آراء

ما البديل عن عدم تقبل مجتمعاتنا الديموقراطية؟

emad aliان كانت الديموقراطية طبخة جُهزت بدوافع ومخاضات اجتماعية تاريخية خلال مراحل متنقلة لدى الشعوب الغربية، واصبحت جاهزة التطببيق هناك بعد توفر متطلبات ودعائم وارضيتها، فلم تنبثق لتصديرها كما هي؛ بعدما تشدقوا وتشبثوا بها هناك على اعتبارها افضل نظام سياسي وصلتها الانسانية لحد اليوم، وادعوا بانها هي النهاية التي لا بديل عنها كما يعتقدون، وجاءت من اجل البشرية ويريدون تطبيقها في الشرق على الرغم من الارضية والظروف وا لتاريخ والجغرافيا المغايرة لما تطلبها .

اذا، لم تكن الديموقراطية بديل مناسب لما فيه الشرق من البيئة والاجواء من كافة النواحي، ولم يجد الشرق بنفسه ما يناسبه بالضبط، اي عدم وجود نظام منبثق من الظروف العامة وما توارثه الشرق من تاريخه وثقافاته وحضاراته . وكل ما موجود من الايديولوجيات التي لا تناسب تطلعات الانسان وما يمكن ان يفيد حياته وامنياته . وان لم تكن هناك الية عمل لنظام سياسي بفكر وفلسفة معينة، او نظرية او حتى مفهوم سياسي خاص بنا كشرقيين ونعتقد بانه هو البداية للوصول الى جوهره للصالح العام، ونعتبره هو الانسب من غيرالموجود من ما اوقعنا به حتى اليوم في القتل والتشريد والعداءات والتناقضات والتطرف والافعال اللاانسانية من الايديولوجيات . وحتى نحن بعيدون عن صياغة لفظية معينة عن ما يمكن ان نبني عليها الاساس من خلال عملية اومخاض اجتماعي سياسي، فلابد ان نستفيد بشكل نسبي من كل التجارب الاخرى بشكل واقعي او نستند على ما هو المطبق في اماكن اخرى، ونقتدي به او نحسبه طليعة لما نسير ورائه . ولكن كل ما يُجلب حتى الان الى الشرق نرى بانه يصطدم بواقع معلوم عنه اختلافه وعدم توافق مسيرته لتطبيقه وتجريبه وانه لا يقبل ولادة حتى مثيل للديموقراطية بشكل كبير جدا . ولا يمكن بنيان هدف او حتى اساس على حالة طارئة غير اصيلة، لان كل ما يُبنى على التقليد والمستورد غير المجرب سيصاب بخلل وبالاخص ان كان يُجرب على ارض مختلفة جدا عن ما مولود فيها اصلا .

نحن في شرق ولم يحدث لحد اليوم ثورة ثقافية مؤثرة كما هو حال ثورة فرنسا، ولم نجد مخاضا ذاتيا قويا لفصل الدين عن السياسة من رحم المجتمع، ولم نجد ارضية مناسبة لتقليد المجرب في الغرب . لم تصل الثقافة العامة الشرقية من حيث الاعتبار لقانون والضوابط بقدر الاحترام والالتزام بالعادات وا لتقاليد التي فرضتها حياة الناس ومسار تاريخهم . اذا كيف يمكن العمل على ايجاد الاحسن لتلافي كل هذا الدمار المستمر الذي ياتي على راس هذه الشعوب رغم ما وصلت اليه البشرية من التقدم في اماكن اخرى من العالم .

هنا دعونا ان لا نتكلم عن المفهوم او الكلمة كالديموقراطية بما فيها، فالتحركات الكبيرة والتصادمات والصراعات والفوضى التي نحن فيها يمكن ان تنتح او تخلق ما يفرز من جراء العملية السياسية الفكرية المناسبة لها من مفهوم، ومن الية بدائية اصيلة وناتجة عن ما تنبثق من الاحتكاك والتلاقي التي وصلت من الغرب من قبيل الديموقراطية والياتها مع الموجود غير الناضج . فالمفهوم المنتج يمكن ان يكون خليطا من المفاهيم المتاثرة بثوابت الشرق وافرازاته المختلفة، ويمكن ان ياخذ صياغة ونصا ومفهوما ويُعبر عنها بكلمة مثلا (شرقوكراسي) او او اية كلمة لم تجد فيها ما يفهم عنها انها ناتجة من الديموقراطية وجزئيها فقط ويمكن ان يفرزها لنا مخاض العملية الطويلة المدى، ولكن البداية لابد ان تكون هناك تحركات وتوجهات يمنع التقليد كي تتفرغ الناس لامر ما جديد توفره لهم المخاضات بعيدا عن الاملائات والاستيراد والتقليد، وتعبر عن المامول ويمكن ان تكون كلمة جديدة اصيلة من الشرق وتدخل قاموس اللغة السياسية الشرقية من جديد .

اما ما اعتقده وبعد تقيمي المتواضع لما نحن فيه، يمكن ان اعبر عن رايي الخاص في ذلك باقتضاب هنا . بما نحن كشعب ملتزم بالعادات وا لتقاليد المتوارثة اكثر من القانون من جهة، ولدينا من الطقوس والشعيرات وما منبثق من تداعيات الاساطير والقصص الدينية والاجتماعية، وليس للنخبة دور او تاثير كبير مباشر على حياة الناس من جهة اخرى . فاننا يمكن ان ننتظر بروز ما تكلمنا عنه من بعد نهاية الفوضى التي نحن فيه سواء بعد صراع المامول من الديمقوراطية الفاشلة لحد الان في مقابل سيطرة السلفية وتداعيات التاريخ وما فيه على زمام امور المجتمع في هذه البقعة . فلتبقى الديموقراطية والياتها الغربية تعمل ما بوسعها وتؤثر على الناس دون نتيجة حتما لمدة ما، وفي المقابل لابد من ابداع ما يدعمها او يجاورها من المفاهيم او التشكيلات المناسبة كالية لتضع الديموقراطية اي الشرقوقراطية (او اي مفهوم يبرز بديلا للديموقراطية ونابعة من اصالة الشرق وسماته) على سكتها . كما هو حال المجلسين كالية في مناطق اخرى في العالم، ويمكن الاعتماد على النخبة التي يمكن ان تكون لها مميزات يفرقها عن الاخر من النواحي المختلفة وليست العلمية فقط . اي الاعتماد على التدريجية في مسايرة امور الشرق من اعادة السلطة الى الشعب وما يهمه، ويكون له اليد في تطبيقه وان يكون لرايه دورا مهما قاطعا في امور السلطة . هذا بعد ازاحة افرازات ما خلفته الاخطاء التي نتجت من استيراد الديموقراطية الغربية التي فشلت في الشرق بشكل كامل تقريبا بعدما شاهدنا انها لم تجلب غير الويل لشعوب المنطقة وتم استغلالها وتحريفها لامور لا يمت بصلة بالديموقراطية بشيء بعد تصادمها مع الموجود اصلا، وكل ما نتج عنها هو الفوضى بشكل جلي . ومن الواجب مراعاة ما ومن تضرر من تجربة تطبيق الديموقراطية الفوضوية في منطقتنا وفي مقدمتهم الطبقة الكادحة المسحوقة التي سُحقت اكثر بما انتجته المستوردات من الفوضى القتالة التي من المفروض تحويلها الى الخلاقة .  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم