آراء

الفتنة بين العرب والكرد من المسؤول عنها حقاً وإلى أين تسير؟

saieb khalilعلى هامش احتلال البيشمركة لسنجار والتصريحات المهينة المعتادة لمسعود البرزاني لكل منبطحي بغداد والحكومة التي جاءت بها كردستان وأميركا غصبا عن كل العرب وحملتها بمهمتين لتحطيم البلاد اقتصاديا وعسكرياً، وعلى هامش الاعتداءات على تركمان طوزخورماتو وما نتج عن كل ذلك من تصريحات وتهديدات من قادة الحشد الشعبي وتبع ذلك من إحراق متعدد للعلم العراقي في كردستان في أماكن عامة يتجمهر فيها الناس ورد الفعل العربي المقابل بإهانة العلم الكردي، ظهرت على الفيسبوك، موجة من الدعوات التي تتراوح بين الدعوة لنبذ الخلافات والتهديد بالحذف من الصفحات والتهجم على كل من يثير العداء تجاه "الشعب الكردي". وطبيعي ليس لنا أية مشاعر سلبية تجاه الشعب الكردي سوى العتب على كل هذا الصمت عن كل ذلك الاعتداء الكردستاني على العراق وعلى كل تلك الإهانات التي ابتلعها منبطحو الخضراء الواحد تلو الآخر وممروا السرقات بعشرات المليارات كما كشفت الأرقام الرسمية لأنهم فهموا أنها شرط بقائهم على الكرسي، رغم ان البعض منهم اكتشف أخيرا أنه خدع. فوراء كردستان هناك أميركا، وأكثر من ذلك هناك إسرائيل، ويبدو لي أن قادة العراق فهموا أن لإسرائيل من القول فيمن يبقى على الكرسي في العراق أكبر مما للشعب العراقي. ونستطيع ان نرى ذلك من خلال الصمت على بيع النفط المسروق من قبل كردستان إلى إسرائيل من صاحب أي كرسي سابق أو حاضر أو طامح للكرسي مستقبلا، وكأن وجود النفط العراقي في إسرائيل ليس عاراً بل ليس موضوعاً يستحق الانتباه، لا من بطل الإصلاح الحالي ولا من مختار العصر قبله.

الدعوات الطيبة لـ "نبذ الفتنة" تستند إلى خطأ جوهري وأساسي لا تكفي طبيتها لتجاوزه، وهو أن العلاقة بين العراق وكردستان علاقة مختلة إلى ابعد الحدود، وأن شيئا يجب أن يتخذ لإصلاحها أو قطعها، وبشكل عاجل لأنها صارت تمثل الخطر الأكبر لوجود الشعب العراقي ذاته، ورغم الطيبة التي لا يستطيع أن ينكرها أحد للشعب الكردي. وهذا ليس غريبا، فأنا لم أر شعبا أطيب من الشعب الأمريكي، ولا أكثر خطرا من حكومته على البشرية كلها.

إذن الدعوة لنبذ الفتنة مرحب بها، شرط ألا تكون حجة لإبقاء الخلل ولحمايته ولمهاجمة وتشويه سمعة من يحاول تعديله! اليس كذلك؟ لقد بقي العراق تحت حكم المنبطحين لمدة 12 عاماً لا ينبسون بكلمة عن تلك العلاقة المختلة، واليوم جاء من يقول لكردستان: قفي! فاستشاطت كردستان غضباً وسرعان ما انطلقت حملات "نبذ الفتنة". إننا نرى أن هدف من أطلق تلك الحملات قد لا يكون سوى إدامة علاقة الخلل الشديد والخطر بين كردستان وبغداد، حتى وإن كان الكثيرين ممن تبنى الحملة إنما يفعل ذلك بحسن نية وانطلاقا من مواقف إنسانية. إن من ينطلق من المواقف الإنسانية يجب أن يميز نفسه باشتراط ربط حملته بالاعتراف بخلل العلاقة بين المركز وكردستان وبدعم صريح لتعديلها، وإلا فما الأمر لنبذ فتنة، بل لتثبيت هيمنة وظلم.

فهل تنبذ الفتنة حين يتذكر العربي أن كردستان توسعت وصارت مساحتها ثلاثة اضعاف ما كانت عليه في عام 2003 واستولت على سهل نينوى ومناطق من مختلف المحافظات التي حولها وبخاصة المناطق ذات الثروة الطبيعية دون ان يعترض عليها أحد؟ وأن كل ذلك تم بقوة السلاح وبدون أية مناقشة لوضع الأراضي بعد الإحتلال؟ وأن احتلال كركوك والإستيلاء على نفطها وعلى أسلحة الجيش العراقي تم بقوة السلاح وبالتعاون الواضح مع داعش؟ وأن نفط كركوك يصدر اليوم كجزء من نفط كردستان حتى في الإتفاقية المشينة التي عقدها السافل الذي جاءوا به إلى الحكم ووضع لهم أسوأ خلق الله وزيرا على النفط ليوقع لهم على جميع مطالبهم بلا أي اعتراض أو مناقشة، وحسب اعتراف ساستهم نفسهم؟ وماذا عن التقارير الرسمية الدولية العديدة التي تؤكد أن داعش تبيع نفط المناطق المحتلة من خلال كردستان؟ وماذا عن أسلحة الجيش العراقي التي تم الاستيلاء عليها قبل الاحتلال وبعده؟ وماذا عن النسبة الظالمة بـ 17% والتي فرضت برشوة أياد علاوي لشعب لم يصل أكثر من 11% وحتى إحصاء برلمانه يقر صراحة أنه 12,6%؟ وكيف ازدادت تلك النسبة مع السنوات لتضاف إليها مبالغ طائلة بحجج مختلفة؟ لماذا تبلغ نسبة موظفي كردستان 23%؟ لماذا يحصل كردستان على 40% من قيم القروض؟ لماذا أصلا الاشتراك بقروض طويلة الأمد وكردستان تهدد بالانفصال كل يوم؟ ماذا عن 42 مليار دولار رسمية تم تسليمها لكردستان خلال سنوات الحكم العجاف لكل من مختار العصر وهذا الأكثر انبطاحا منه؟ هذا إضافة إلى عار لم يسبق للعراق أن شهده، وهو ان يكون ثلاثة ارباع نفط إسرائيل مجهز من النفط العراقي!

طبيعي أن الابتزاز لا يقتصر على هذا، وأن خلل العلاقة مع كردستان بحاجة إلى مئات الصفحات لكي نلم بتفاصيله المعروفة منها فقط، والتي تكشف خللا شديدا وخطرا، وأن هناك الأعظم مما خفي. لكن لندع ذلك المخفي ولندع التفاصيل (من يريد الاطلاع على المزيد ليقرأ هنا:

https://www.facebook.com/StopKRAbuseIraq/)

وعلاقة كردستان ليست ابتزازية فقط بل خطرة أيضاً. ويتمثل ذلك في استقبال كردستان ليس فقط كل الإرهابيين والهاربين من العدالة من العراق، وإنما كل أعداء الشعب العربي من الشخصيات اللبنانية المدانة بجرائم القتل وصولا إلى المتآمر الصهيوني برنارد هنري ليفي، المسؤول عن تدمير ليبيا وسوريا وأوكرانيا بشكل مباشر! إنه يصرح لموقع الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه كان في "شنكال"، ويصف الموقع هذا المجرم الخطير بأنه "الفيلسوف والأكاديمي".(1) فهل هذا كله مقبول في رأيكم، وأن احداً يجب ألا يفتح فمه لكيلا يثير "الفتنة"؟

دعوني اصارحكم أيها الأخوة ولا تزعلوا: ان الخلل الأساسي ليس في كردستان ولا في علاقتها مع بغداد بل في داخل رؤوسنا ونفوسنا. وإن إحساساً عميقا بأن حقوقنا يمكن ان تهدر دون ان تثير مشكلة وان آلامنا أقل قيمة من آلام غيرنا.

دعوني أعود للهجمات التي حدثت في باريس، ولأفترض للحظة أن القصة الرسمية للأحداث قصة صحيحة، ولنناقش ردود الأفعال التي اتخذها الكثير من المثقفين العرب تجاهها من تضامن واستنكار شديد وتعاطف إنساني مع الضحايا، هو الآخر لم يكن تعاطفاً إنسانياً خالصاً في معظم الأحوال.

لقد كتبت معلقاً:

"يمكنك كمسؤول ان تقدم تعازيك الحارة لباريس في مصابها، شرط أن تتأكد أولا أن باريس قدمت تعازيها لبلدك في مصائبه. ويمكنك كإنسان ان ترى في تفجيرات باريس "هجوما على الإنسانية"، شرط أن تكون قد قلت ذلك قبلاً عن كل التفجيرات في مختلف أنحاء العالم. ويمكنك كعربي أن تلف وجهك بالعلم الفرنسي تضامنا مع الضحايا الفرنسيين، شرط ان تكون قد لففته قبلا بالعلم العراقي والسوري واليمني والفلسطيني واللبناني و..و..و.....وإلا فأن عملك لا يعد دبلوماسية ولا إنسانية ولا تضامناً، بل تذللا وإهانة لإنسانية الآخرين وإحساس بالدونية!..."

وهنا أيضاً ينطبق نفس الأمر. الخلل في رؤوسنا في قبول المعاملة بالدونية. الفرنسيون والبريطانيون والأمريكان ليسوا بحاجة إلى مثل منشوري ذاك فهم يفعلونها بشكل طبيعي ولا يحتاجون من ينبههم الى ذلك. لكننا لخللنا نحتاج من ينبهنا.

والحقيقة أنك تعرف ايضاً كل ما ذكرت هنا من ابتزازات كردستانية ومن تعريض للبلد للخطر، لكنك تنسى حتى تعيد قراءتها مرة ثانية، ثم تنسى حتى تعاد عليك مرة أخرى وأخرى.. فلماذا وكيف ينسى إنسان أمور بكل هذه الأهمية والخطورة بالنسبة له؟ لأنه لا يعطي مصالحه ومستقبله أهمية حقاً، وإلا لما نساه! نحن يا صديقي قد عشنا تحت الإذلال طويلا، وليس فقط ما بعد 2003 بالتأكيد، وقد ترك هذا الإذلال أثره، فهناك خلل يجب إصلاحه. وقد استفاد البعض من هذا الخلل ليبتزنا به ويوصل هذه العلاقة المريضة إلى هذا المستوى الخطير.

إن العلاقة المختلة لا بد أن تلد فتنة، عاجلا أم آجلا. وكلما ازداد عمق الخلل زاد عمق الفتنة وصعب حلها، ولولا المنبطحين من أجل كراسيهم حتى النهاية لما وصل الخلل إلى هذا العمق ولما تهدد البلد بفتنة عسيرة وخطرة. واليوم مازال الخلل في تصاعد مستمر وهو لا يسمح بأية علاقة سليمة بين الشعبين بل أن هناك مؤشرات إلى احتلالات إضافية قريبة سنتحدث عنها في مقالة أخرى. أما الآن فنقول أن إصلاح الخلل يجب أن يسبق علاقة الأخوة ليكون أساساً لها، وإلا فأن من يخلق العلاقة المريضة ومن يدافع عنها حتى ولو بحجة درء الفتنة، ومن يصلحها حقا هو من يقوم بوقف تدهورها، كما يفعل عصائب اهل الحق اليوم وليس من يريد طمطمة الخطأ. وهذا ليس كلام لا أساس له، بل يمكننا أن نرى تطبيقه فوراً. فلأول مرة نرى مسؤولاً كردياً يتكلم ببعض احترام عن جهة في بغداد وبدون عنجهية قبيحة من تلك التي تعود قادة الانبطاح أن يبتلعونها بصمت. هاهم قادة كردستان يتكلمون عن علاقة سليمة لأول مرة حين يكون الطرفين في اصطدام(2)

لكنها ليست سوى بداية قد توفق أو تفشل، لإجراء إصلاح عميق وطويل في تلك العلاقة المريضة، إن كان مازال هناك ما يمكن إصلاحه فيها. فمن يخلق الفتنة هو من يترك الخطأ ينمو ويصبح أعسر علاجاً، لا العكس!

 

صائب خليل

.....................

(1) http://www.kdp.info/a/d.aspx?l=14&a=85677

(2) https://www.facebook.com/100007954500250/videos/vb.100007954500250/1555094674765668/?type=2&theater

في المثقف اليوم