آراء

سلام الرعب والحوار المستحيل بين الإمبراطوريتين

altayb baytalalwiقال جاك شيراك: تعلمت حكمة سياسية من معلمي الجنيرال دوغول نطق بها بعد أن تخلى عنه الشعب الفرنسي في أوج عطائه السياسي، وفي أحلك الظروف التاريخية، عندما بدأت سيطرة الأمريكيين الفعلية على القرارالسياسي في أوروبا الغربية، وظهرمدى تغلغل اللوبي اليهودي في أجهزتها التشريعية والتنفيذية، حين قال لي : إذا أردت أن تقتل مشروعا متكاملا، فأحله على اللجان والبرلمان، والمستشارين الإختصاصيين وأعرضه على إلإستفتاء الشعبي وإستطلاعات الرأي، ودعهم يتهارشون في تفريعاته ديموقراطيا وتقنيا وإيديولوجيا ...وسترى في النهاية عجبا

هل سيتم إحياء نظرية إحتمال التدميرالمتبادل ما بين الإمبراطوريتين؟ والعودة الى مظلة الرعب للستينات وبالضبط في غضون عام 1962 في عهدي خروتشوف/ كينيدي ...

أم أن الأزمنة غير الأزمنة، والأقوام تبدلوا، وروسيا الشيوعية والسوفييت إنتهت، وحرب النجوم أصبحت من الخرافات، وأن خروتشوف ليس بوتين، وكينيدي ليس أوباما، وكوبا ليست سوريا؟

غيرأن السؤال مطروح منذ قرابة 180سنة –ولا يزال-طرحه أحد أكبرخبراء الأنثروبولوجية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر أليكسيس دوطوفيل :الأنثروبولوجي ورجل السياسة والدولة الفرنسي قبل شيوعية روسيا والسفيتة ، والحرب الباردة، والإحتكاك عن كثب بالخط الأحمرالمنذرباللاعودة بين المعسكرين في أوائل الستينات.إبان الأزمة الكوبية .

وأعدت بنفسي تحيين ذات الطرح في شهرسيبتمبرمن عام 2013 عند لقاء الكبارفي مدينة سان بيترسبوغ التاريخية بروسيا:بدعوة من بوتين بهدف تهدئة الأجواء المتوترة ما بين روسيا والمعسكر   الغربي وأحلفاهم العرب، الذي تقوده الولايات المتحدة علنا، وتسيره إسرائيل في الخفاء،

وبالقاء نظرة بانورامية على الأحداث المتوالية على الساحة الدولية منذ البدايات، تُظهرإستمرارالولايات المتحدة في إستفزازالروس بالعبث قرب حدوهم وعلى بضع كيلوميترات بإحياء النعرات الشوفينية من المنتمين الجدد للنازية تسيرهم النخبة اليهودية الأوكرانية، فتحولت أوكرانيا إلى جبهة مباشرة أمام بوابة الروس كقاعدة للناتو، أوبتجوال وزيرالخارجية الأمريكي الأخيرة المستفز، في الحديقة الخلفية للروس، بغية رشوة ساسة البلدان في الفلك السوفياتي قبل التفكيك، والمتعاونة مع الروس بعد الحرب الباردة كشركاء إقتصاديين وجيران في الجغرافيا والتاريخ المشترك

وماذا لو رد بوتين بالمثل بزيارة كيبيك بكندا في الشمال الأمريكي والعضو الفعال في الناتو، أوالمكسيك في الحنوب، كما فعل ذلك دوغول في ستينات القرن الماضي مستفزاالأمريكي في عقر داره؟

أوزاربوتين كوبا ومدها بالمعونات الإقتصادية والعتاد الحربي ما دام كاسترو وأتباعه المخلصين لا يزال معظمهم على قيدالحياة، ؟

وماذا لو زارالقيصر فنزوييللا العدو الألد لأمريكا، أوالتقى بالمتمرد من الهنود الحمر:موراليس ببوليفيا، لإثارة كل ضغائن الكارهين لليانكي من أصول الهنود الحمرفي أمريكا اللاتينية ؟

أم أنها بعض الأوراق الملغومة المستورة الي يمتلكها بوتين ويعرف كيف يحركها كمسؤول سابق بالكاجيبي والعارف بدروب المناورات وشعابها المخابراتية مع الكم الهائل من أقمارالتجسس بقدراتها التي ترعب المعسكر الغربي.أم أن بوتين لم يقل كلمته الأخيرة بعد ؟ولم يكشف عن كل أوراقه ؟فما هي تلك الأوراق التي عود بوتين كل خبراء (الجيو-سياسات والستراتيجيات) كشف البعض منها الخبير والمحلل البرزيلي الكبير إسكوبار

ثم أن بوتين ليس أوباما، او كاميرون، اوهولاند، أوميركيل. فهورجل الشطرنج الميداني المستقل القرارفي خوض معمعات السياسة، ولم تأتي به أيادي الضغوط الأوليغارشية المالية العولمية النافذة

وأجبت على السؤال المطروح حينها، ووصفت الموقف الروسي ب العقل والموقف الأمريكي ب اللاعقل حيث أن الروسي يتحرك على رقعة الشطرنج الدولية بخطى وئيدة حذرة، ومدروسة، بينما يتقلب الأمريكي في كل الملفات ما بين مشرق الشمس وضحاها، بممارسة لعبة المونوبولي وطرق   المخادعة (البلوف) الممارسة في لعبة الورق والروليت في الكازينوهات. وسميت طرحي ب الحوارما بين اللوغوس الروسي والباطوس الأمريكي، -ويمكن الرجوع إليه من أجل المزيد من الحيثيات والتفاصيل في الموضوع-

أما اليوم فإن الصراع مستعرما بين الإمبراطوريتين على أشده حول الأزمة السورية، وأكثر جدية وخطورة من الستينات، إلا أنه ما يزال في مجمله في حالة الكمون وتحت الرماد، ولكنه واضح وجلي على أكثرمن جبهة، سواء بالمباشرأوبالوكالة.

-ويرى خبراء ستراتيجيون جادون مثل الكندي البروفيسور ميشيل شودوفسكي والبرازيلي إسكوبار والفرنسي برونو أدري والأمريكي الدكتور بول كريغ روبيرتس المستشارالأسبق لريغان: أن الجبهة السورية قد تشعل حربا كونية بسبب إستعصاء إيجاد الحلول، وإنغلاق كل الأبواب ،

وتصريحات كبار القوم في الولايات المتحدة، سواء من العيار الثقيل القديم أو من كراكيز المرشحين الكوميديين توضح إستحالة إيجاد الحلول، والكل يحن- كما توضحه التصريحات والتمنيات الأمريكية- إلى قعقعة السلاح وأنين الثكالى وبكاء الأطفال والعجزة ومرأى الأشلاء والدمار ورائحة البارود والجثث المتعفنة:

-كوندوليزا رايس صاحبة مشروع الشرق الأوسط الجديد، في حرب تدمير لبنان عام 2006 وكحرقة غزةعام 2008، تقترح على الرئيس أوباما أفغنة سوريا، بإغراقها بالمزيد من المجاهدين الجدد، الذين أتبثوا أنهم أكثر شراسة من مجاهدي بن لاند في بحر الثمانينات-كما تبين ذلك في كل من العراق وسوريا؛ تُستورد من البؤرالساخنة زيادة مثل ليبيا

- والدكتور زيبوينسكي صاحب نظرية رقعة الشطرنج الكبرى ومستشارالأمن القومي الأمريكي الأسبق، والمقرب حاليا من أوباما، ينصح بمباغثة روسيا بالنووي قبل إستفاقتها، لكي لايمتد نفوذها بسرعة بعد الإنتصارعلى الدواعش، ولكي لاتصل إلى المياه الدافئة في البحرالمتوسط لتستكمل سيطرتها على المنطقة، مع ما كان لها في الماضي القريب من تأثير قوي على شرائح كبيرة من اليساريين والعلمانيين

-ومطابخ السياسيين المجتمعين في كواليس مقر الأمم المتحدة لن يخرج لنا طباخوها طبخة يستسيغ طعمها كل الآكلين، بالرغم من تفاؤل بعض المحللين الذين لا علم لهم إلا بما يرشح عن بعض التسريبات الغيرالموثوق بها، أوبعض التخمينات التي لا سند لها في أصول علوم المستقبليات، وقواعدمناهج علوم (الجيو-سياسة)، سوى بعض الإستقاء من التصريحات الديبلوماسية الفورية الهادفة إلى ملأ الفراغ، والإستهلاك السريع الإعلامي لقنوات التهريج، وبرامج الساندويتشات العربية والأجنبية،  

بمعنى: أن الأحداث الحالية في الشرق الأوسط هي أكثر إستعصاء في هذه الأيام عن ذي قبل، نتيجة المناورات الخفية التي تطغى عليها المشاهد الهيتشكوكية المتشوقة لمعاينة نهاية لعبة شد الحبل ولوي الذراع ما بين الأمريكي والروسي، التي ستعيد طرح تساؤلات جديدة مثيرة للجدل على كل المستويات، وستُتخذ فيها مواقف مفاجئة من بعض الأطراف المشاركة في الأزمة قد تغيركل المعطيات.

 

د. الطيب بيتي

 

في المثقف اليوم