آراء

بَعْدَ مُرُور 15 سَنَة عَلَى إِعْلَان الحَرْب عَلَى اْلِإرْهَاب .. أَيُّ تَقْيِيِم؟

khalid  altajشكلت تفجيرات 11 سبتمبر2001 التي عرفتها مدينتي واشنطن ونيويورك الأمريكيتين حدثا فارقا في تاريخ العلاقات الدولية ليس فقط بالنظر إلى حجم الخسائر المادية والبشرية الهائلة وبالتأكيد المعنوية التي خلفتها تلك التفجيرات الإرهابية، ولكن لاعتبارها كأعمال غير مسبوقة من حيث النوع منذ هجوم بيرل هاربر الذي شنه سلاح الجو الإمبراطوري الياباني في 7 ديسمبر 1941، وهو ما أدّى بإدارة جورج والكر بوش لإعلان "الحرب على الإرهاب" وقسّم من خلالها العالم إلى قسمين أخيار وأشرار ، قسم موالي لأمريكا وقسم ضدها، كما كانت الأحداث الإرهابية الغير مسبوقة بمثابة فرصة لأن يبشر المحافظون الجدد ك بول والوفويتز وكوندوليزا رايس ودونالد رامسفيلد بميلاد شرق أوسط جديد وبنظرية الفوضى الخلّاقة، بالإضافة إلى نظرية صراع الحضارات التي بشّر بها كل من صامويل هانت ينكتون وفوكو ياما كما ترجمت تلك النظريات إلى واقع ملموس من خلال شن حرب شاملة على أفغانستان بحجة احتضانها لطالبان وتنظيم القاعدة المسؤولة عن أحداث واشنطن ونيويورك وتدمير كامل للعراق بدريعة حيازته لأسلحة الدمار الشامل. غير أن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو هل ساهمت بالفعل هذه الحرب المعلنة على "الإرهاب الإسلامي " إلى القضاء على الظاهرة باعتبارها كسلوك عنيف كما بشر بذلك المحافظون الجدد أم إلى تأجيجها وإعادة إنتاجها؟ وهل أصبح العالم أكثر أمنا وحرية وديمقراطية كما وعد بذلك جور بوش الابن؟

واقع الحال يشير إلى أن العالم قد دخل بالفعل إلى حالة من الفوضى والاحتقان الشديد، كما يشير إلى دخوله إلى منعطف خطير شبيه بالحلقة المفرغة أو النفق المسدود الذي لا يُعلم مخرجه في الوقت الذي غاب فيه صوت العقل والحكمة في التعاطي مع العديد من الملفات عبر العالم ولاسيما المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث كلفت الحرب على العراق أزيد من مليون ونصف قتيل بالإضافة إلى تدميره بشكل شبه كامل وتغذية الأحقاد الطائفية والإثنية التي تنذر بتقسيم البلاد إلى ثلاث كيانات، كما كلفت الولايات المتحدة تريليونات من الدولارات كخسائر مادية والتي لازالت ترخي بظلالها على الاقتصاد الأمريكي إلى حد الآن، ناهيك عن الخسائر البشرية والمعنوية.

لم تمنع إذن الحرب على الإرهاب كما فهمها جورج بوش الابن ومن خلفه المحافظون الجدد أو سجن غوانتانامو الذي شيدته الولايات المتحدة بالجزيرة الكوبية والمثير للجدل من وقوع أعمال إرهابية أخرى في العديد من المناطق حول العالم كتفجيرات مدريد سنة 2004 أو أحداث لندن في 7 يوليو 2005 أو أحداث شارلي إيبدو في 7 يناير 2015 أو سقوط طائرة الإيرباس الروسية فوق سماء سيناء يوم 31 أكتوبر 2015 والتي خلفت أزيد من 200 قتيل والتي تبناها تنظيم داعش الإرهابي وهجوم الضاحية الجنوبية ببيروت.

غير أن هجمات الجمعة الأسود بباريس يوم 13 نونبر2015 والذي تبناه نفس التنظيم ستشكل هي الأخرى حدثا فارقا بسبب دمويتها وتنظيمها المحكم وانتساب بعض مقترفيها إلى الجيل الثالث من المهاجرين أو من أصول أوروبية وتدريبهم القتالي العالي المستوى وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إلى اعتبار أن فرنسا تواجه هجوما حربيا الشيء الذي يعتبر مدعاةً لفرض حالة الطوارئ للتعاطي مع الأمر، كما تجدر الإشارة إلى أن سلسلة الأحداث الإرهابية الأخيرة والمتجسدة في أحداث باريس ومن قبلها سقوط الطائرة الروسية قد طغت على جدول أعمال اجتماع دول مجموعة العشرين الأكثر غنًا في العالم   G20 الذي نُظِّم بأنطاليا التركية مؤخرا على الرغم من طابعه الاقتصادي البحث ينضاف إلى ذلك حجم التضامن الدولي الواسع مع فرنسا والممزوج بالرعب من مخاطر هذا التنظيم وتهديده لسلامة الآمنين وللعديد من المنظومات الأمنية عبر العالم باسم الإسلام، الشيء الذي يؤشر على أن سلسلة الأحداث الأخيرة سيكون لها بدون أدنى شك تداعيات خطيرة على العديد من المستويات لا سيما الأمني والاقتصادي منها، غير أن الثمن الباهض ستدفعه بالتأكيد الجاليات المسلمة بأوروبا والنازحون من حروب الشرق الأوسط الذين فروا من ويلات الحروب الأهلية والتفجيرات الإرهابية المماثلة التي تحدث بشكل شبه يومي في كل من سوريا والعراق أي المعقل الأصلي لتنظيم الدولة الإسلامية، والرابح الأكبر في هذه المعادلة هو الفكر المتطرف الذي يجد في عوامل الظلم الذي يتعرض له الكثير من المسلمين عبر العالم سواء في فلسطين أو بورما أو الشيشان أو سوريا أو العراق وعوامل الإقصاء والتهميش والبطالة وغياب التنمية والديمقراطية مجالا خصبا لنشر الفكر المتطرف ولاستقطاب وتجنيد المزيد من المنخرطين في صفوفه، ويقابله في نفس الوقت استفادة أحزاب اليمين المتطرف والنازيين الجدد وقوى التعصب بالعديد من الدول الأوربية من هذه الأحداث المؤسفة.

إن أحداث باريس الإجرامية الأخيرة تدلل بشكل واضح على أن معالجة الظاهرة الإرهابية تتجاوز بكثير البعد الأمني على الرغم من أهميته ولا أدل على ذلك حرب أمريكا على التنظيمات المتطرفة لأكثر من عقد ونصف من الزمن دون أن يكون لحربها أي أثر ملموس على أرض الواقع في الحد من الظاهرة وهو ما حدى بإدارة الرئيس باراك أوباما إلى التحفظ من الانخراط المباشر في حروب الشرق الأوسط وتغيير الاستراتيجيات الأمنية والأولويات، إذ لابد من تجاوز الطابع الانفعالي والنظر إلى الموضوع في شموليته ومن كافة زواياه ومعالجة الظاهرة من جذورها، حيث ثبت بالملموس أن العنف لا يولد إلّا العنف والمزيد من المآسي المولدة لمزيد من اليأس والإحباط التي بدأت تلقي بحممها على العديد من المناطق حول العالم بما فيها أزمة النازحين وتصدير الإرهاب والعنف إلى أوربا، كما أن الغارات الجوية أو الهجومات الصاروخية لا تفكك تنظيم إرهابي دي بنية عسكرية ويتبنى حرب العصابات واستراتيجية الترويع والعبوات الناسفة بل تزيد من عوامل تقويته وتمدده على الأرض.

إن الدول العظمى وكاستراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب الدولي ولاسيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي مطالبين وأكثر من أي وقت مضى بالعمل بما تقتضيه المسؤولية القانونية والأخلاقية الملقاة على عاتقهم منذ مؤتمر يالطا سنة 1945 بتجاوز النظرة البراغماتية والأنانية وبإيجاد حل نهائي للنزاعات الدولية التي طال أمدها والتي تعتبر مفرزا للمزيد من الاحتقان وتعقيد الوضع الأمني وانتشار بؤر التوتر والإرهاب الدولي الذي يملأ الفراغات التي تخلفها الدول الفاشلة ولاسيما نزاعات الشرق الأوسط والذي لم تعد مخاطره تستثني أيًّا كان بما فيها الدول العظمى نفسها، كالقضية الفلسطينية والعمل على إيجاد حل نهائي للحرب الأهلية السورية التي قاربت الخمس سنوات وإعادة تصويب الوضع في العراق ومعالجة الأزمة اليمنية وإعادة المسار الديمقراطي إلى مصر وتحقيق تطلعات شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية باعتبارها قيم إنسانية وكونية ليست حكرا على شعوب بعينها.

 

خالد التاج

في المثقف اليوم