آراء

هل استقلال كوردستان ضد اليسارية ام العكس؟

emad aliانتقدني الكثيرون من الاصدقاء على مواقفي وما اصر عليه من المباديء الثابتة عن القضية الكوردية، على الرغم من انهم يعلمون جيدا ان مبادئي المعلنة في هذا المضمار لم تكن يوما نابعا من النزعية القومية او التعصب العرقي، ونعتوني بالتعصب احيانا وبالمنحرف مرة وضد اليسارية الحقيقية مرة اخرى، واخيرا نعتني صديق عزيز يمكن ان اصل الى الشوفينية في ايامي الاخيرة من عمري اذا ما تاكدت واصريت على حق الشعب الكوردستاني في تقرير المصير، لان هناك اعلى واكبر من استقلال كوردستان يمكن تحقيقه من اجل الانسانية التي اؤمن بها انا قبل الاخرين، ويجب ان لا الطخ تاريخي بما لا يتوافق مع ما يهم الانسانية التي تؤمن وتقر بها اليسارية، وليس تجزءتها كما افعل انا، وسوف اصل الى حد يمكن ان يوصفوني بالقومي المعتدل وليس يساريا او لا امت بصلة باليسار من قريب او بعيد في يوم ما .

و منذ مدة طويلة واناقش هؤلاء وامثالهم من كافة القوميات العربية والكوردية وحتى الفارسية من اصدقاء مقربين والتركمانية التي لا يعترفون بما اسير عليه من اساسه، والمفرح ان مدينتي خانقين خالية منهم على رغم وجود نسبة لا يمكن انكارها من التركمان فيها، ولا يمكن ان نحتسب لما موجود من المتطرفين اقل من اصابع اليد التي تركْمن اخيرا عدد منهم من اجل مصالح مالية او حزبية خاصة به وخارجة عن ارادته ولا يعترف بهذا الا في السر .

اصل الموضوع هو الخلاف حول ما هي اليسارية والفلسفة التي نعتمد عليها والمنهج او العقلية التي نعتقد ان سلوك اي منا في امر خاص او نظرتنا الى قضية او اعتقادنا بمفهوم ما يمكن ان يكون خارج نطاق اعتقادات وتوجهات وافكاراي كان منا، فيعتبرنا البعض خارجون عن قانون اليسارية المعتمِد على النصوص الجامدة عند اكثرية هؤلاء . اليسارية بشكل عام سواء الاشتراكية كانت ام الاشتراكية الديموقراطية ام الشيوعية، لا تقف ابدا ضد اي حقوق للطبقة او فئة او عرق او حتى قطاع ما في تحقيق ما يؤمنون به وهو ليس ضد اية مصلحة للاخرين، وكل ما يقع لصالح الطبقة الكادحة بشكل عام هو جوهر اليسارية وان كان دون الاستناد على النصوص الجامدة . فهنا نسال؛ اليس الشعوب المغلوبة على امرها ومتورطة بحكام متسلطين لهم الحق في التخلص من جور سلاطينهم او سلطاتهم قبل التفكير في الامور الجزئية او حتى النضال المتعدد معا سواء كان عرقيا او طبقيا وفي ان واحد . فهل من المعقول ان لا نكون مع القضية الكوردية او الفلسطينية لاننا نعتقد بانها تخص القومية الكوردية او العربية الخاصة لمجموعة معينة لا تضمن حالة نريدها ويخض شعب دون التفريق بين الطبقات . اذا ومن جانب اخر، اليسارية وتاريخها كانت دائما مع حقوق المغدورين والمظلومين من كافة النواحي قبل اي شيء اخر . وكما نعلم ان الثورات التي اندلعت وبالاخص في الشرق الاوسط والدول النامية او المتاخرة، راح ضحيتها الكثيرون ولم يكون ان لم اكثريته فبعض منهم يعلموا ماهي اليسارية والطبقية، ولكن تضحياتهم تقع لصالح جوهر وفحوى اليسارية ومراحل تطبيقها او الاعتماد عليها كايديولوجيا وفكر وفلسفة في النهاية، فبماذا نصنفهم اذا . لو بسطنا الامر اكثر ولا نعقده ونستند على النصوص الجامدة وما يامر به هذا المفكر اليساري وذاك القومي وهذا القيلسوف وذاك الناشط او الثوري، ونلخص امر اليسار في منطقتنا بانها في مرحلة الخلاص من الفساد المستشري واحقاق ما يهم الشعب بشكل عام ومن ثم بين ثناياه من الممكن ان نميزه من الطبقات،و ينشط من اجل االتحرير من السلطات الجاثمة على صدور الجميع، اليس من المعقول ان لا ندخل متاهات من هم افراد هذه الطبقة او ذاك وندخل في تصنيف الافراد وطبقيتهم او قوميتهم او تقسيم الشعب على طبقات نظريا على الورق والذي لا يمكن تصنيف ما يضمنه على اي اسس علمية معتمدة، لانه لا يمكن ان نفرق بين طبقة نسميها كادحة من كافة الجوانب ونميزها مع طبقة اخرى غير كادحة بامتياز، ولا يمكن ان ندخل الطبقة الاخرى ضمن التصنيف ذاته سواء اعتمدنا على المعيشة او الظروف الذاتية لها او مواردها او ثقافتها وسماتها ونظرتها الى الحياة وطريقة معيشتها وما يمس الجوانب الهامة في حياتها، وما ينطبق او لا ينطبق على صفات الطبقة الكادحة او البرجوازية فيها، بعدما نرى ان هناك خلطا واضحا بين سمات الطبقتين في شرائح وفئات لا يمكن تصنيفها او تميزها ضمن طبقات، وعليه لا يمكن تسميتها على واقع الارض بشكل علمي صحيح بحيث تكون متلائمة مع ما تنصه الماركسية او اليسارية بشكل عام . من هم ضمن الطبقة الكادحة او البرجوازية الثورية او ما يمكن ان نسميها الطبقة المتوسطة او البرجوازية القحة، وهكذا بالنسبة الى النظام هل هو راسمالي ام اشتراكي ام يمكن ان نصنفه ضمن المرحلة الفيودالية او حتى العبودية وبانواعهااو مراحل متنقلة بين تلك المراحل ولم تستقر على اية مرحلة بعد .

لو قلنا اننا مع جميع القوميات في تحقيق مصيرهم بما فيهم الكورد، وقلنا نحن مع الحرية والديموقراطية ضمن شروط الاشتراكية او اليسارية، او قلنا اننا مع الانسانية بكل ما تعبر عنه فكرا وفلسفة، سواء ضمنناها الى فكر او فلسفة او مباديء اجتماعية او ثقافية عامة، لا تمت بالفكر والفلسفة باليسارية باي شيء . فهل من المعقول ان لا نكون مع حق اي شعب تقرير مصيره، لاننا يمكن نُنعت باالعنصرية او المؤمنة بالقومية المعتدلة في احسن الاحوال، ام من اولى امور ما يخص اليسار هو تحقيق اهداف الشعوب المغدورة بما فيها حق تقرير المصير، اليس اليسار مع تحقيق ما يهم الشعوب المجتمعة على اهداف عامة لها ولا تضر بالاخرين، اليس الانسانية ان تحفظ كرامة الانسان وان تحقق اهدافه العامة والخاصة بعيدا عن الاضرار بالاخر . اليس من المفروض ان يكون لكل انسان يساري اهم هدفه له هو ضمان حقوق الانسان قبل غيره، ام اليسار بعيد عن هذا كما يعتقد البعض من الجموديين، وينفي بعض الحقوق من اجل ضمان حقوق الجمع البشري كما يعتقد، اليس لنا ان نفكر بخصوصية تربيتنا وعقليتنا وبما يفرضه علينا ما تعلمناه به من بيئتنا ونحمل ما افرزته لنا ونكون في طليعة من يؤمن بالتغيير من اجل الانسان وحياته قبل اي شيء اخر، اليس الانسان الاولوية الاولى، ولا اعتقاد لليسار بما يفرض من ما بعد الانسان او مابعد الطبيعة مهما كان منطقنا قويا حوله .

اذا، كيف افكر وانا اعتبر يساري بشكل عام، انا لي اولوياتي ولي الحق ان التزم بها، ولي حرية في التفكير والعمل بها، لانها في اعتقادي من اجل الانسان او لا تضر بالاخر وتفيد ربما مجموعة معينة . فهل من المعقول ان ابتعد عن اولويتي وهو تحقيق ما يهم مجموعة دون اخرى ولا يضر باخرى ايضا، اي بالاحرى وبصريح العبارة من المفروض والمبدئي ان اكون ضد تحقيق مصير الشعب الكوردي لانه يخص قومية دون اخرى وانا على اليقين بانه لا يضر بالاخرى في اي جانب كان، هل انا على الخطا ان اكون مع استقلال كوردستان لا بل مع تحقيق استقلال ولو قرية عربية بعيدة نائية ان لم يضر هذا بالاخر ويعيش الانسان فيها مكرما محترما سعيدا، اليس هذا الهدف النهائي لليسار وهو ما يخص الانسان وسعادته . فلماذا اكون مع ضيم مجموعة من اجل نص ما او نظرة يمكن ان لا تتحقق على ارض الواقع، وقد قيل في ظرف معين او انتهت صلايحته .

اليسارية كما اعرف عنها بفكري وثقافتي المتوضعة ان تكون هكذا، ويمكن ان اُعتبر ربما ساذجا او منحرفا، الا انني اؤمن بان الواقع اكثر اهمية من النصوص عند الانسان جميعا، لانه يعيشه ولا ياكل من النصوص او الكتابات النظرية المعبرة عن شخص الذي كتبها في ظرف وواقع وبيئة معينة وفي زمان ومكان معينان دون ان تكون هناك فرصة تحقيقها ولو بنسبة ضئيلة جدا في كافة الاماكن على حد سواء . فاليسارية هي الفكر والفلسفة التي تؤمن بمسيرة الانسان السلمية ومصالحه في واقع تؤمٌن فيه مقومات حياته وهي تفرض نجاح تطبيقها قبل اي شيء اخر، واولويتها المساواة وا لعدالة الاجتماعية وضمان حقوق الجميع وتكافؤ الفرص وتحقيق الاهداف دون الاضرار بالاخر . اليسارية هي الايمان بالحياة وما موجود مع العمل من اجل التطور، سواء كانت بسواعد الطليعة الشعبية الطبقية وفق سمات المرحلة، وليس بالخيال والطوباوية وماوراء الواقع ودوافع المعيشة، كما هو حال الافكار الخيالية ومنها الدينية، مهما كانت مع طبقة وليست مع الاخرى وعند مستوى تفهم المجموع المتفهم للعصارة الفكرية الجماعية المعتمدة على الوعي والثقافة العامة لعموم الشعب بما فيها وان كاناحتمال هناك تميز للطبقات في ثنايا شعب ما .

بسهولة واختصار، ومن هذا المنطلق؛ لا يمكن لاحد ان يعتبر حق تقرير المصير للشعب الكوردي ضمن مخلفات البرجوازية، ويمكن تحقيقها كتحصيل حاصل بعد انقضاءمرحلة البرجوازية، وكانه انبثاق الدول التي انقسمت عليها الكورد، جاءت وفق ما يؤمٌن مستقبل القوميات وا لشرائح بعد التغييرات والانتقال من مرحلة فكرية وفلسفية الى اخرى، وليست من صنع يد الاستعمار ومصالحهم وتوزيعاتهم، لما اشغلوا بها العالم الشرقي واستمروا في سيطرتهم عليه بما خططته اياديهم لحد اليوم، وفرضوا الخلافات على ارض الواقع وبها يتنعمون اليوم ويعيشون برفاه وتقدم وحياة تتسم بالانسانية على حسابنا نحن. وعليه، لا يمكن ان تكون اليسارية الحقيقية التي نؤمن بها ومن اولوياتنا وعقليتنا على حساب ما يهم الانسان ومصالحه او ضده، ولا يمكن للانسانية ان تكون ضد اليسارية باي شكل كان . وهذا يدلنا على ان اي هدف جماعي غير مضر بالاخر لا يمكن ان يكون ضد المباديء الاساسية لليسارية، ونستنتج انه لا استقلال كوردستان ضد اليسارية بشكل عام ولا اليسارية الحقيقية ضد استقلال كوردستان مهما تشدق النظريون اصحاب النصوص الحاضرة من عالم الغيب او ما ينسبون النصوص الى علوم، ونعلم عن العلوم ليست الا قابلة التجديد والتقدم والتطور والتغيير بمراحل، ولكنها معتمدة على اسس ثابتة .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم