آراء

هل يكون فوز اردوغان على حساب السلم والامن الاجتماعي؟

emad aliهل من المعقول ان تكون الديموقراطية هكذا، خلال خمسة اشهر ودون ان تكون هناك حكومة جديدة ليمكن الشعب من تقيم عملها ويدلي برايها حوله، وتتغير الاراء بالملايين، فهل من حيل شرعية تجيز حقيقة هذه الديموقراطية وتثبت جوهرها، اليس التغيير في الاراء والمواقف يجب ان تبنى على افعال ومتغيرات ومسيرة عمل والالتزام بالعهود المقطوعة او النكوث بها، ما الذي غير راي المصوت التركي خلال مدة قصيرة بهذا الحجم الفاضح. لابد لنا من القياس وفق المقاس او بعبارة اخرى لابد من تقيم الديموقراطية التركية الغريبة بمقياس تركي وليس عالمي.

ماطل اردوغان وراوغ منذ اعلان نتيجة الانتخابات السابقة، وعرف الناخب التركي وكيف يؤثر عليه بين ليلة وضحاها وان استثنينا ما اقدم عليه في هذه الانتخابات من الخروقات التي لا يمكن ان نقول عنها الا تركية صرفة لا يمكن ان تكون ولو نسبة صغيرة جدا منها موجودة في الدول المتقدمة (لا نتكلم عن الشرق وديموقراطيته). ارتكبت القوات الحكومية افضع الجرائم بحق مؤيدي وناخبي الحزب الشعوب الديموقراطي وركزت الاجهزة الحكومية التي تعمل تحت امرة السلطان ما سمح لها ضد هذا الحزب، لكونه مسبب ابتعاد حزب العدالة والتنمية عن الانفراد في الحكم وابعده عن تشكيل الحكومة بمفرده كما اشتهى اردوغان لاهداف خاصة واصبح شغله الشاغل. لقد اعتقل اكثر من خمس مئة من كوادر ونشطاء هذا الحزب وحرق واعتدى على مئات من مقراته في وضح النهار دون ان يرجف له جفن، وافتعل حربا ضروسا واعلن حالة الطواريء في معاقل حزب الشعوب في كوردستان الشمالية، من اجل تغيير راي المصوتين، وانه لم ينجح في الكثير منها، بل التغييرات المفاجئة جاءت على حساب حزب القومي المتطرف نتيجة خلافات داخلية فيه او تعامله غير الصحيح مع المرحلة، اضافة الى ما اثر من التخويف على انصار حزب الشعوب وتوجيه انظارهم مصالحهم الخاصة واستغلالهم من قبل السلطة وتشويش افكارهم وتعلقهم بالشؤن الخاصة وما يؤمنون به من العرف والعادات التي اتجه اليها اردوغان في المناطق الكوردية لكسب ودهم او الضغط عليهم . المشكوك في الانفجارات الاخيرة هو السلطة بشكل مباشر، او تخويل داعش او السماح له بشكل غير مباشر لاي عمل لما يقع في خدمة السلطة، او يزيد من توجيه وخوف الناس من الاتي لو لم تُحسم الانتخابات لصالحه ، وراحت ضحية تلك الاعتدائات المئات من الابرياء، ناهيك عن الخروقات والاعتدائات على الصحف الحرة والمعارضة ، اي افتعل اردوغان ما اشبه باجواء الحرب وادخل الخوف والرعب في قلوب الناس واشتد تركيزهم على ما يحدث عند تكرار النتائج، وما اطلقه من الترويجات بانه في حال لم تُحسم هذه الانتخابات لصالح تفرد اردوغان وحزبه ستُعاد الانتخابات لمرات اخرى، مما زرع الفزع في اذهان الناخبين من اطالة الامر، وشكل هذا مللا واثر على ارادتهم، وانتصر في تخويفهم مما فضلوا العيش الامن كما اعتقدوا الاتي من تفرد اردوغان على التهديدات والوضع القلق غير المستقر في حالة تكرار سيناريو الانتاخبات المتتالية من جهة . من جهة اخرى ركز اردوغان على الشؤون الاقليمية وداعش واللاجئين وزيارة ميركل وما اضافت الى رصيده على حساب الديموقراطية الحقيقية، وما افتعله اردوغان من قضية اللاجئين وفتحه ابواب الحدود لهم متقصدا في اثارة الضجة المعروفة لامور داخلية تركية بحتة يهمه في هذه الاونة فقط .

السؤال الهام هو؛ هل يتمكن اردوغان الحفاظ على السلم والامن الاجتماعي فيما يبني امارته على هذا الاساس الهش والاعمدة المبنية من الحيل والافعال المشبوهة التي اقدم عليها، مما اثر بها على راي الناخب وتخويفه وسلب حريته، فكيف يكون بنيانه على هذا الاساس بعد الانتخابات، وهل يحقق مرامه باكمل وجه ام يغص اكثر في بحر ظلماته وما بناه بهذا الشكل .

ان ما يقوم به اردوغان بعد الانتخابات مباشرة من قصف معاقل حزب العمال الكوردستاني والمدنيين في قنديل ليس بشيء الا انه يريد ان يرسل بلاغ للمعنيين بانه ليس بغافل عما يجري ويستمر على فعلته وهو استراتيجيته المستقبلية في التعامل مع هذه القضية من جهة . وانه يريد ان يخفف عن وضعه الداخلي وما يجري في كوردستان الشمالية الان من الهيجان والاحتكاكات ويريد توجيه الانظار لما يحصل هناك من جهة ثانية .

اما ما ينتظر اردوغان في المستقبل القريب هو تورطه في سوريا اكثر كما تدلنا كل المؤشرات نتيجة ما يهمه من وجود قدم مؤثر له هناك، وهذا ما يزيد تعقيد امره داخليا اكثر، اي وكما توضح لنا المؤشرات ان ما يجري في سوريا لن يكون لصالحه بعد تدخل روسيا، فانه ربما يضغط من جهة المحور الاخر وهو ضعيف فيه ايضا، ولكنه يريد التقارب معه في هذه الاونة بعد ان انهى مهمته داخليا، وهذا ما يشغله اكثر ويؤثر على اقتصاده المنهار اصلا ويزيد تعلقه في عقدة الازمة الاقتصادية على المدى البعيد، ولن يكون التفرد لصالح التامين الاقتصادي ايضا، ولن يستطيع ان ينهض باقتصاده المتدهورفي الفترة الاخيرة، وان استمر في معاداة الحزب العمال الكوردستاني واجبره على المقاومة واعلان الحرب خلال الربيع القادم فانه يتعلق بالوحل اكثر ويدخل اقتصاده في الازمات والمازق اكثر، الى ان يوصله الى الحضيض، ومما يزيد من هذا الاحتمال هو غرور اردوغان من فوزه في هذه الانتخبات واقدامه الى ما يعلق به راسه في الفخ سياسيا كان ام اقتصاديا والايام والاشهر التالية ستوضح لنا هذا الامر جليا .

الا انه من جانب اخر، لو تعقل اردوغان وتامل وتمعن جيدا دون السطحية والشطحات المعروفة عنه، انه يمكن ان يقدم على سياسة عقلانية وهو متفرد في السلطة، ويمكنه ان يثبت قواعده واعمدة حكمه ويحقق اهدافه بشكل سليم، لو تعامل مع القضايا الداخلية بعقلانية وانسانية وسياسة ايجابية كاملة، وخطى خطوات في مسار الحلول السلمية فما يخص القضية الكوردية، وسياساته الاقليمية وبالاخص سوريا وما يجري فيها، اضافة الى تعامله وعلاقاته مع العراق وكوردستان الجنوبية وايران من جهة اخرى، وان خطى خطوات ديموقراطية مطلوبة منه للتقرب من عتبة الاتحاد الاوربي، وهذا ما يستفيد منه داخليا، اضافة الى ما يهدفه استراتيجيا من دخول الاتحاد الاوربي . فيتوقف مستقبل بلاده واهدافه الخاصة على خطواته الصحيحة الصادقة، ولكنه استهلها شرا بعد انتهاء الانتخابات مباشرة بقصفه لجبال قنديل والمدنيين فيها، دون ان يتانى ويفكر مليا في الخطوات المفروض ان يخطوها في المرحلة المقبلة . اي ان فوزه سيقع عليه ان استمر على عقليته السابقة وا لانية وسيقضي على السلم والامن الاجتماعي واقتصاده اكثر ، اما بتعقله سوف يوجه بلاده الى شاطيء الامان ويحقق اهدافه الحزبية والشخصية وينقل بتركيا بخطوة اخرى قريبة من الاتحاد الاوربي .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم