آراء

ما يهم امريكا في اقليم كوردستان هو البيشمركة والمسجد واغنياء العشيرة

emad aliرغم وجود الفقر المدقع وما وصل اليه اقليم كوردستان الى حال يترحم عليه الجميع من كافة النواحي، وبالاخص ما يهم المواطن وهو يعيش في ظل عدم توفر الخدمات الضرورية الملحة في هذه الاونة. فان مواقف الدول الاقليمية المؤثرة والتي تحيك الكثير من المخططات السرية التي تقع في اتجاه ايصال الاقليم الى الحضيض الاكثر، ويرون انه من صالحهم، طالما بقى الاقليم على وضع متردي يحتاجهم في كل صغيرة وكبيرة. اما الدول الكبرى من امثال امريكاكما نلمس لا يهمها الا الحفاظ على ما يثبت قواعد بقاء توازنات تفيدها في هذه المرحلة، وهي تبقي على سيطرتها الكاملة ودورها في التغييرات الممكنة، في ظل عدم فسح المجال امام اي احتمال لخسارتها لمواقعها المهمة التي تهم استراتيجيتها البعيدة المدى . تعمل امريكا على عدة محاور لتبقى كما هي منذ رئاسة اوباما وتغييره الكبير في تعامله مع القضايا في الشرق الاوسط واهتمامه الرئيسي بالقضايا الداخلية لبلاده التي ابقته على شعبيته الكبيرة وللدورتين المتتاليتين، وتوكيل اخرين من المصلحيين مهما كان شكلهم وتركيبتهم لتنفيذ سياساتها الخارجية .

عندما تدخل امريكا منذ مدة في سياساتها العامة من ابواب ونوافذ، انها تعامل مع كل منطقة بما تخصها من الناحية الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية ومن خلال فرضه على المتسلطين، وتدرس ما يهم المجتمع المعني في انتاج وصفة كاملة لكيفية اجراء اللازم في سياساتها الخارجية على تفاصيلها من قبل المذخر الفكري المنتج لديها باستمرار في اية منطقة معنية . فلنا ان نعيد الى الاذهان كيف كان موقفها من كل بلد اثناء الحرب الباردة، ومن ضمن البلد سواء على الصعيد السلطة او الشعب، وكيف اهتمت بما يهم السلطة بعيدا جدا عن الشعب ومستقبله في اكثر الاحيان، في سبيل بقاء حلفاء على اختلاف اشكالهم وطبيعتهم .

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتغيرت معه سياسات امريكا الخارجية بدرجة كبيرة جدا، من حيث التعامل مع السلطات واهداف الشعوب والتدخلات التي وفرت لها فرص فسيحة للتاثير على التغييرات، من اجل المراد من اي بلد من النواحي الثقافية الاقتصادية الاجتماعية، على العكس مما كان عليه ايام الحرب الباردة التي اهتمت بالرؤس دون التدخل الدقيق فيما يجري في تلك البلدان، حتى اثناء الهيجانات احيانا، وتدخلت كثيرا في سبيل الابقاء على حكومات لم تكن تتوالم من حيث طبيعة حكمها مع الاستراتيجية الثقافية الفكرية الاقتصادية التي كانت لها اهمية قصوى لدى الفكر الراسمالي الامبريالي الامريكي في حينه ولحد اليوم الا انها كانت تحافظ على مصالحها قبل الفكر والثقافة والفلسفة . ونؤكد الكلام بتوهنا الى سياساتها من حيث العلاقات ونسال؛ كيف كانت مع دول اخرى قريبة لها من حيث الاستراتيجية الفكرية الثقافية ولكنها كانت محسوبة على المعسكر الاخر ووقفت ضدها رغم توافقها مع استراتيجياتها المعلومة .

في مرحلة مابعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نرى بوضوح اهتمامات امريكا السياسية لدول هذه المنطقة وما يخصنا وما انا بصدد الكلام عنه في البلدان، ومن ضمنها الاقليم الذي لازال صغيرَ الاهمية نسبة الى المخططات الامريكية الكبيرة وما تعمل عليه بدقة من اجل بقاء يدها العليا على الضد من بروز اي محور او معسكر ينافسه في اي وقت كان ان تمكنت وقاومت.

صلب اهتمام امريكا هنا في اقليم كوردستان، هو بقائه كما تريد مضحيا وفي مقدمة من ينفذ مخططاتها سواء بعلمه او بدونه، انه محارب شرس يعادي من يكلف بمعاداته ويقف حائلا دون وصول يد الشر الى اي مكان لا يمكن ان تضحي به امريكا في استراتيجيتها وتخطيطاتها التفصيلية لهذه المنطقة . اما كيفية استمرار السلطة في اقليم فانه ليس بذات الاهمية من يكون على راسها وباي توجه او حزب يمكن ان يقودها، الاهم هو بقاء الوضع ضمن المخطط وفي دائرة اهتمام امريكا، ولابقاء لجام الامر بيدها فانها تمن عليه بطرق متعددة، ومنها دعمه في السراء والضراء من جهة سواء معنويا كان ام ماديا، ولمنع خروجه عن الطاعة فانها تسلك طرق عدة معتمدة على التفاصيل، ومنها بقاء شكل وطبيعة وجوهر الحكم الذي لا يمكن ان تسمح بان تخرج من دائرة الفكر والثقافة والتوجهات والفلسفية الراسمالية الامريكية من جهة اخرى، ومستغلة كل جانب في هذا الاطار في تعاملاه مع التابعين . وعليه فان البيشمركة والاغنياء العشائريين الكورد والاثرياء الجدد وما يدعمهم من الموجود في السلطة والمسجد، هو من المساند والدعائم القوية لتنفيذ سياستها البراغماتية . من يتابع المستجدات في اقليم كوردستان وموقف امريكا حول القضايا المهمة والمراحل المفصلية للمسيرة السياسية له، فانه يكشف عن فحوى سياسة امريكا التوفيقية من جهة والتضليلية من جهة اخرى اضافة الى النفاق الواضح فيما بين العمل والادعاء، وما تتشبث به من مقولة مصالح الشعوب . فهل من المعقول ان ترى امريكا مصلحة الشعب الكوردستاني في بقاء البرزاني على الرغم من كل ما يُضرب به لاهم مسند اساسي للنظام الديموقراطي وهو القانون واهمية احترامه والابقاء على سيادته عالية وعلى الجميع . اهل يمكن ان تضرب امريكا القانون يوما اعتبارا للمصلحة العامة لها داخليا، وكما يمكن ان تفيدها في مرحلة ما من تاريخها، وهل من الممكن ان لا تغير القانون بالقانون وتضرب به من اجل ما يهم الشعب الامريكي كاكبر حجة لدى السلطة الامريكية . ام ان القانون لديها هو البقاء على حياة الناس مهما كان لغير سياسة الصالح العام كحجة . اليس هذا تضليل ان تتبع ما يهمك في شؤونك الداخلية وتنكره على الاخرين .

النوافذ الاساسية لتعامل امريكا مع الاقليم هي البيشمركة في هذه المرحلة كوسيلة بديلة عن التدخل المباشر كما كان من قبل في الشؤون الاكثر اهمية لها، وهي تنفذ بالدقة المتناهية ما تريد بواسطته في هذه الناحية ولم تصل حال البيشمركة المرتبط بحياة الناس ايضا ونظام الحكم الى وضع يمكن ان يستند على نفسه لتعتمد عليه السلطة الكوردستانية في اية مهمة خاصة بالاقليم ومستقبل ابناءه، فليس بذات الاهمية ان عدد البيشمركة كان مليونا او عدة الاف في هذا الاقليم، لانه غير مجهز ولا يمكن باي شكل ان يدافع عن الاقليم دون مسند خارجي ولطالما بقى على هذه الحال انه يكون سالما. واعتقد لا يمكن ان تسمح له التقدم والتطور التقني والتجهيزي والالي مهما ضحى او نفذ ما يؤمر به من قبل امريكا او دول الجوار . اما من الناحية الفكرية الفلسفية، فبعد قراءة الواقع الثقافي العام لاقليم كوردستان من قبل المهتمين والملمين بشؤنه ولمصلحة ما او كما نرى في الاستراتيجية الامريكية للمنطقة والعالم وكاقليم وهو جزء صغير جدا من هذه المخططات، فانه لا يمكن ان نتصور بانها يمكن ان تدع الاقليم ان يغير من ثقافات الامة بشكل مغاير لما يهمها الان ومستقبلا طالما ابقت يدها هي العليا . اي عصارة الفكر الكوردستاني مخطط لها ان تكون ضمن المسجد والعقلية الشرقية الدينية ربما المعتدلة المفضلة لدى امريكا، ويمكن ان تغير من قياساتها حول اعتدالها لقضايا اقليمية في المنطقة وفق الحاجة . بمعنى اخر، فان الثقافة العامة لاقليم كوردستان لا يمكن ان تصل الى مرحلة انتقالية متاهبة الى التغيير الشامل طالما كانت بقاء امر الواقع لصالح سياسات امريكا الثقافية والاقتصادية في المنطقة . فهل من المعقول ان تدع امريكا سياسة اقتصاد اشتراكي في اقليم تاخذ مجراها الطبيعية وهل يمكن لامريكا السماح له كي يمكن الاستغناء بها عن اهمية امريكا لها مستقبلا . فهل من المعقول ان لم تفكر امريكا في معسكر مغاير سواء كان قريبا من المعسكر الاشتراكي السابق او باسم وتركيب ومحتوى اخر مغاير للمعسكر الراسمالي الحالي قد يغريه . اذا من ناحية الفكر والثقافة سيبقى المسجد بمعناه الثقافي الفكري مسيطرا على زمام الامور، فيظل النظام الراسمالي الامريكي في المنطقة . اما لاسناد مواقفها واستمراريتها دون اعتراض ممكن فان امريكا ستبقي على الاثرياء المتخلفين الذين انتجتهم السياسة الاقتصادية التقليدية لدى السلطة السياسية في اقليم كوردستان وبتشجيع ودعم امريكي، وهي نابعة من العقلية العشائرية التخلفية البائنة وليس بنهج ومخطط علمي مدروس، على الرغم من وقوعها لصالح السياسة الاقتصادية الراسمالية الامريكية، او بتوجهات وشروط امريكية اقتصادية وكما تريد ان تفرضها على الجميع لاستمراريتها والاستناد عليها في الصراعات السياسية الاقتصادية في المنطقة وما تنشده للعالم .

اننا هنا اختزلنا السياسة الامريكية العامة في المنطقة عند اقليم كوردستان، فان ما يجري هنا لم يخرج من تعامل امريكا مع كل جزء من المنطقة وفق خصوصياتها التي لا تخرج من الهدف العام والاستراتيجية الامريكية الاقتصادية الثقافية السياسية، والمنفذ الرئيسي لما تريد هو البيشمركَة والاثرياء العشائريين الجدد والمسجد المقدس من الناحية السياسية والفكرية التي يتمتع بها المجتمع الكوردستاني عقلا وفكرا وتوجها وما يهم الناحية الاجتماعية على وجه الخصوص . فلله درك يا امريكا، انت وسياساتك وما تشغلين العالم به رغم ما تتشدقين به من الانسانية والحرية والديموقراطية !  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم