آراء

لماذا مبادرة الجبهة الوطنية؟

inas najlawiلم تكن مبادرة الجبهة الوطنية التي أعلن عنها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني خلال أول ندوة صحفية نشطها عقب تزكيته من قبل مؤتمر الجبهة العاشر تندرج في إطار رد الفعل الآني غير المحسوب على اقتراح فصيل سياسي آخر، بل كانت الفكرة في طليعة الخيارات السياسية للحزب وللبلاد، لكن لم يكن بالإمكان الكشف عنها قبل رص صفوف البيت العتيد والرسو بسفينة المؤتمر العاشر إلى بر الأمان.

 

ماهية الجبهة الوطنية:

استهل الأمين العام افتتاح أشغال الدورة العادية للجنة المركزية -بتاريخ 4اكتوبر المنصرم- بعرض مشروع لائحة مفتوحة متضمنة مبادرة سياسية وطنية من اجل التقدم في ظل التلاحم والاستقرار (م س و ت أ)، أو ما عرف إعلاميا باسم "الجبهة الوطنية".

وقد عرّفها سعداني بأنها مشروع جبهة عمل جديدة في شكل مبادرة سياسية وطنية للتقدم في انسجام واستقرار، وهي مفتوحة لكل الأحزاب السياسية المعتمدة والمنظمات الوطنية النقابية والطلابية وأرباب العمل والمنظمات الإعلامية وهيئات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة، وكل من يغترف من رسائل نوفمبر1954 التي تأسست عليها الثورة الجزائرية المجيدة.

ويستطرد سعداني بأن المبادرة موجهة لكل من يشاطرنا أوجه نظر مماثلة حول القضايا الوطنية والدولية وكل من يؤيد فضائل الحوار والتشاور لكسر انشقاقاتنا، وكل من يعتبر أن التغيير المدروس والسريع للهشاشة الاقتصادية وحده كفيل بالنهوض بالبلاد واللحاق بركب التقدم العالمي بكل أشكاله الجديدة.

وباعتبارها مبادرة وطنية جماعية عامة، فإنها ستوقع باسم جميع الهيئات المشتركة فيها وقراراتها سيتبناها جميع المشاركين. وستكون مبادرة كل من سيكون طرفا فيها إيمانا بأنه لابد من مشاطرتها لتكون واعدة. ويقترح على الأطراف الملتحقة وضع نشاطاتها في تآزر في إطار جمهورية مدنية ودولة مدنية وسلطات مدنية، على اعتبار أن بلادنا تجاوزت المرحلة الانتقالية ، وأننا في مرحلة دولة الدستور التي تولي كل الأهمية للسلم والأمن وبناء المؤسسات والفصل بين السلطات.

 

مبادئ وأسس الجبهة الوطنية:

إيمانا بضرورة الحوار والتشاور كسبل لتهدئة الخلافات وجمع المصالح المشتركة و وضع حد للنزاعات وتوحيد الرؤى لتحسين العلاقات، و وعيا بتحديات الحاضر بكل ثقلها والصعاب المرتبطة بها مستقبلا، وكذا المخاطر المختلفة التي قد يواجهها وطننا من حيث اقتصاده واستقراره و وحدته وأمنه، ورغبة في المساهمة إلى جانب الدولة وتحت مسؤوليتها في كل ما يتعلق بتقدم الجزائر وكل ما يندرج ضمن المصلحة العامة ويستجيب لطموحات الشعب، فإن المبادرة من اجل التقدم في ظل التلاحم والاستقرار تقوم على الأسس والمبادئ التالية:

1/ القيام جماعيا وبكل سيادة وحرية بمبادرة تدعى "المبادرة السياسية الوطنية من اجل التقدم في ظل التلاحم والاستقرار"،

2/ جعل هذه المبادرة السياسية الوطنية إطارا للحوار والتشاور الدوري بإشراك جميع الهيئات ومسيريها،

3/ استعمال الإطار الذي تشكله هذه المبادرة الوطنية بهدف تبادل أو بالأحرى تقريب وجهات النظر حول جميع الأسئلة المندرجة ضمن برامجنا المختلفة أو حول كل قضية قد تكون وليدة الساعة على المستوى الوطني أو الدولي من اجل تمكين الكيانات الخاصة بالمجتمع المدني بالتعبير عن مختلف الرؤى وذلك في إطار الصلاحيات التي يخولها القانون،

4/ مساندة الدولة السيادية في سياساتها التنموية القائمة على الليبرالية الاجتماعية تطبيقا لاقتصاد السوق الاجتماعي، دون الحياد عن اقتراح الإصلاحات البناءة الهادفة إلى تثمين نجاعة هذه السياسة وفعاليتها،

5/ تضافر الجهود الهادفة إلى تثبيت الوحدة الوطنية والحفاظ على السلم والاستقرار، ومواصلة عمل الوئام المدني والمصالحة الوطنية الذي بادر بهما رئيس الجمهورية وتعزيز العدالة الاجتماعية والسهر على الأمن الوطني، في ظل احترام المؤسسات الدستورية المنبثقة عن الشعب،

6/ توحيد نشاطاتها كلما توفرت الشروط اللازمة لتعزيز دولة القانون وتثمين المثل الديمقراطية، في إطار جمهورية مدنية ودولة مدنية وسلطات مدنية وترقية الحكم الراشد في جميع أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،

7/ تدعيم كل الدعم البرنامج السياسي لفخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي زكاه الشعب سنة 1999 و2004 و2009 و2014 وهو الرئيس الذي نعبر له مجددا ونصرح من خلال هذه اللائحة عن وفائنا الكامل والثابت،

8/ التصريح بأن "المبادرة السياسية الوطنية من اجل التقدم في ظل التلاحم والاستقرار" مفتوحة في اي وقت لكل من أراد الانخراط كما أن هذه اللائحة تبقى مفتوحة لكل إمضاء،

9/ ستتفق الأطراف المشاركة في هذه المبادرة على الطرق الشرعية التي تنوي القيام من خلالها بالتشاور وتنظيم وجهات النظر وتنسيق أعمالها وبالتالي عقد عزمها على الوصول إلى تحقيق أهدافها النبيلة،

10/ إن كل طرف في هذه المبادرة يصبح بصفة تلقائية مشاركا في التوقيع على هذه اللائحة.

 

لماذا الجبهة الوطنية دون سواها من المبادرات؟

مع انهيار أسعار البترول في الأسواق العالمية، اتخذ الشقاق السياسي في الجزائري بعدا اقتصاديا ثقيلا، وصار السؤال الذي يطرح نفسه: الجزائر إلى أين بعد البترول؟

ويطرح كل حزب وفصيل سياسي سواء من الموالاة أو المعارضة مبادرة للخروج من عنق الزجاجة، لكن مهما اختلفت الرؤى والأطروحات فإن الجميع يتفقون أن الحل ليس في متناول طرف بعينه وانه لا مناص من التلاقي والالتئام بين أطياف الفسيفساء السياسية والاجتماعية الجزائرية. فلماذا إذا تفضيل المبادرة السياسية الوطنية في ظل التلاحم والاستقرار على غيرها من المبادرات؟!

إن عمر حزب جبهة التحرير الوطني يفوق عمر الدولة الجزائرية المستقلة، وان حزب جبهة التحرير الوطني هو الوريث الشرعي لجبهة التحرير الوطني وهو أب الثورة التحريرية وعرّاب التعددية السياسية التي تمخضت عن الأحزاب الناشطة حاليا على الساحة السياسية الوطنية، فلا عجب إذا أن تحترم هذه التعددية أفضلية الأفالان وتقر بها. والعيب كل العيب، أن تتبع الجبهة -يقول سعداني- مثل الأطرش في الزفة باقي الخيارات التي تريد باقي الجهات السياسية انتهاجها، والطبيعي أن تكون الجبهة "التي قلما أخطأت في خياراتها" في الصدارة كلما تعلق الأمر بمستقبل البلاد، فقدرها و واجبها التاريخي يقتضيان الأخذ بالمبادرة وزمام الأمور دون اي إقصاء أو تنكر للأحزاب، فالمبادرة لا تنتقص من شأن حلفائنا في الموالاة ولا هي موجهة ضد إخواننا في المعارضة، بل هي دعوة مخلصة إلى كل أصحاب الحكمة والرأي للإدلاء بآرائهم في هذه المرحلة الحساسة والجلوس على طاولة الحوار الوطني المثمر تحت رعاية حزب الأغلبية في المجالس المنتخبة والحكومة للوصول إلى توافق وطني حقيقي وحلول تساعد على نهضة الوطن والتقدم نحو الأمام.

وتأتي المبادرة في ظل ترقب الإفراج عن مسودة مراجعة الدستور وما ستتضمنه من تعزيز دولة القانون مع الأخذ في الحسبان رياح الإصلاحات التي تعصف بالمنطقة العربية. ويترقب الأفالان أن يكون الدستور الجديد محصلة الإصلاحات والتغييرات الجوهرية التي باشرتها الرئاسة منذ بداية العهدة الرابعة وان ينص على توازي القوى داخل المؤسسات السيادية وبينها، وتعزيز العدالة، وتوسيع صلاحيات البرلمان للخروج من دستور 1996 وغيرها.

ويعتزم الحزب -بعد أن تمت المصادقة على تشكيلته السياسية الجديدة- عقد لقاءات ثنائية مع الأطراف المعنية بغية عرض مشروع اللائحة والتوصل إلى اتفاق نهائي وتوقيع جماعي يتزامن مع عرض الدستور الجديد، بما يخول الجبهة الوطنية المشاركة في كنف مؤسسات الدولة بغية التوصل إلى إستراتيجية اقتصادية لمواجهة أزمة انخفاض أسعار البترول وتحرير الطاقات والمؤسسات الوطنية وخفض كلفة الاستيراد إلى جانب العمل على تثمين مستوى حرية التعبير والجمع بين البراغماتية وعالمية المفاهيم الديمقراطية مع الانفتاح على جميع الفئات.

 

في الخلاف حول نقطة دعم برنامج الرئيس:

جرى التسويق إعلاميا للمبادرة السياسية الوطنية من اجل التقدم في ظل التلاحم والاستقرار على أنها أشبه بحملة انتخابية لمساندة شخص بوتفليقة ودعوة مستنسخة لمبايعة ما تمت بيعته في 17 افريل2014. وعلى هذا الأساس انقسم الرأي العام إلى قسمين؛ أحزاب موالاة تضع نفسها في الصفوف الأمامية لدعم برنامج الرئيس والدفاع عن المصالح العليا للبلد، لكنها تتحرج من وضع الأفالان كحزب قائد. وهنا نعيب على حلفاء الجبهة الاستراتيجيين الكبر السياسي والتعالي الحزبي، لكن كلنا ثقة أن المستقبل القريب كفيل بجمع مختلف الأطياف حول طاولة العمل المشترك وأن المبادرة ستتبلور في أذهانهم كي يتسنى لها الدخول حيز التنفيذ.

أما أحزاب وشخصيات المعارضة فترى أن المشروع يحمل في طياته عوامل نسفه! وكيف لها وهي التي تجلس على قارعة الانتظار منذ سنين على أمل هبوب شهيلي الربيع العبري التي لا تبقي ولا تذر أن تمد اليد لمشروع لائحة تؤيد نظاما تكفر معارضة الصالونات بشرعيته؟!

هذه المعارضة التي فشلت تباعا في تجنيد الشارع بل وحتى في ملئ قاعة، ما تنفك تطرق باب النظام طلبا لنيل اعتماد أحزابها واستصدار التراخيص لعقد لقاءاتها أو تنظيم مسيرات و وصل بها الأمر أن تطلب لقاء الرئيس أو من يمثله، لكن بمجرد أن تقضي غايتها حتى تقذف النظام بحجارة اللاشرعية والشغور!!

هذه المعارضة التي ظلت لسنوات تندب وتشجب قمع الدولة البوليسية، هي نفسها التي زلزلت الأرض من تحتها حين أقدم رئيس الجمهورية على إصلاحات في أجهزة الأسلاك الأمنية وأقامت حائط مبكى لرثاء جنرال أحيل على التقاعد! وذهب بعضها إلى حد مطالبة الرئيس بالخضوع إلى "نقاش ديمقراطي شامل" قبل الإقدام على إقالة أو تغيير احد موظفي الدولة!!

هذه المعارضة لا يصح القول سوى أن القلم رفع عنها، وعلى هذا الأساس لا معنى للجلوس معها لأنها لم تبلغ بعد الحلم السياسي وتفضل الإفساد وعرقلة اللعبة على المشاركة. وفي ذات السياق، صرّح سعداني خلال مؤتمره الصحفي الذي أعقب الدورة العادية للجنة المركزية بأن المعارضة لا يقبل منها ألا يصدر عنها سوى لفظ "لا"، فساعتها تصير "رفضا" وليس "معارضة"، وحالها مثل حال الحكام العرب الذين انهزموا بـ"لاءاتهم" الشهيرة في المواجهة مع الكيان الصهيوني لأن "لا" وحدها عقيمة ولا تكفي دون تقديم بدائل وحلول.

لكن القارئ المحايد والمتمعن في بنود وأسس مشروع المبادرة الوطنية من اجل التقدم في ظل التلاحم والاستقرار -الواردة أعلاه- يستخلص أنها مشروع متكامل لأجل بناء جبهة داخلية موحدة ومتماسكة تحافظ على مكتسبات السلم والاستقرار والتناغم الذي تنعم به الجزائر، وتكون صمام الأمان في مواجة الأزمات والمخاطر الداخلية والخارجية وسندا قويا لقوات الجيش والأمن في محاربة الإرهاب وتأمين الحدود و وسيلة فعالة لتحريك وتنشيط المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وترقية روح العمل الجماعي وإعادة اللحمة للاصطفاف الوطني وصون وحدة النسيج الوطني.

ولن يتأتى ذلك بالتنكر لميثاق السلم والمصالحة والتنصل من دعم برنامج رئيس الجمهورية الذي اختاره الشعب لأربع مرات متتالية والذي بادر حزب الأفالان -صاحب مشروع الجبهة الوطنية- إلى ترشيحه والتزم بمساندته اللامشروطة. وفي ضوء ذلك، فإن مبادرة سعداني ترمي إلى إيجاد أرضية عمل مشتركة وتوحيد وتكاتف الجهود بين كيانات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة من اجل التقدم بالجزائر في ظل التلاحم والاستقرار الذي يضمنه الجميع ويتعهدون بالمحافظة عليه لأجل الصالح العام.

 

آخر القول:

تعرض أحزاب الموالاة تحالفات رئاسية ضيقة سبق وأثبتت فشلها وعدم جدواها، وتقدم أطراف المعارضة -على الجانب المعاكس- مقترحات راديكالية منفصلة عن الواقع تصور الجزائر على أنها تعيش مرحلة انتقالية متعسرة. وفي الوسط، توجد مبادرة الأفالان بما تملكه من غطاء شعبي وأحقية تاريخية في التسيير، فأيهم تختارون؟!

 

بقلم: إيناس نجلاوي

أستاذة جامعية (لغة انجليزية) وعضو

اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني

 

 

في المثقف اليوم