آراء

أردوغان والطائرة الروسية - خطورة أن يكون رأس البلاد عميلا

saieb khalilالعملاء في تعريفي ليسوا بالضرورة من يستلم الأموال مقابل خدماته وإنما من يستلم أي شيء، كأن يكون السلطة أو المال، مقابل تلك الخدمة المضادة لمصالح بلاده. وهنا قد يختلط علينا العميل والسياسي الذي يداري القوي دون ارتباط أو التزام بأجندته. هناك منطقة رمادية بلا شك، لكن عندما تكون التضحية بمصالح البلاد واضحة، يمكننا أن نطلق اسم "العميل" دون قلق.

أردوغان بالنسبة لي من الشخصيات التي لا يمكن ان تكون إلا عميلة لأميركا وإسرائيل، بعد موقفه من سوريا. فالحجج بحماية الشعب السوري والديمقراطية لا يمكن أن تصل إلى حد إشعال الرئيس الحرب مع بلد آخر من أجلها، مهما كان هذا الرئيس مهووسا بالديمقراطية وبحب شعب جيرانه، دع عنك أن ينتظر من داعش او لواحقها تأسيس الديمقراطية في البلد الذي يسهم بتدميره. وقد خسرت تركيا بسبب موقفه من سوريا خسارة اقتصادية ليست قليلة حيث كانت السوق السورية مفتوحة للبضاعة التركية، إضافة إلى الكلفة العسكرية والأمنية والمستقبلية.

صعب للغاية دفع رئيس دولة ما أو حكومة ما أن يكون عميلاً، لأنه من الصعب ان تقدم لمثل هذا الشخص، مهما كانت اخلاقه، ثمنا لتلك العمالة يستحق المخاطرة، فهو يملك ما يكفي وزيادة. لكن من الممكن جدا ان تجند مرشحين للرئاسة بعد اختراق احزابهم، وتدعمهم للوصول إليها، وأتصور أن أردوغان قد مر بهذا الطريق، وكذلك هولاند (الذي تمت إزاحة المرشح الأول بفضيحة مفتعلة ليفسح المجال له) وبلير، فهم جميعا لا يتصرفون حسب مصلحة بلادهم بأي تعريف كان لتلك المصلحة، لكنهم يراعون المصالح الأمريكية بشكل لا يدع مجال للشك في استحقاقهم لتلك الكلمة.

في الماضي كان المطلوب من العميل أن يضحي بمصالح البلد الاقتصادية ومستقبل شعبه، كما هو الحال مع حكام الخليج (إغراق السوق بالنفط وتحمل الخسارة) او نوري السعيد او بينوشيت وغيرهم، لصالح الشركات الأجنبية والأثرياء. لكن المطلوب من عميل اليوم أكبر بكثير ليشمل حد تعريض بلدانهم للخطر! فلا يمكن لأحد ان يقنعني بأن حركة أردوغان بضرب الطائرة الروسية من عندياته، وأنها ليست أوامر مباشرة. فعدا خسارة العديد من المشاريع الاقتصادية الكبيرة من انابيب نفط وغاز ومفاعلات وتبادل تجاري يصل 40 مليار دولار، وعدا احتمالات ان تدعم روسيا بقوة، اية حركة كردية مضادة لتركيا، والعلاقة مع أرمينيا وغيرها، فهناك خطر لا يستهان به من رد الروس بضربة مباشرة. وإن تطورت الأمور وخرجت عن السيطرة، فقد تنتهي بقنبلة ذرية على انقرة! لذلك فلا يمكن لرئيس دولة مثل تركيا أن يفعل من ذاته ما فعل أردوغان مهما كان احمقاً!

قبل بضعة سنوات هاجمت القوات الجورجية، القوات الروسية على الحدود، فأعاد بوتين الضربة بضربة حاسمة افقدت جورجيا مقاطعتين من مقاطعاتها "المسلوخة" من روسيا، هما أبخازيا وأوسيتا الجنوبية! وطبيعي انه لم يكن لجورجيا في اعتدائها أي فائدة ترتجى أو أي هدف، فلا مفر من أنه جاء بتخطيط من الخارج غصبا عن جورجيا ومصالحها، فخسرت ما خسرت! في وقتها كان وزير الدفاع الجورجي يحمل الجنسية الإسرائيلية!!

والحقيقة اننا لا نحتاج أن ننظر بعيدا لنجد الأمثلة على هذا الموضوع، فوجود العبادي على رأس السلطة هو السبب المباشر في بقاء داعش على الأرض العراقية اليوم. لقد حماها وأمن لها الانسحاب من تكريت، وهاهو اليوم يحميها من الضربات الروسية رغم الضغط الشعبي والسياسي الشديد. فلم يعد هناك عراقيين حسب تقديري لا يؤمنون ان داعش أمريكية إسرائيلية وان الوجود الأمريكي في العراق لغرض حمايتها وليس العكس، وحتى العبادي وفالح الفياض مقتنعين بذلك تماما. لكنه يعرض مستقبل العراق كله للخطر الإرهابي الإسرائيلي وهو يعلم مدى ما يعني ذلك من دمار تام لكل شيء. وإن لم تكف حماية داعش فأن العبادي قد جاء بمشروع الحرس الوطني، وهو مشروع إسرائيلي بحت وواضح الهدف تماماً!

أميركا تطالب عملاءها بأن يعرضوا بلدانهم للخطر في سبيل اجندتها، وأن يجعلوا من بلدانهم مصدات ضربات وهراوات اعتداء تحطم خصومها حتى لو تحطمت تلك البلدان معها! ولقد برهن الحشد أن داعش لم تكن جبارة، وبالتالي فأن مشكلة العراق والخطر الأكبر عليه، ليس أبو بكر البغدادي، بل حيدر العبادي نفسه! إن الأذى والخطر الذي يعرض العبادي العراق له بوجوده على قمة السلطة (أو من سيقوم بدور العبادي مستقبلا)، لا حدود له، ويتعدى كثيرا التحطيم الاقتصادي المعتاد، والجاري ايضاً على قدم وساق في حكومة العبادي.

حكومتا العبادي وأردوغان مثالان ناصعان على خطورة إبقاء عملاء اميركا وإسرائيل على رأس السلطة في أي بلد، مثلما كانت حكومة جورجيا التي خسرت أراضيها. فيجب على الشعب أن يعي الخطر الشديد لعملاء القمة، ويعلم أنهم لن يستطيعوا ان يرفضوا لسيدهم أبشع المهمات وهم في بحث مستمر عن طرق لتنفيذها، وإن هم هدأوا برهة، فهم لا يفعلون ذلك إلا كما يتكيس الفيروس في انتظار الجو المناسب لأوامر الضرب. نحن في سباق مع الزمن ويجب أن يزاح كل من يتعلق بأميركا وإسرائيل أو له علاقة مشبوهة بأذنابهما قبل فوات الأوان!

 

صائب خليل

 

في المثقف اليوم