آراء

أضاءات (5): الثقافه المقاومه للفساد المالي والأداري

ayad alzouhiriأن الشعوب على أختلاف أنواعها، تشترك بأن لها رموز وطنيه وقوميه أو تاريخيه تفتخر بها، وهي تشكل عنوانآ لطبيعة حضارتها، حيث تشكل هذه الرموز مصدرآ للألهام الجماهيري، وعنوانآ عاليآ لها، وغالبآ ما تستعين بها عند المحن بأعتبارها مصدرآ الهاميآ عظيمآ يثير بها روح الأمه الحيه ويستثمر بها طاقاتها لمواجهة التحديات الكبيره، وخاصه مايتعلق بوجودها، لذا ترى تماثيل ونصب هذه الرموز تملئ الساحات العامه وأواوين المتاحف، حتى أن أكثر أسماء الشوارع والمدارس تسمى بأسمائهم أحتفاءآ وتيمنآ بهم لما تمنحه هذه الرموز من شحنه عاطفيه ونهضويه في شد عزم الشعوب نحو أهدافها الكبرى، ومن هذه الشعوب، الشعب العراقي والذي يمر في محنه كبرى في هذا الوقت، وهو في أشد ما تكون الحاجه الى أستحضار هذه الرموز العظيمه وعلى رأسها رمزية الأمام الحسين (ع)، ومدى حضورها في الوجدان العراقي وقابلية أستثمارها في عملية الأصلاح الفردي والأجتماعي، بالأضافه الىى رد العدوان على هذا الشعب، كما تلعب شخصية الأمام دورآ متميزآ وجوهريآ أذا ما عرفنا طبيعة الشخصيه العراقيه وقابلية تطويعها، وجعلها مهيئه للأستجابه للخيارات الصعبه، أذا ما عرفنا من أنها شخصيه جامحه وصعبة المراس، وما تختزنه للكثير من روح التمرد والمعارضه ولكن وكما هو معروف لما للروح الحسينيه من قابليه أسطوريه ومن قدره على لجمها وأجبارها على شرب ماء الطاعه والولاء والسير في الطريق الحسيني.

أنا أعتقد أن العراقيين اليوم يعيشون ربيعآ حسينيآ زاهيآ، وأن هذا الربيع يحمل في طياته رياح التغير الحسيني على مجتمعنا ، أن أحسنا أستغلاله وأقتبسنا منافعه. أن عشرة عاشوراء هي فترة الأنشداد النفسي والعاطفي الى الحسين (ع)، وهي فتره ذهبيه لملئ الوجدان والعاطفه والقلوب والعقول بما هو حق وعدل وأصلاح، وهو أحوج ما نكون عليه. فنقيض الخراب هو الأصلاح، وطريق الأصلاح عبده لنا أمامنا الشهيد (ع)، فما علينا الا المسير في طريقه والألتزام بمبادئه الأخلاقيه.

أننا عبرنا أشد ما يكون تعبير الولاء نحو الأمام، لطمآ وبكاءآ، وبذل أموال وجهود جباره لأقامة الشعائر وفي كل أنحاء العالم، ولكن ننتظر هذه الثمره في قادم الأيام، ننتظر أصلاح من يمسك بالسلطه لأصلاح ما يمكن أصلاحه، وأصلاح المجتمع الذي هب بكل مكوناته وصرخ بأعلى صوته بحب الحسين،ينتظر منه أصلاح نفسه على قياسات مسطرة الحسين(ع)، وأن نجعل من حب الحسين فكرآ ومفهومآ وتطبيقآ، وأن يكون أكثر وعيآ لمفهوم الأصلاح، لأن الأمام (ع) لا يريد صدور تلطم ولا رؤوس تضرب ولا عيون تبكي، ولكن يريد أصلاحآ حقيقيآ، وهي الكلمه التي أورثناها من موروث أدبياته الثوريه، وهي ما ينبغي الأنشداد اليها . أن الحسين (ع) ينتظر منا هجمه شرسه على الفساد المالي والأداري بنفس درجة التضحيه في ساحات الوغى ضد زمر الأرهاب داعش، وأن يتحمل كل محب للحسين مسؤلية الأصلاح وكل من موقعه. وبهذه وحدها سوف يلبي المحب للأمام مقولة( ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزآ عظيما) . ومن أهم الخطوات عزوف المحبين عن كل ما هو سلبي ولا مسؤول.

أشاعة القيم والمثل العليا وصولآ لبناء مجتمع راشد وصالح لا يمكن أنجازه الا عبر أصلاح الفكر والثقافه، وأصلاح السلوك والعادات الفاسده. وبما أن موضوع هذه الحلقات الخمسه هو المجتمع العراقي،كما يكون من أفضل المصاديق لهذا الدين هو الرموز الخالده، ومن أعظم الشخصيات الملهمه له، الا وهو الأمام الحسين (ع)، وهي شخصيه رمزيه عظيمه في حياة ومسيرة شعبنا العراقي، ومن المعروف ما للشخصيات العظيمه والرمزيه من أثر بالغ في مسيرة الشعوب،وهي شخصيات تعظم وتمجد من قبل عاشقيها، وتكون مثلآ أعلى لها تلهمها قيم الخير والأصلاح في البناء والشجاعه والكفاح في مقاومة كل صفحات الشر التي تعترض مسيرتها.

الحسين (ع) ثروة العراق الدائمه والتي يستمد منها العزم والقوه في ثني مصاعب الأيام في حياة هذا الشعب، لذى هو القوه الملهمه له في حركة كفاحه ضد الأرهاب الداعشي، وبنفس الوقت هو قوته الملهمه في كفاحه ضد كل أشكال الفساد لأنه صاحب الكلمه الخالده (أني لم أخرج أشرآ ولا بطرآ، ولا مفسدآ، ولا ظالمآ، وانما خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي، أريد الا ا، أمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق...).بهذه الكلمات الخالده والبليغه أوضح الأمام الحسين(ع) أهداف ثروته، الا وهو الأصلاح الشامل في أمه تتعرض لهجوم بربري شرس، يقوده وحوش العصر داعش في بنيانها الأجتماعي والحضاري.

من المعروف أن الأصلاح لا يمكن تحقيقه بالأماني، ولا بالأحلام، وأنما يحتاج الى أراده وتضحيه وعزيمه، وعمل مثابر.

أننا اليوم، وبسبب ما يعيشه من حاله كارثيه تجعلنا على حافة الأنهيار. لا خيار لنا ولا طريق الا طريق الأصلاح، وأهم مفردات الأصلاح، هو بناء الذات، وهذا لا يكون الا على أسس سليمه وقيم عظيمه، والأستعانه برموز خالده وكل هذه المفردات متوفره في ديننا الحنيف، وما موجود من مصاديق ومنهم الحسين (ع).

نحن اليوم، وما نعيشه من ظروف خاصه وأستثنائيه، وما نعيشه من حاله عشق تصل الى درجة الوله، يكون التحول في أحسن حاله، وأفضل أستعداد لتلبية ما يلهمه لنا الأمام الحسين(ع) من مبادئ الأصلاح، والذي يبدأ بالأستجابه عبر أنفتاح العقول، وأستعداد القلوب لكل المبادئ الساميه التي نادى بها وضحى من أجلها الحسين(ع) . بالحقيقه أن العراقين اليوم في درجة الذروه في عشق الأمام الحسين (ع)، وهي حاله لا يعرفها الا العاشقون الولهون، وكذلك حاله يعرفها جيدآ علماء النفس والأجتماع، وهي أن يكون الأنسان في أفضل حال من الأستعداد في تلقي ما يستلهمه من معشوقه، وأستعداده للتلقي والتفاعل والعطاء.

فمن المفيد معرفة أن ثورة الأمام الحسين (ع) لم تكن من أجل المال ولا الجاه، ولا الحكم، والمعروف أن هذه المفردات الثلاثه هي من تتحكم في حركة الناس في المجتمع العراقي، فالتطلع من أجل الحصول على المال قد سلك كل سبيل، فقد سرق المال العام من قبل موظفي الدوله، وهناك سرقات لا تعد ولا تحصى فيما بين الناس خارج أطار الدوله، عن طريق النصب والأحتيال والغش في التعامل اليومي والمقاولات، بالأضافه الى الحركه المحمومه من قبل الكثيرين، وأستعمال شتى الطرق للحصول على المناصب وأستخدامها بأبشع الطرق . أنها أنتكاسه أخلاقيه وأنهيار قيمي مخيف، تضع المجتمع على مفترق طرق أحلاها مر.

جاءت ثورة الأمام الحسين (ع) ضد الأستبداد والوجاه الزائفه والكسب الغير مشروع. هنا نقطه جوهريه، أن من يقبل الحسين (ع) أمامآ له، عليه أن يقبل بكل مشروعه الأصلاحي، ويكون جنديآ مخلصآ في جيشه الأصلاحي، والعكس هو نفاق وخديعه للذات، ولهذا قال الأمام (ع) كلمته المشهوره (فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين). الكلام لا يقبل التأويل، وهو أن هناك طريق واحد وهو القبول بالحق وهو الطريق الحسيني، طريق الأصلاح وأرجاع الحقوق الى أصحابها، فمن يدعي بحبه للحسين (ع) بهذا المنهج فهو حسيني، أما من يدعي حبه وينهج المنهج اليزيدي المتمثل بالفساد بكل أنواعه، فهو منافق ومخادع وأول من يخدع نفسه قبل غيره. لقد قطع الأمام الحسين (ع) الشك باليقين عندما حدد أهداف الثوره بالأصلاح، والأصلاح هو أن تعيش الأمه في كرامه وعزه وأمان، يسودها العدل وروح المساواة وحرية الأنسان وصون حقوقه المشروعه. فمن المهم أن لا يبقى حب الحسين (ع) فيما تصدح فيه الحناجر وما تصرخ به الألسن، بل حبآ يخوص الى أعماق الصدور والقلوب والضمائر . نحن العراقيون ما أحوجنا لهذه الثوره الحسينيه لتساهم في رأب صدعنا والعمل على وحدتنا والتأكيد لكل من يدعي حب الحسين، وهو مفرق لكلمة محبيه، فهو في خانة أعداء الحسين، وأن أدعى الأنتماء له لسانآ، ولكنه كاذب على الحسين (ع) قلبآ وضميرآ ووجدانآ.

وأنا أكتب هذه السطور لم يبقى الكثير لموعد المسيره الحسينيه من كل أنحاء العراق الى كربلاء بالزياره الأربعينيه، والعراقيون على أهبة الأستعداد لبدأ المسيره المليونيه، وهو بالحقيقه يمكن تسميته بالمارثون الحسيني، وهي تقدر بمئات الكيلو مترات، تعبيرآ عن الولاء والعشق الحسيني، أن ما يسر الحسين (ع) أن تكون هذه المسيره، مسيره نحو الأصلاح، وأن نقطة النهايه الا وهي قبر الحسين (ع) النقطه التي يكون فيها السائر وقد أكمل أستعداده للتغير، وأن يتعهد عند قبر الحسين (ع) أن يكون جنديآ مخلصآ لمسيرة الأصلاح للذات والوطن، وكما أن الزعيم الهندي غاندي قام بمسيرة الملح الشهيره كخطوه جريئه لتحرير بلده من الأحتلال البريطاني، وهو من تعلم من الحسين (ع) أن يكون مظلوم لينتصر . نحن أولى بالتعلم من الحسين ما دمنا ندعي الأنتماء لمدرسته الخالده.

 

أياد الزهيري

في المثقف اليوم