آراء

الجهوية المتقدمة والقضية الوطنية

elmrazik almustafaفي سنة 1996، التقى الملك محمد السادس، ولي العهد آنذاك، بوفد صحراوي يمثل جبهة البوليساريو، للتباحث في موضوع الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الأقرب إلى الموضوعية وإنصاف جميع الأطراف. وفي 2006، كاد المغرب أن يعيش تجربة استثنائية من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية من مهامها توسيع مجال الجهوية في أفق الحكم الذاتي.

أما سنة 2010، فتميزت بميلاد اللجنة الاستشارية حول الجهوية بعد الخطاب الملكي ليوم 3 يناير حول الجهوية الموسعة والتي اعتبرها الملك "ورش هيكلي كبير وتحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية (...) وانبثاقا لدينامية جديدة، للإصلاح المؤسسي العميق".  

وبعد صدور دستور 2011، تبنت الدولة المغربية مقاربة جديدة في التعاطي مع نظام الجهات والعمالات والأقاليم نحو التطلع إلى بناء الوحدة المغربية القائمة على علاقات التشارك والتعاون والتضامن، في إطار سيادة الدولة وصلاحياتها الرامية لتحقيق التنمية المحلية والحكامة الجيدة وحسن التدبير.

و منذ استحقاقات 4 شتنبر 2015، دخل المغرب في تعبئة جديدة من أجل استكمال حلقات حكامة المؤسسات التي يجب أن تتعزز بآليات وقوانين الشفافية والمصداقية لتجاوز أخطاء الماضي واستخلاص الدروس اللازمة منه، وتعبئة كل الطاقات بغية استكمال المسار الإصلاحي وتوطيده.

و إذا كانت الجهوية المتقدمة بصلاحياتها الإقتصادية والتنموية خيارا آني واستراتيجي لا مناص منه في تقوية وتعزيز الوحدة الشعبية والترابية ونصرة القضايا الوطنية في إطار مشروع التنمية المندمجة والمستدامة، فإن القطيعة مع التمركز الإداري ومع اقتصاد الريع وسياسة المحسوبية والزبونية من شأنه بناء نموذج تنموي فعال لأقاليم الجنوبية وتهيئ الشروط المادية واللوجيستيكية لبناء المشاريع الكبرى وتوفير الدعم اللازم لها.

لقد عاش المغرب منذ الاستقلال رجات سياسية وتعثرات اجتماعية عديدة، لكن قضية الوحدة الترابية اتخذت مسارات أخرى أكثر تعقيدا، زادتها أحداث دولية وقطرية وإقليمية تعقدا وتأزما.

و إذا كان المغرب قد اعتمد في الماضي مقاربات براغماتية كانت تراعي ازدياد الحاجة لدى بعض الدول الكبرى لنقاط تفجير متنوعة ومحاولة عزل المغرب عن دول الجوار وعن إفريقيا وكذلك عن دول المشرق، وكانت (المقاربات) تتحاشى كذلك الصراع المباشر والتناقضات التي لا حلول لها، فإن الأوضاع الراهنة جد مختلفة والإّيمان ببناء المجتمع الديمقراطي والحق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكل المغاربة هو السبيل الأنجع لمواجهة كل أعداء الوطن.

إن الجهوية المتقدمة هي مخطط تنموي لتوسيع نفوذ الفاعلين المحليين والاقليميين والجهويين في علاقة وطيدة مع الدولة المركزية، وهذا اعتراف بدور المواطن المغربي في التعبير والمساهمة في الوحدة الوطنية.

لكن الجهوية المتقدمة، وفي غياب تنزيل العديد من القوانين والآليات الأساسية لبنائها، من شأنه إفراغها من محتواها وتحويلها إلى بقرة حلوب تدر لبنا ولحما وشحما قبل أن يجف ضرعها.

لقد عانى المغاربة بسبب حماقات السياسات الحكومية المتعاقبة، وعانى الشعب المغربي ما يكفي من الرجعية والانتهازية في التعامل مع القضية الوطنية، واليوم لابد من مراجعة نقدية تعطي للجهوية مضمونها السياسي الحقيقي بناء على تصورات ديمقراطية تستجيب لمتطلبات التنمية في كل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، وتقطع الطريق على الريع السياسي والاقتصادي وعلى استعمال النفوذ والامتيازات.

قد يبدو هذا الحكم للبعض طوباوي وغيرعلمي، بدعوى أن في بلدنا، لا يمكن أن تعيش "حليمة بدون عادتها القديمة"...و لكننا نعتقد، إلى أن يثبت الواقع عكس ذلك، أن الشروط التاريخية قد نضجت لنشوء "الولايات الجهوية المغربية المتحدة"، وهو المشروع الوطني الوحدوي الذي يحتاج منا تحرير كامل التراب الوطني والاستقلال المطلق للمغرب والقضاء على كل خطر يهدد هذا الاستقلال والوحدة.

 

المريزق المصطفى

في المثقف اليوم