آراء

هل تعيد روسيا هيبتها من سوريا؟

emad aliيبدو واضحا ما اتت من اجله روسيا ليس سياسة تكتيكية موقتة او يومية او من اجل ابقاء حليف على ما هو عليه او بالاحرى مساعدة موالي امين لها فقط بقدر انها جاءت من اجل استراتيجية وعملية طويلة عريضة وبهدف استراتيجي بحت وبعيد الامد. ان كان الهدف سياسي اقتصادي واعادة المكانة والهيبة من خلال ما تسميه باعادة التوازن الى السياسة العالمية والتي بدات ملامحه بظهور الاستقلالية الروسية من خلال موقفها من اوكرانيا بشكل كبير وبعد ما فعلته في جيجان من قبل. اليوم يريد بوتين انطلاقا من اللاذقية ليطير شرقا وغربا ويؤسس لمركز هام في منطقة تعتبر قلب العالم، ومن خلال تحالف ربما يتمدد ويتوسع مستقبلا بعد اعادة النظر من قبل قوى ودول اخرى لما هم فيه اليوم من التبعية الى القطب الاوحد دون ان يستفيدوا باي شكل يُذكر. ولاسباب موضوعية ليس لامريكا ولا لتلك الدول الامكانية في التعاون مع البعض من خلال الحفاظ على المصالح المشتركة التي لا يمكن ان تتوازى بين دول مختلفة الا من خلال الثقل والمكانة التي لا يمكن ان تتوفر دون عوامل مادية وتاريخية تتوارثها او تكونها الشعوب خلال مراحل مختلفة من حياتهم الطويلة .

اظهرت روسيا ما بجعبتها من ما تفكر به منذ مدة ليست ببعيدة، خطت خطوة مصيرية لاهداف مصيرية كبيرة لها ولحلفائها ولتطبيق استراتيجيتها. انها على دراية بما تعيش فيه المنطقة من التناقضات، ويمكن ان تنجح في ما هي جائت من اجله، لانها تمتلك المقومات التي تكون اكثر تاثيرا وتحركا وتلائما مع ما تتطلبه المنطقة من تمتلكه امريكا وحلفائها الغربيين . لو كنا نقيٌم المنطقة وما توجهت اليه بعد الربيع العربي، فان التغييرات السلية التي حدثت اجبرت الدول ان تفكر في ادعاء من يمد لها يد العون واصبحت في ظروف لصالح من ينقذها او حتى اصبحت الشعوب تنادي الى اعادة اوضاعها الى ما كانت عليه وخاصة في سوريا وليبيا والعراق . وعليه يمكن ان تلقى روسيا صدر وحضن رحب من سوريا والعراق ومصر وتونس وايران وربما تاخذ مسقط واردن دورا محايدا، اضافة الى الدور القوي الموالي من قبل ايران ودورها الفعال في نجاح هذا التحالف الجديد.

بهذه الخطوة اصبحت مشكلة اوكرانيا في حكم المنسية وعبرت روسيا المرحلة التي كانت تعاني من الضغوطات على باب بيتها . ووجهت الانظار اليها من كل حدب وصوب في العالم واعادت الثقة الى من اعتمدت عليها بشكل او اخر في ضمان مصالحها المتضررة من القطب الاوحد، فنرى ان الحلف العالمي الجديد بشكل وتركيب وتوجهات ومضامين مختلفة على ابواب الانبثاق وربما يستغرق التركيب وقتا الا ان العملية ابتدات وبدات نقطة الانظلاق .

هل يمكن للدول الغربية وخاصة دول ناتو عرقلة ما تهدفه روسيا والاقرب الى سوريا هي تركيا التي يمكن الاعتماد على عليها في حياكة المشاكل او يمكن ان تخول السعودية ودول الخليج الاخرى لعمل ما يمكن ان يضر بما تهدف روسيا او تؤخرها على الاقل لحين انهاء مشكلة داعش التي من الواضح ان امريكا تتسرع في ايصاله الى ما تريد ان تثبته على حال يمكن ان يفيدها في استراتيجيتها البعيدة جدا . فهناك من ينتظر نجاح روسيا، وهناك انضم فعلا الى مخططاتها وانتظرها وتلهف في الانضمام اليه، وهناك من على الطريق بعد التلميح لما يمكن ان يفعل من اجل ابعاد اضرار افرازات القطب الواحد على مصالحه. مهما خططت امريكا لما يمكن ان تفعله لانتاج شرق اوسط جديد، فانها اما تتسرع في خطواتها، او انها تعيد النظر في بعض منها نتيجة لما فاجئتها به روسيا في هذه الخطوة غير المتوقعة منها، على الرغم من ان تصريح البعض بان ما فعلته روسيا عملية متفقة عليها من قبل القوتين من قبل . ولكن الاشارات تدفعنا الى عدم تصديق ما يُقال ويبعثنا على الشكوك ويقربنا من ان العملية اجريت في مطبخ لم يوجد فيه اي طباخ امريكي او من التحالف الذي اسسته امريكا لمحاربة داعش من قبل . فتوزيع الادوار بعيد عن كل الاحتمالات بعدما وجدنا ردود الافعال الحقيقية من القريب والبعيد حول ما حصل. واليوم فرضت روسيا التعامل مع المستجد بكل قوة على الجميع، وليس امام الغرب الا التفاعل مع الموجود بطرق سياسية بحتة ، ولروسيا القدرة والارضية التي تمكنها من الصمود في فشل اي تخطيط لافشالها، وانها بدات بخطوات قوية لا يمكن لاي دولة في المنطقة ان لا تحسب حسابات دقيقة في اتخاذ موقف ازاء ما بداتها روسيا في سوريا وما غيرت من صلب المعادلات جذريا . وبه يمكن ان نتوقع ان روسيا اعادت الهيبة والمكانة السياسية العالمية لها بفضل انبلاجها في عملية مصيرية مفاجئة قد تعيد مسار تاريخها الحديث بشكل ملحوظ . وليس للبعض من القريبين على سوريا الذي يعارض ما جرى الا الخضوع للامر الواقع بعد توصل روسيا وامريكا الى صيغة تتوافق مع مصالحهما، وهذا المتوقع وخصوصا نحن نعرف اوباما وسياساته وتردده وخطواته وتوجهاته ونياته في كيفية انهاء دورته الرئاسية .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم