آراء

داعش أو الابن الشرعي لوضعنا

alarabi benhamadiاثبتت الوقائع والاحداث ان القوى الاقليمية والدولية قد لعبت دورا كبيرا في الصعود الكاسح لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وذلك لاعتبارات جيو إستراتيجية تطغى عليها مصالح الدول، فمشروع الشرق الاوسط الكبير القديم المتجدد الذي أحياه جورج بوش الابن على اثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تلاها الغزو الوحشي للعراق ما هو الا مشروع سايكس – بيكو جديد لتقسيم المقسم الذي بدات تظهر بوادره في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن بفضل الدور الذي أنيط بداعش كرأس حربة لتفتيت الدول العربية التي تمثل خطرا محتملا على اسرائيل، وهو امر يطرح اكثر من سؤال حول الدور المناط بهذا التنظيم الذي اكتوت بناره، يا للصدفة، الدول العربية دون غيرها.

ورغم ذلك فالادعاء بان داعش هو صناعة امريكية صرفة هو امر لا يستقيم ويدل عن سوء نية او جهل او الاثنين معا. فنحن العرب، دأبنا منذ عقود على تحميل الاخر (الاستعمار واسرائيل) سبب تخلفنا وكل ما يحل بنا من محن ويصيبنا من فشل، فنظرية المؤامرة الخارجية تجري في عروقنا و مسائلة النفس ليست من تقاليدنا.

ان التنظيم الارهابي ومشتقاته قد نشأ وترعرع في بيئة عربية اسلامية او انخرط فيه مواطنون معظمهم من اصول عربية واسلامية يقيمون في دول اجنبية ما يدحض الادعاء بان داعش مولود امريكي دما ولحما، لكن هذا لم يمنع رئيس احد الصحف التونسية ذات التوجه الاسلامي والقريبة من السعودية ان يكتب على اثر احداث باريس الارهابي : <الارهاب وداعش بما هي آخر واقوى تمظهرات الفكر الواحد والرأي الواحد هي آخر منتجات الحضارة الغربية وعملية تحديثها المغشوشة>، كما ذهب آخر الى اعتبار المنحدرين من عائلات مسيحية والمنظمين لداعش هم الاكثر شراسة وشدة من غيرهم، كما تثار حملة كلما وقعت احداث ارهابية منسوبة لمسلمين متطرفين، تنطلق على شكل حملة دعائية مكثفة تظهر ما يتعرض له المسلمين من اضطهاد يصل حد الحرق في كامل انحاء المعمورة مع التركيز على برمة وسوريا. الا يعتبر تغيير الوجهة هذا تبرير للارهاب والتستر عليه وحتى تبييضه؟ اليس اكثر ضحايا الارهاب المتدثر بالاسلام هم من المسلمين؟ اليس الافضل التنديد بالارهاب الذي لا دين له بكل قوة ووضوح مهما كانت الاطراف التي تقف وراءه؟ آلم يقال ان داعش لا علاقة له بالاسلام وانه لا يلزم الا انفسه؟ فما الداعي للتحرج من التنديد بما تاتيه التنظيمات الاسلامية الارهابية المتطرفة؟

فالحضارة العربية الاسلامية ثمنت واستفادت من الحضارات التي سبقتها كما انها لم تبخل عن الحضارات اللاحقة سخاء واشعاعا ، فهي حضارة منفتحة اخذا وعطاء ما لا يبرر انغلاق البعض وتعصبهم وما يفند امكانية الخلط بين الاسلام والارهاب .

ان داعش هي الابن الشرعي لوضعنا، فانظمة الحكم العربية قد فشلت فشلا مروعا في تحديث مجتمعاتها باعتمادها سياسات اقتصادية خرقاء ينخرها الفساد والبيروقراطية، و تبنيها مناهج تعليمية مسقطة وعقيمة الامر الذي افرز خرجين بلا عمل وأميين بلا امل، التقتتهم قنوات التتفيه والتكفير ووسائل الاتصال المدعومة بالبترودولار، وكما قال خبير كوري فان الشرق الاوسط اهمل التعليم والآن يدفع الثمن، فلا تستغرب ان التقيت بدكتور جامعي متخرج من كهوف الجامعات العربية يحدثك عن النصارى والكفار والشيعة الأنجاس، فالصراع اخذ طابعا مذهبيا وعشائريا مدمرا بعد ان كان صراعا بين علمانيين واسلاميين افتعلته اوساط متخلفة للتفتين والتفتيت وتابيد التخلف خدمة لمصالح متخلفة.

والواقع انه لم تفاجئني ما آلت له أوضاعنا، فلقد كنت أصرح في الجهر والعلن، سواء قبل الثورة اوبعدها، ان شبابنا هو عبارة عن قنابل موقوتة قابلة للانفجار في اي وقت، ادركت ذلك من خلال ما عاينته من ضياع وتيه لشبابنا المدرسي وغير المدرسي عندما كنت مدرسا بالمعاهد الثانوية بالعاصمة التونسية الكبرى. وبالفعل فلقد انفجرت تلك القنابل بعد ان يئس الشباب من ثورات الربيع العربي بعد آمل لم يتحقق وانقلبت احلامه الى كابوس بعد ان وجد نفسه خارج الحياة العامة بعد وقود الثورة.

فالارهاب هو الابن الشرعي لوضعنا الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي الهش والذي افرز شبابا هشا ومهمشا ومأزوما يبحث عن نفسه ولا يجدها في مجتمعات تعيش خارج الفعل والتاريخ، وبالتالي فعلاج الظاهرة الارهابية لن ينجح في غياب المقاربات الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية (تجديد الخطاب الديني) ودون ان تتحمل النخب مسؤولياتها وتنزل من برجها العاجي وتترفع عن خدمة مصالحها .

 

العربي بنحمادي

تونس

 

في المثقف اليوم