة؟ وهل تتعقد الامور اكثر ام نسير نحو نهاية المطاف لايجاد الحل لما تمر به المنطقة ؟

اننا ومن خلفية فكرية سياسية ومن متابعتنا لما سارعليه الاتحاد السوفيتي ايام الحرب البادرة التي لم تدع سيطرة جهة بشكل مطلق دون اي مقاومة او رادع من الاخر في حينه، وكان توزيع الادوار واضحا ومعلوما والمحوران وملاحقهما ساروا على ما كان واضحا وهما مجبران على السير عليه. اما اليوم وبعد خلط الاوراق والتخبط وعدم وضوح امر اي محور وبقاءه على توجهاته والمتحالفين معه وما نشهده من تغيير السياسات المتلاحقة من قبل الاطراف والقوى، فاننا لابد ان نقول بان المحور السوفيتي القديم والروسي الجديد ان صح التعبير قد اجري عليه تغييرات كبيرة وربما لم تتحدد بعد مضامينه كما هو حال المحور الامريكي الواضح المعالم، وسيتوقف نجاح المحور الروسي على ما يفعله في هذه الخطوة الجذرية التي استقدمت عليها روسيا في سوريا . فهل ظروفها الاقتصادية السياسية العسكرية تسمح لها ان تكون محورا مضادا ام لابد من توزيع الادوار مع امريكا بتواصل وتفاهم على الرغم من انكار ذلك علنيا من قبل الطرفين معا .

هل من حق روسيا التدخل بشكل مباشر؟ ان اردنا ان نجيب عن هذا، فلابد ان ناخذ الموضوع من باب الانسانية قبل السياسية، ومن نافذة المصالح الخاصة لدول المنطقة وا لجهات قبل مصالح القوتين او المحورين المتقابلين .

ليس من مصلحة اية دولة في منطقة الشرق الاوسط ان يسيطر عليه قطب واحد امر ناهي يفرض ما يريد باشارة كما فعلت امريكا منذ سقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي على يد غورباتشوف بعد معاناة كثيرة لم تقدر روسيا على تحملها وغيرت من سياساتها بشكل فجائي كما تفعل اليوم روسيا ما تستطيع ان تفعله في منطقة الشرق الاوسط لاعادة المسار وتصحيحه منذ بداية التسعينات القرن الماضي، وبعد تدهور الامر اكثر منذ سقوط الدكتاتورية في العراق .

نعم لكل من له المصلحة الخاصة بشعبه عليه ان يجد اي طريق لتامينها، ولكن ليس على حساب الاخرين كما تفعل امريكا دوما . ان روسيا بعدما وصلت النار لحافة باب بيتها وتمكنت القوى المقابلة لها ان تضغط عليها في اوكرانيا وكذلك من خلال فرض الحصار الاقتصادي، كان لابد لها ان تتحرك لفك القيد والاغلال من معصميها بما تملك هي ايضا من الامكانية والقوة التي ورثتها من الاتحاد السوفيتي شكلا وتركيبا ومحتوى .

يمكن ان نشبه ما كان يجري في هذه المنطقة بنظام دولة لم تكن فيها معارضة لاعادة التوازن والمراقبة والمحاسبة للسلطة فيها . فكانت امريكا هي القوة المتسلطة الحاكمة الناهية رغم المعارضة الخفيفة من محور ايران لمدة طويلة، لحين الاتفاق النووي، فبدخول روسيا على الخط فانها تعيد التوازن وتدفع امريكا ان تحتسب لكل خطوة وكما يجب ان تفعل روسيا الشيء ذاته وكل منهما يمكن ان يكونا سلطة ومعارضة لبعضهما في المنطقة وربما باختلاف ملحوظ عن الصراعات التي حدثت ايام المحورين الاطلسي والسوفيتي. ان لروسيا الحق في ان تقدم على اية خطوة تزيد من استقرار بلادها وتتمكن من خلالها ان تضمن عدم خضوعها للامر الواقع بفعل القوى التي وصلت المشاكل لقرب دارها. وهي في بداية العملية الان وربما تغيض بخطواتها بعض القوى الاقليمية لانها لا تتلاقى مع مصالحها الضيقة ومع ما تفيد الاخرين وروسيا ايضا . اننا اليوم في بداية التحرك المطلوب لاعادة المسار المنتظر منذ مدة من قبل اية قوة كانت فتقدمت روسيا على تنفيذ الامر بما يخدمها قبل الاخرين . ولننتظر ما يحل بالمنطقة بعد اعادة التخطيط والترسيم وردة فعل من تفيدها المستجدات ومن تضرها، الا ان الخارطة لم تعد الى ما كانت عليه وسوف تستقر الحال على امور ربما مختلفة جذرية على ما كانت عليه في بقاع كثيرة في الشرق الاوسط . ان تدخل روسيا لن يكون في سوريا او لن تكون تداعياتها مقتصرة في مساحة دولة سوريا فقط ابدا وانما على المنطقة كلها ومن نافذة سوريا المطلة على البحر والبر في منطقة الشرق الاوسط، فلننتظر ما يحدث وهو كبير وكثير وجذري منذ اليوم .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم