آراء

هل الغرب متورط في تفجير الطائرة الروسية؟ (1)

altayb baytalalwi"التاريخ مجرد مزحة، والحقيقة مضاربات، والثقافة مهاترات، والسياسة لعبة قذرة، والسياسيون مهرجون وأنانيون، والبشر مغفلون" أليكسيس كارلايل...".

 

تمهيد:

تزداد على مرور الأيام والساعات تساؤلات متسارعة ومتضاربة-بعضها مثيرة للشك والجدل-، حول حادث إنفجارالطائرة الروسية في 31 من أكتوبر المنصرم العائدة من شرم الشيخ الى سان بطرسبورغ التي كانت تقل 224 سائحا روسيا ماتوا كلهم، وهي مأساة إنسانية ووطنية هزت العالم، وأثارت في الشعب الروسي مشاعر الحزن العميق، والغضب والتشكك، في آن واحد، خاصة وأنها أكبر كارثة جوية عرفها الطيران الروسي في تاريخه.

ومن دراماتيكية المأساة، أن البعض من هؤلاء الروس المفقودين الأبرياء، كانوا من المحبين للعرب، ومن المهتمين بما يجري في سوريا والعراق والأراضي المحتلة بفلسطين –كما أخبرتني بذلك سيدة أعمال روسية مقيمة بباريس-ممن يفضلون السياحة في الأردن ومصر، بدل زيارة دول أوروبية على البحر المتوسط المشاطئة لمصر مثل مالطا واليونان.

ومن عبثية القدر أيضا، أنه...كانت تحدو البعض من هؤلاء المفقودين، الجمع ما بين المتعة الشخصية والإستفادة المعنوية والمبدئية، أي: الجمع ما بين السياحة والتثقيف والدعم السياسي والمادي، بهدف إنعاش الإقتصاد السياحي المصري، المتضرربسبب الأزمة الإقتصادية الإقليمية والدولية، وعدم الإستقرارالسياسي المهدد في كل حين بالإنفجار، من داخل مصر، وفي بلدان الجوار .غير أن فظاعة ما يجري في المنطقة ومنطق القدر الذي لاراد له، إرتأيا غير ذلك.

- ومن قضايا طبيعة الصراعات الدولية الشائكة الحالية-لما بعد الربيع العربي-هو تحيين نظرية"الحروب الخفية"في مراحل الإرتكاس الأمريكي الإقتصادي، وتقلص قدراته العسكرية، كما وضع أصولها، هنري كيسينغر"ثعلب السياسة الدولية ومهندسها في السبعينات- :، ومن أسلحتها الأولى:الحروب النفسية، والسيطرة الإعلامية، والإغتيالات السياسية، وتكبيش المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية، والهش على ظهور الساسة الثالثيين، ورشوة المثقفين وتضبيع الشعوب، ليحقق الغرب عند السلم و في أوقات الإزمات، ما لا تبلغه قوة العسكر،

وقدأعقب هذا الحادث المثير للشكوك والتساؤلات:تكاثرنظريات وفرضيات متنافسة يجُبّ بعضها بعضا، تنبني كلها على نتائج أولية-مؤقته- وإستنتاجات لفرضيات تحريات دقيقة، يقوم بها خبراء متخصصون في تفجيرالطائرات، منهم من ينشد الكشف عن الحققية متحلين بالمهنية والموضوعية، -وهم أقلية ناذرة- ومنهم من يصارع عقارب الساعة، في سبيل إخفاء قرائن قد تثبت تورط مخابرات أجنبية ضليعة في مثل هذه المهمات القذرة،

 

بانوراما الحادث:

تم إستبعاد وجود خلل في محرك الطائرة منذ بداية التحريات، فبدأ بعض المتخصصين الأمريكيين والبريطانيين يوجهون تحرياتهم نحو التشكيك في القدرات المصرية في مجال الأمن، وتبخرت المحاولة أمام الرد المصري الحاسم في هذا الشأن، ليتم توجيه نتائج التحريات نحو توجهات"معقولة : ومنطقية، بمحاولة لوي وجهة التحريات و"عصرها " بغية الإستخراج منها ما يثبت -" ظاهريا"-ضلوع جماعات إسلامية إرهابية تنحدرمن صلب"القاعدة"، المتواجد فروع من فصائلها في صحراء سيناء، ويعني ذلك – بلغة ( الجيو- سياسة): إبعاد الشبهات عن إحتمالات ضلوع مخابرات دول كبرى من العيارالثقيل في إرتكاب الجريمة – مادامت"الدولة الإسلامية "لم تُخلق إلا لكي تكون سلة قمامة غربية يرمي فيها من خلقها زبالته، وشماعة يعلق عليها صانعوها غسيلهم الوسخ، ويتسترون خلفها عند الملمات، بل –وذرا للرماد في العيون -قد يقذفون بالطائرات تجمعات لهم في سوريا وتركيا والعراق ويغتالون منهم من توقح أو تجاسر على الأسياد.

والحادث في حد ذاته ما يزال طريا- نسبيا-، ويكاد يكون من باب الإستحالة تحليله بمنهجية دقيقة، وبروح علمية مطمئنة، بسبب غموض الحادث نفسه أولا، ولكونه ثانيا مرتبط بأحداث دموية عنيف جارية على قدم وساق في المنطقة لم يشهدها التاريخ العالمي الحديث منذ مجازرالحربين الكبريين، وفظاعات هيروشيما وناغازاكي، بل ويمر العرب بأعسرمرحلة تاريخية غامضة مهولة قد يُعرف مبتدأها، ولاأحد يعرب خبرها....، وحتى الغرب نفسه-الذي خلقها وركبها وإستشكلها– لا يعرف–يقينا– نهايتها –

وتيسيرا لفك لغز الحادث، فإنه من اللازم – منهجيا- :

أولا: لا بد من ربط حادث إنفجار الطائرة الروسية بما يستجد في المنطقة، وبقرارالروس الصارم في محاربة ما يسمى ب" الحملة الإسلامية" بمعزل عن مشاركة الغرب و"المعتدلين"العرب، الذي أثار حفيظة وقلق البعض، وكشف عورات البعض الآخر، مما يعني قبول الروس الجدد للتحديات، وإنتظار ردود أفعال المناوئين للروس، ومواجهة التبعات و المفاجئات – ولعل إنفجار الطائرة الروسية إحدى مؤشراتها وعناوينها الكبرى-

ثانيا: محاولة ربط التدخل الروسي في سوريا والعراق، بالتناغم التاكتيكي والعسكري والمبدئي مع إيران والتشاورمع الصين-لأسباب جد معقدة يطول شرحها في هذه العجالة، -والتي لا علاقة لها بما تذكره معظم التحليلات الإنفعالية العجولة،

ثالثا:-عدم المحاولة-العبثية – في إختزال التدخل الروسي في سوريا والعراق، إلى مجرد إعلان حرب على الدواعش، والدفاع عن الحليف بشار والحفاظ على نظامه السياسي،

رابعا: الإبتعاد عن المبالغة في التشاطر"في المعالجات"الجيو-سياسة"الرصينة، كما يجنح الخيال الأدبي بالبعض، فيعتبرون الحملة الروسية على " الدولة الإسلامية " بمثابة :

-مشروع إحتلال القياصرة الجدد لسوريا، وبيع العلويين والنصيرين بلاد الشام إلى أعداء الأمة"، ومساعدتهم في مشروعهم من أجل تحقيق الهيمنة على المنطقة وسيادة العالم، وإنجازما لم يتم إنجازه عن طريق "الشيوعية الشمولية والماركسية الحمراء، وديكتاتوريتهم الرعناء"، وكأن بني صهيون الأخيار، وآل الغرب الأطهار، هم "الموحدون"لله الواحد القهار، وأن الغرب" جمعيات خيرية وإنسانية "-أرضية وسماوية - توزع الخيرات المجانية-في سبيل الله- وتضمن لأقوام الجغرافية العربية الأمن والسلم والسيادة والعزة والعلو في الأرض والتمكين فيها

-تخوين الشيعة العرب العراقيين واللبنانيين بحزب الله، وإخراجهم من الملة الإسلامية، ومن نسل بني يعرب وآل عدنان وقحطان، وطردهم من رحمة الله التي لا يستحقها سوى"النخبة الأبرار"من"التيميين–الوهابيين"المنتقين من رب العالمين،   وأتباعهم المخلصين الى يوم الدين في الخافقين، ولوكانوا من حثالات الأشرار

رابعا: عدم الخلط ما بين التحليل (الجيو-ستراتيجي) ولذة الكتابة الأدباتية العاطفانية، طمعا في الكرم الحاتمي الأعرابي، ورغبة في الحظوة لدى الأسياد، فيُكتب في تجريم الروس ما لم يكتبه رهوط "السلفويين"في حكم إتيان الموبقات وإرتكاب الكبائر، بكلام مراهقي لا سند له في علوم التاريخ، ولا علاقة له بالدين أوالإيديولوجيا أوالسياسة- حيث يتمحورهذا"السجع المقاماتي"بأن غاية الروس في محاربة الدواعش، هو مجرد تموضع(جيو-ستراتيجي) من أجل إحتلال " المنطقة" ثم تقاسمها مع الأمريكان كمشروع " يالطا خفي جديد -كما حدث في الأربعينات ما بين " ستالين" و " روزفيلت" –فتأمل

تساؤلات عقلانية حول إحتمال وجود أسباب خفية وراء تفجير الطائرة :

وبعيدا عن مهاترات العرب المتهارشين حول طروحات"نظرية المؤامرة"، والجدل العقيم الدائر بين المثقفين حول إثباتها ونفيها

فإننا سنحاول عرض جملة قراءات أو مقاربات يسوقها لنا بعض الخبراء الحياديين بهدف إزالة الستائر عن الحادث –قدر الإمكان -ويبقى التحليل مجرد فرضية وتحليل –يؤخذ منهما ويرد، هبطا أو سمقا- وذلك، بطرح تساؤلات حول الأسباب الخفية لتفجيرالطائرة الروسية-مادام قد إستبعد معظم الخبراء الفنيين وجود عطب في محرك الطائرة- لكي لا تتحول الأبحاث الجادة في أسباب الحادث، إلى أحاجي وطلاسم، لا يستفيد منها سوى من قاموا بالحدث، حيث يعتبرها بعض الخبراء :أنها رسالة مشفرة غير مباشرة من الراسخين في "علوم القوم"المتضلعين في حبك الدسائس والمؤامرات-وسحقا لنفاة المؤامرة من أقوامنا الجهلة- إلى المغرور و"ذو الرأس الناشف "الروسي"بوتين"المتوقح والمتجاسرعلى الأسياد"–كما يصفه معظم السياسيين الغربيين"الفرانكو-جرمانو-أنغلوساكسون"

لأنه:

أولا"-أنفجار الطائرة الروسية على الأراشضي المصرية، ليس أول حدث تفجير طائرة في أزمنة الحرب الباردة-وخاصة مع بزوغ السبعينات-التي تمت بنفس المواصفات في البؤرالساخنة، وفي أماكن الصراع ما بين المعسكرين المتنافسين، –الذي إزداد اليوم توترا وإقترب من درجة الصفر–كماحدث في الستينات ما بين كندي– وخروتشوف –لأنه كما أشرت في مبحث سابق–أن الأزمنة تتغيروالرجال يَتبدلون أو يُستبدلون، والحكام يموتون أو"يُرَحّلون"أو يُغتالون–ومنهم من ينتظر-، والشعوب تستعمر، أوتدجن، -غير أن الجغرافيات-مثل الجبال الراسيات- ثابتة لا تزول، والصرا ع عليها –بكل الوسائل المتاحة-لن يتوقف إلى قيام الساعة–كما قال الجنر ال دوغول-وكما تعالجه (الجيو-سياسة) و( الجيو- عسكرية)، ولا مكان"للأدب" و"التثاقف"والشطارة"في هذا المجال.

وثانيا : لاشيء يمنع الغرب من الإلتجاء الى الطرق الملتوية في تحقيق أغراضه–وتاريخ الغرب القديم والحديث والمعاصر منذ إغريقيته إلى كولونياليته يثبت ذلك-

وثالثا : لا يمكن لأي متعبقر سياسي"أنشتانيني"في العالم أن يثبت –اليوم-التنبؤ بما سيحدث غدا إعتبارا بما قد حدث بالأمس   - سواء أن إصطدم الروس بالأمريكان بالمباشر او بالوكالة.

رابعا: السياسيون الغربيون يتخبطون اليوم ويدورن حول أنفسهم، ويجرون معهم في دوامة حيرتهم حلفاءهم الحياري والمغفلون،

خامسا: تبخرت كلمة "السياسة" التي كان الغرب يعرفها في أدبياته السياسية- منذ أرسطو مر ورا ب "ميكيافيللي" ووصولا إلى فلاسفة القرون الثلاثة: الثامن عشروالتاسع عشر، وبداية القرن العشرين، من "النفعيين" الأنغوساكسون، والبراغماتيين الأمريكيين-، وغادرت لعالم–وإلى غير رجعة- تلكم الأفكار الفلسفية الكبرى للقرن التاسع عشرالمؤصلة للأخلاقيات السياسية، وتعرى المشهد السياسي الواقعي الغربي على الأرض، عندما إرتطمت تلكم الأفكار"المثالية"بصخورالمقاومات للمشروع الغربي في كا فة أرجاء العالم، …وفأصبحنا اليوم لا نرى الأشياء بل ظلال الأشياء، ونرى طغيان التدليس والتلبيس فيسمونه الحقيقة، حتى أصبح مجرد قول الحق ثورة –كما قال "جورج أوريل"

وسنرى في الجزإ الثاني من هذا المبحث، فيما إذا تحققت وصية لاعب الشطرنج الروسي الأسطوري"غاري كاسباروف" للغرب في شأن زعزعةعدوه اللدود"بوتين"؟ عندما كتب في كتابه الجديد في شرح القواعد الجديدة (الجيو-ستراتيجية) في زعزعة " بوتين" :""أهاجم لأني أعرف أفضل ما يجب فعله–بالحركة المناسبة وفي التوقيت المناسب-"درس في"الجيو-ستراتيجية"من   غاري كاسباروفLa vie est une partie d’échecs "الحياة هي لعبة   الشطرنج "من كتاب  

 

د. الطيب بيتي

 

في المثقف اليوم