آراء

لا حل الا بانتهاء سيطرة الاسلام السياسي في العراق

emad aliلنتكلم بصراحة ودون مجاملة او تردد او خوف كما يفعل الكثيرون وحتى من العلمانيين في تقيمهم للوضع السياسي العراقي اتقائا للمضايقات او لمصالح شخصية كانت ام حزبية . لم ينطقوا ابدا بما هو الحل الجذري لحالة العراق التي يمكن ان يُنقذ به ويخرجه من المستنقع الذي انغمس فيه دون ان يكون هناك افق منظور لخروجه لدى المتابعين لحد اليوم .

اننا لن نتكلم عن الحلول الترقيعية التي يعرضها البعض وما ابدعه السيد العبادي كما ادعى، غير ان ماهو البين ان الخطوات لا تمس باصل الموضوع ولا يقترب الحلول الجذرية التي تتطلبه الاوضاع الماسواية لما وصل اليها العراق بعد الفساد والقتل والنزوح وما شهده من التغييرات الجذرية وليست السطحية، ولم نر الا خطوات يندهش من يراها ويقارنها مع الواقع الذي يتطلب اكبر واقوى من ذلك، وكما يفعل السيد العبادي من اشرافه على فتح شارع وزقاق امام المارة، والعراق غارق في الفساد والحروب والقتل والفتك والتنكيل، اليس هذا ضحك على الذقون، ان يشرف رئيس الوزراء على عمل ليس الا من واجب يقع على عاتق موظف بلدية صغير ان يفعله . ام هناك ماوراء هذا الاشراف كما يقول البعض من تهديد ضمني للممانعين للتقشف (ليس الاصلاح) وما يسميه العبادي بالاصلاح وهو لا يمت به باية صلة . ويُقال بانه يعتمد على الشعب في اقتحام عقر دارهم السياسي (الفاسدين) ان حاولوا اعاقة خطواته وبالاخص الاقربين منه كما تسرب اخيرا من الاخبار حول ما يجري خلف الكواليس .

اخذت احزاب الاسلام السياسي بمذاهبهم ومشاربهم المختلفة فرصتهم في الحكم وتفردوا، وسُنحت لهم فرص لبيان صلاحهم للحكم واجراء اللازم في خدمة المواطنين بوجود كافة الامكانيات والثروات المادية والمعنوية الضخمة امامهم، وما توفر تحت ايديهم لم يكن متوفرا وموجودا من قبل لاية سلطة من ضخامة الدعم رغم التدخلات الكثيرة هنا وهناك، وان دل الفشل على شيء فانه يدل على عدم قدرة الاسلام السياسي على التحكم والحكم السليم وعجزه عن ايجاد طريق ولو ضيق لتوفير ما يلائم العصر ومتطلباته في خدمة الشعب، فبمذهبيه الشيعي والسني مهما كانت نسبة مشاركة كل منهما اثبتا فشلهما كما فشلوا في مصر ايضا . وعليه يجب ان لا ننتظر الحل بوجود هؤلاء وما يوزعون من الادوار فيما بينهم في السلطة من اجل بقائهم وسيطرتهم، وما يُدعمون من قبل السلطات المذهبية الشيعية من قبل ايران والسنية من قبل دول الخليج، الذين هم راس كل المشاكل التي تصيب المنطقة اينما حلوا او تدخلوا . والادهى ان امريكا وحلفائها هم على راس من يدعمونهم او يفسحون لهم المجال واسعا لمصالحهم التي لا تُضمن الا بوجودهم، بناءا على نظرتهم اي امريكا وهؤلاء الثقافية والسياسية والاقتصادية للمنطقة وليس استناد على الحل والتغيير الجذري لما تتطلبه حال العراق، بالاخص من ما يتميز به من الامكانيات الكبيرة التي يمكن ان يزيح بها كافة المعرقلات الدخيلة التي سيطرت على زمام الامور فيه في غفلة من الزمن دون تغيير ايجابي نحو الامام بعد السقوط .

لقد اُسقطت الدكتاتورية في العراق وكانت هي العاصية على السقوط داخليا، وفعلت امريكا حسنا لانها وان جاءت من اجل مصالح كانت تعقتد بانها تحققها في اقرب وقت ممكن وفشلت فيها، الا ان الدكتاتورية قبل السقوط غيرت من مسيرتها وتوجهاتها ورسخت ارضية وحلة لبناء ما ظلت حتى اليوم من التتنظيمات التي بنت قاعدتها على الدجل والتضليل الذي ادعاه الدكتاتور في العراق زورا وبهتانا ليس لشيء وانما من اجل ضمان بقاءه وقطع الطريق امام المعارضة، ومن ثم فشلهما هما الدكتاتورالعراقي والمعارضة الاسلامية ايضا قبل وبعد السقوط لما وقعا فيه من الاخطاء الكبيرة التي فرضت المعاناة والماسي الكبيرة على الشعب العراقي .

لقد برز من تحت الرماد ما كان مختفيا بقوة الحديد من قبل الدكتاتورية، فيما يخص الشيعة وتنظيماتها التي لم تبق منها الا بقايا متنافرة ومجموعات متناثرة لم تكن منتظمة هنا وهناك واستجمعت قواها المتباعدة عن البعض خارج البلد ودخلت كل منها بشكل واخر العراق ما بعد السقوط واستغلت الفراغ، ولم تات قوة علمانية متمكنة من اجل التغيير والاحلال الصحيح كبديل لما كان خطئا جوهريا في مسيرة الحكم الذي طال اكثر من خمس وثلاثين سنة وهو باتجاه الخطا ومنذ اعتلائه على سدة الحكم بقوة القادر .

اذا، الفترة التي منحت للاسلام السياسي اكثر من كافية ووافية لمن كان بامكانه اثبات اصحية موقعه وافكاره وتوجهاته، فاثبت الاسلام السياسي بانه غير مناسب في العراق بلد الحضارات الذي لا يمكن ان يتوقع احد ان يتراجع ويحكمه باسلوب وافكار وتوجهات ما قبل قرون وبالاسلوب والالية والفكر والثقافة ذاتها . فان كانت ايران قد استمرت في السلطة التي سمت نفسها بالاسلامية، الا انها غيرت الكثير من اللعبة من اجل توائمها وتلائمها مع الواقع والعصر على الرغم من انها تحكم لحد اليوم بالحديد والنار، وهي ليست دولة هادئة امنة متنعمة بالحكم الرشيد كما تدعي الملالي ليل نهار. وهكذا للسعودية الحكم الوهابي الذي يستغل سذاجة الناس هناك واعتقاداتهم التعصبية المتناقضة المعادية للاخر المعتمدين على خير امة اخرجت للناس، وما فعلوه بفتوحاتهم وما نشروه بقوة وحدٌة السيف وابلوا العالم بافعالهم مستندين على الغنائم والاتاوى والسبايا والترهيب والترغيب في امتداداتهم نحو الشرق والغرب، كما يدلنا التاريخ ان قرانا بحياد دون خلفية عقيدية ايديولوجية باي فرع منها لنكن محايدين ومحقين في تقيمنا .

اليوم كما نعيش وقع العراق في وحل الاسلام السياسي ولم تنبثق قوة كي تخرجه من المستنقع طوال الاكثر من العقد والنيف ولم يتمتع بسمات وخصائص من تلك النوعية والمضمون المميز الذي يمكن ان يخرجه من المشكلة العويصة كما خرجت المصر منها بسرعة مذهلة، وعوضت مشكلتها اكثر نتيجة التدخلات الخارجية وفتحت الطريق امام القاصي والداني باللعب في الساحة العراقية على العكس من مصر التي بقت مستقلة معتمدة على ما يجري في الداخل دون ان تسمح لاي تدخل من اي كان مهما كانت قوته وجبروته .

ان كنا نريد الحل الجذري النهائي في العراق وبعيدا عن الترقيع والتوصيلات المتباعدة، يجب ان نبحث عن ما يحل من البديل الحقيقي للاسلام السياسي بشقيه، وان بحثنا بدقة فلم نجد الا العلمانيين الواقعيين، ولكن الفرصة ليست سانحة الان بالذات لاعتلائهم السلطة، وهم في وضع لا يحسدون عليه من الناحية الكمية والكيفية نتيجة الظروف الموضوعية والذاتية لما عاشها العراق طوال الخمسين سنة الاخيرة . وعليه يحتاج العراق الى ثورة عارمة من كافة الجوانب السياسية الثقافية والى العمل الشاق لايجاد الطريق السلس لكيفية ترتيبها وتنظيمها، فهذا من شان العملية التي تبرز من هو القادر على التغيير سواء عفويا من خضم التفاعلات وما يخلقه الواقع نتيجة العمل بعصارة الفكر الجمعي كما يدلنا الدروس المستقصية طوال التاريخ البشرية او باستغلال فرصة او نتيجة انقلاب نوعي. ولو اعدنا النظر في الثورات الكبيرة التي حدثت في العالم، لنا ان نقول باننا لنا في العراق امكانية لما يمكن ان يدفع لحدوث ما حصل في مسار التاريخ بشكل او اخر، والا لا يمكن ان نجد تغييرا ملائما بما يفيد الشعب بهذه التركيبات والاليات السياسية الموجودة على الساحة اليوم ، فهل ننتظر طويلا ؟ فالايام المقبلة والتغييرات الاقليمية لها التاثير المباشر ايضا على الداخل العراقي وربما تفيدنا بشكل مباشر او نستشرف منها ما يحل بنا او ما نذهب اليه، او نثبت على ماهو الموجود دون تغيير لمدة اطول وهذه هي الماساة لما ينتظره الجيل الجديد .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم