آراء

كفانا تظاهرا ضد ذيول الأفعى.. لنتوجه إلى السفارة!

saieb khalilتتسارع الأحداث بشكل غير طبيعي منذ بدء الحملة الروسية على داعش، ويتوالى كشف المعلومات بشكل يهدد بانفجار فقاعة كبيرة من الأكاذيب، وعندما تنفجر الأكاذيب الكبيرة فأن لذلك نتائج حاسمة جداً على الصراع في المنطقة.

تعود بداية التسارع إلى المؤامرة التي نفذتها أميركا بأداتها الرئيسية في العراق – كردستان، بالتنصيب المباشر لحيدر العبادي على السلطة في العراق. وكانت هذه مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، حيث أن حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كانت قد قدمت لكل من أميركا والكرد من التنازلات ما لم نكن نستطيع أن نتخيل أن أحداً يمكن ان يقدم لهما ما يزيد عنها، بما فيها من نتائج مدمرة على البلاد.

ويبدو أننا كنا مخطئين وأن هناك ما هو أكثر وأخطر، وكان المالكي يعارضه أو يماطله، وأن صبر الولايات المتحدة وإسرائيل عليه كان قد نفد، وقرروا أخيرا أن ما تتطلبه أجندتهم المدمرة لن ينفذه إلا شخص لا يقول لهم "لا" ابداً، فكان العبادي، المعروف بين زملائه بالبلاهة وبالطموح إلى المنصب. جاء العبادي بمؤامرة واضحة تعاون فيها المحسوبين على أميركا مع من كان منزعجاً من سلطة المالكي المتزايدة الفردية، وقد كشفت لقاءات السيدة حنان الفتلاوي تفاصيل تلك المؤامرة، مثلما كشفها التهديد الأمريكي للعراقيين بعدم دعمهم في الحرب على الإرهاب إن هم رفضوا العبادي (أسموها "المصالحة" طبعاً).

كان العبادي ضروريا لخطتي الدفاع الهجوم للأجندة الإسرائيلية على العراق والمنطقة. ففي العراق، كان الزحف الإسرائيلي المسمى داعش قد احتل الموصل مستفيداً من مجموعة ضباط كان قد تم وضعهم على الرؤوس الحساسة في الجيش، قاموا "بواجبهم" بتسليم المحافظة مع أسلحة الجيش إلى داعش، وقام المالكي بإنقاذهم من الإعدام. وقبل ذلك حرص هؤلاء وغيرهم على تحضير سكان المدينة لقبول داعش من خلال إثارة عداء الناس للجيش والحكومة بطريقة معاملتهم. هذا الهجوم الإسرائيلي على البلاد أثار رد فعل وطني وديني انبثق عنه الحشد الشعبي. ولم يكن الحشد قوة عسكرية عظيمة بحد ذاته، لكن مشكلة أميركا وداعشها معه أن قادته لم يكونوا قد نصبوا من خلال المشورة الأمريكية، ولا كذلك كان المستشارين العسكريين الإيرانيين الذين وقفوا معه. فكان الحشد ورقة غير محسوبة في الخطة الأمريكية، تتطلب العمل السريع لإنقاذ داعش التي بدأت تعاني لأول مرة وتتراجع وتنكشف حقيقتها.

من جهة أخرى كان المخطط الأمريكي الإسرائيلي للمنطقة وللعالم يتضمن هجوما اقتصاديا وعسكريا على روسيا وعلى العراق إضافة إلى سوريا وإيران، بأمل إسقاط بوتين من جهة، وتحطيم كل من سوريا والعراق ووضع الثروات العراقية تحت الإشراف الأمريكي الإسرائيلي وفق معادلات "القاتل الاقتصادي" من الجهة الأخرى. وقد كان لإيران نصيب كبير من هذا المخطط، لكن تم التخفيف منه بعد وصول حكومة تجار البازار التي يقودها روحاني، مما أعطى الأمريكان فرصة التركيز على بقية الضحايا. وكان الهجوم الاقتصادي يتمثل بتخفيض كبير في أسعار النفط، تقوده السعودية كما فعلت مرارا في الماضي في تنفيذ الخطط الأميركية في تحطيم السوفيت أو إغراء صدام بدخول الكويت.

لكن السعودية كانت تضخ النفط بمستويات قريبة جدا من طاقتها القصوى وقد لا تنجح لوحدها في خفض أسعار النفط إن تعاونت أوبك ضدها. لذلك كان من المهم أن يشارك العراق في هذه المؤامرة الأمريكية على نفسه وعلى روسيا، وخير من يملك الامريكان لهذه المهمة التي لا تحتاج موهبة غير انعدام الضمير التام، هو عادل عبد المهدي وهوشيار زيباري تحت رئاسة شخص يكتفي بالصمت والتوقيع. ونشر عادل عبد المهدي خططه من اجل زيادة جنونية في (ما يسمى) الإنتاج، تكفي لتحطيم النفط ودوله تماماً، وصرح بأنه يقف مع السعودية في خطة خفض الأسعار المتعمدة! لكن كان عليه ان يبدأ بتوقيع اتفاقات مع كردستان تضخ إليها المزيد من الأموال العراقية بلا أية مبررات (لم يجدوا سوى "كسب الثقة" مبرراً لتقديم مقدمة بمليار دولار لم يكن لها أي معنى).

في هذه الأثناء كان الشهرستاني قد تراجع عن خططه بإيصال ضخ (ولا أقول إنتاج) النفط إلى مستويات مجنونة كما كانت الخطة الأصلية. ولم يتمكن حتى من إيصال الضخ إلى المستوى المخفض هذا، بسبب البنية التحتية المحطمة للمنشآت النفطية في العراق. وكان الهجوم الأول على الشهرستاني من قبل عادل عبد المهدي ورئيس لجنة الطاقة البرلمانية عدنان الجنابي يتركز على هذا التراجع، الذي حدد مستوى نجاح خطة إغراق سوق النفط. تمكنت السعودية بحجة محاربة "البترول الصخري" أن ترفع "إنتاجها" لتخفض أسعار النفط إلى أقل من الثلث!

وفي الوقت الذي صمدت فيه روسيا بقيادة بوتين للضربة الاقتصادية، فإن العراق بقيادة من عينهم الأمريكان لقيادته والمشاركين في المؤامرة عليه، يواجه مصيرا اقتصاديا مظلماً. وعدا خطة إغراق السوق بالنفط، بدأت حملة إعلامية غير طبيعية للهجوم على عقود النفط السابقة التي وقعها الشهرستاني مع الشركات العالمية والمسماة بجولات التراخيص. ورغم أن عقود التراخيص لم تكن مثالية للعراق، لكنها كانت من أفضل ما انجز العراق اقتصاديا، ومما لا شك فيه أن الحملة لم تكن تهدف لتعديل نقاط الضعف في تلك العقود، بل بغية تغييرها إلى الأسوأ: إلى أشكال مشابهة لعقود كردستان الفاسدة، وبشكل يضمن امتصاص المزيد من ثروة العراق ورهن اقتصاده. وبدأت الحملة لتحطيم تلك العقود بتحريك وزير النفط الحالي عبد المهدي، مع رئيس لجنة الطاقة في البرلمان العراقي عدنان الجنابي، وشارك فيها بعض الخبراء الاقتصاديين ثم انضم إلى المجموعة سياسيين وبرلمانين وإعلاميين ليس لهم أية علاقة بالنفط. وقد نجحت الحملة الإعلامية إلى درجة أنها اغرت العديد من العراقيين الشرفاء من كتاب وساسة بالمشاركة فيها دون وعي لأهدافها، ودون ان يتساءلوا عن ماهية التغييرات التي يطبل لها قادة تلك الحملة. وإمعانا في التشويش وإثارة الناس، انتشرت في الإعلام ارقام غريبة عن كلفة برميل النفط، تصل إلى 20 دولاراً مستندين إلى أحاييل في حسابات الكلفة!

وقد أدى تصدي بعض خبراء النفط، وفي مقدمتهم الأستاذ فؤاد الأمير، للأكاذيب التي حاول الوزير عبد المهدي وعدنان الجنابي نشرها حول الموضوع والمبالغات الشديدة التي روجا لها، إلى عرقلة الخطة واضطر كل منهما إلى الاعتذار وإعادة توضيح مقاصده وتعديل ارقامه والتأكيد أنه لا يسعى إلى توقيع عقود "شراكة" بل أنه من المناهضين لها! واضطر الوزير الذي جيء به لهذه المهمة إلى التريث في خطته بعد أن فضحنا أهدافه في إعادة العراق إلى ما قبل ثورة تموز، في العلاقة مع شركات النفط، وذلك في مقالة لنا مخصصة تستند إلى تصريحاته.

ومن ناحية أخرى، أدى الكشف عن النوايا الخبيثة لهذه المؤامرة، ووجود الحشد الشعبي إلى تحييد وتأجيل المشروع الأخطر على العراق، والذي جاء العبادي محملا به كجزء من ثمن كرسيه وهو – الحرس الوطني، والذي يهدف إلى تحطيم العراق عسكريا وبشكل مباشر إلى محافظات مستقلة بجيوشها. وبعد تهديدات سقط المشروع في مجلس النواب، واضطرت أميركا إلى تأجيله في انتظار فرصة أفضل.

في هذه الأثناء حاولت أميركا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فرقها الإرهابية وانجازاتها على الأرض، بالضغط على حكومتها في بغداد لمنع الحشد قدر الإمكان وتأجيل اقتحام تكريت لحين تهريبها لعناصر داعش، بعد ان افتضحت عمليات إيصال المعونات وضرب القوات العراقية النظامية والحشد. وقد أحرج اكتشاف تلك الحقائق وتقرير اللجنة النيابية، كل من أميركا وحيدر العبادي الذي فقد اعصابه في البرلمان حين صرخ: إذا تريدون صوتوا على خروج القوات! وكان يعلم أن في البرلمان من "الخياسات" مثل ما في حكومته، ما يضمن عدم نجاح مثل ذلك التصويت، وإن نجح فيمكن دائما تزوير التصويت بجعله سرياً.

العبادي استقدم كجزء من صفقته للحصول على الكرسي، عدة ألاف من الجنود الأمريكان وأسماهم "مستشارين" وأعطاهم الحصانة التي رفضها المالكي والشعب بكل قوة! ومصطلح “المستشارين" هو بالمناسبة نفس الاسم الذي أطلق على الجنود الأمريكان الذين أدخلوا إلى فيتنام في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، وبأعداد أكبر بكثير من الأعداد المعلنة ثم تمت مضاعفة أعدادهم سراً استعداداً للمذابح التالية التي حطمت البلاد، وهو ما يبدو نفس ما يخطط له في العراق!

ثم كان إنزال الحويجة الذي سجل نقطة تحول في وقاحة الفعل الأمريكي وعلانية احتقاره للحكومة التي جاء بها وللشعب العراقي! وادعت اميركا أنها أبلغت الحكومة العراقية وأنها قامت بالعملية بمشاركة قوات كردية قامت بالاشتباك. لكن لسوء حظ أميركا والعبادي ان العسكري الوحيد الذي قتل في العملية كان جندي اشتباك أمريكي، ولم يكن خبيرا في أي شيء ولا يمكن أن يكون مستشاراً! وفي الوقت الذي كان وزير الدفاع العراقي يؤكد عدم معرفته بالأمر، كان وزير الدفاع الأمريكي يؤكد بكل وقاحة أن مثل هذه العمليات قد تتكرر في المستقبل، وكان أقرب رجال الكونغرس إلى إسرائيل يؤكدون ضرورتها وكفاءتها، وكان العبادي كعادته، يؤدي دوره المطلوب كشيطان اخرس ويلوذ بصمت القبور.

وفاجأ دخول بوتين على الخط، الخندق الإسرائيلي الأمريكي. وكانت روسيا تشعر أنها تحاصر من قبل ذات الخندق وأن النوايا الأمريكية لها هي المحاصرة والتحطيم وأنها عازمة على ذلك. وقدمت أوكرانيا للروس أوضح الإنذارات، إضافة إلى حرب النفط. وكانت هذه المفاجأة هي آخر ما يأمله الأمريكان والإسرائيليين، الذين كانوا يستعدون للانقضاض النهائي على الفريسة العراقية. وتم إسقاط طائرة ركاب روسية، ثم طائرة مقاتلة روسية، وكانت اميركا تشير إلى ذيولها بفعل ذلك وتحملها الخطر المباشر بدلا منها، وكمثل العبادي في العراق فليس لبقية الذيول أن تقول "لا".

لكن رد الفعل الروسي على الهجوم عليه كان التصعيد بدلا من الانكماش المؤمل. فلقد كان لحسن حظ الشعب الروسي أن يجد على قيادة بلاده شخصاً لا يرتبط بالأجهزة الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما تفتقر إليه غالبية شعوب الدول المتقدمة التي تمت السيطرة عليها واختراقها، ودفعت حكوماتها إلى مواقف ليس لشعوبها فيها أية مصلحة. ولو أن يلتسين كان مازال يقود البلاد، لما كان حظ الشعب الروسي بخير من حظ الشعب العراقي في الخروج سالما ببلده من مشاريع التحطيم الشامل.

تداعت الأحداث بسرعة ومازالت تتداعى، وكشف التدخل الروسي الكثير من الخفايا لمن كان مازال يشك ويتردد وفضح حقيقة التحالف الدولي وكشف كذلك دور حكومة العبادي التي امتنعت عن دعوة الروس لمساعدة بلادها إرضاءً لأميركا. لكن في سوريا أصاب الروس شريان فرق داعش النفطي بجرح كبير، وقصفت مقراتها وتم طردها من مواقع أساسية بالتعاون مع الجيش السوري، فقد كان القصف حقيقيا هذه المرة، وليس إلقاء معونات بالخطأ!

كل هذا زاد الموقف حرجاً، وزاد الضغط على المتآمرين أن يفعلوا شيئا قبل ان تفلت الأمور من أيديهم وتتحرر الشعوب من قبضتهم، فكانت التخطيطات تنشط في الغرف الخلفية وتكشف عنها بعض الأخبار. فجاء اقتراح لأثنين من أشد رجال الكونغرس شهوة للحرب وارتباطا بإسرائيل لإدخال 100 ألف جندي إلى العراق من دول التوابع، على ان تقودهم اميركا مع المشاركة بنسبة من الجنود. وقد طرح هذا الاقتراح وكأنه أمر اعتيادي وطبيعي وليس إعادة احتلال لبلد وشعب وتهديد بتكرار الكوارث التي رافقت الاحتلال الأول والتي مازالت مستمرة حتى اليوم، وبدون مراجعة رأي العراقيين ولا الشعب الأمريكي. وكان رد الفعل الحكومي العراقي على هذه الإهانة لسيادته باهتاً كعادته، يحاول كسب بعض الوقت. فمهمة العبادي لم تكن إدارة المؤامرات الأمريكية على العراق، إنما أن "لا يفعل شيئا".. ان يقدم الشعب العراقي للمتآمرين عليه كشعب مشلول بلا حكومة..

إضافة إلى ذلك فأن للعملاء على رأس حكوماتهم دور مهم آخر بالنسبة لأسيادهم. فعندنا يتمكن البيت الأبيض من ان يقول في الأخبار: "العبادي يؤيد مساعي أمريكا لإرسال مزيد من القوات الخاصة"(1)، ثم لا يأت رد من الحكومة العراقية، فأن المواطن الأمريكي سيفهم أن العراقيين يريدون منهم إرسال تلك القوات!! لأنهم يتصورون أيضاً أن العبادي هو رئيس منتخب وفي البلاد برلمان الخ! وهكذا يستفاد من دور العميل لخداع الشعب الأمريكي وليس فقط خداع شعبه! لذلك لا يطلب الأمريكان من العبادي أكثر أن يكتفي بالصمت وزيارات "صورني وآني ما أدرى" في انتظار ضربة النهاية التي يأمل ان لا تطول.

ويبدو أنها لن تطول. فبعد مقترح جون ماكين تسارعت التصريحات بين بغداد وواشنطن بشكل يكشف أن عمليات دخول الجنود الأميركان كانت قد تمت قبل تلك التصريحات اصلاً! وكتبت النائب حنان الفتلاوي على صفحتها في الفيسبوك:

"المعلومات التي لدي ومن داخل الاجتماع الذي جمع جون ماكين مع رئيس الوزراء بتاريخ ١١/٢٧ في قيادة العمليات المشتركة وبحضور وزير الدفاع ومعاون رئيس أركان الجيش وممثلوا الاجهزة الامنية.. انه ابلغ العبادي :ان القوات التي ستدخل العراق لتحرير المحافظات الغربية عددها سيكون (١٠٠٠٠٠) مئة الف ، منهم (٩٠٠٠٠) تسعون الف مقاتل من دول الخليج ( السعودية وقطر والامارات ) والاردن ، و(١٠٠٠٠) عشرة الاف مقاتل امريكي...

ويقال ان العبادي كان منزعجاً ولكن ماكين ابلغه ان القرار صدر وانتهى...

أنا أكاد اجزم ان العبادي سيصدر غداً بيان ينفي كل هذامثل قضية الطيارة اللي يقول طلع بيها كاتم واحد ورجعوها لبلدها .. وسيقول سأستمر بالاصلاح وسأضرب بيد من حديد ولو كلفني حياتي وووو"... انتهى الإقتباس من صفحة الفتلاوي.

يجب ألا يحمل العبادي، ذلك العبد المطيع، فوق مسؤوليته لما يحدث في العراق، فمهمته الأساسية هي "الصمت"، والتي أجادها بأفضل مما فعل من كان قبله. ولا تستهينوا بهذا الدور. الصمت مهمة القرقوزات في بلادهم، أما من يدير كل شيء فهو السفارة! وهذا هو السبب في دعوتي للتظاهر ضدها هذه المرة. وقد تقولون: وما نفع التظاهر ضد السفارة وهي محصنة؟ بل ان التظاهرات هي أضعف حلقات تلك القلعة الحصينة. المتآمرين في البيت الأبيض والكونغرس يحتاجون لتسويق مؤامراتهم الدموية على العراق، للشعب الأمريكي وإقناعه بها، بإفهامه بأنهم يحاربون الإرهاب من أجل الشعب العراقي! وما دمنا ساكتين فسوف يتصور الشعب الأمريكي أن حكومته تقول الحقيقة! لكن حين ينقل تلفزيونهم صور 100 ألف أو حتى بضعة ألاف متظاهر، ولن نقول مليوناً، أمام السفارة الأمريكية، يحملون اللافتات التي تفضح دورها وباللغة الإنكليزية والعربية، فسيتأكد للجميع أن الشعب العراقي يرى أميركا مع الإرهاب وسيتيقن الجميع بأن أسباب حربها الجديدة التي تدعوهم إليها، لا تختلف عن سابقاتها من الأكاذيب وإنها تشعل من أجل انقاذ داعش، لا من اجل إزالتها!

لقد نجح الأمريكان حتى اليوم بإخفاء رأس الأفعى بعيدا عن البصر. وكانوا يضطرون من أجل ذلك أن يستعملوا ذيولهم نفسها لصد الضوء عنهم. ويمكننا لو أبقينا هذا في البال ان نفسر أموراً قد تحيرنا إن لم نفعل. فعندما أدهش بايدن العالم بـ "اعترافه" بأن دولة من ذيول أميركا من العرب تدعم الإرهاب، لم يكن في الحقيقة اعترافاً وليس لحظة صدق، بل إجراءاً منطقيا عاجلاً إنقاذ لسمعة بلاده التي تكاد تفتضح تماماً، حين يصور للعالم أن السعودية وبقية دول الخليج التي ليس لها حتى القدرة على تعيين شرطي بدون موافقة أميركا، هي التي تقود الإرهاب الذي تحاربه أميركا! لكن الحقيقة أن المشكلة ليست في السعودية ولا قطر ولا تركيا ولا كردستان ولا حتى داعش. إن الأفعى تجعل ذيولها هذه ترقص امامنا وترعبنا وتثير غضبنا وتسحب كل تركيزنا، بينما تخبئ رأسها بعيداً، لتقنعنا أن المشكلة هي في الذيول، ولنوجه ضرباتنا للذيول، فلا يهمها في شيء. فللأفعى قدرة مدهشة على استبدال ذيولها!

الرفض العراقي للاحتلال القادم صريح وقوي وواضح. فأعلنت "كتائب حزب الله" أنها ستلاحق وتقاتل أي قوة أميركية تنتشر في العراق، وأن أي قوة أميركية ستصبح هدفاً رئيسياً لها. وتبنى موقف الرفض نفسه كل من "منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق".

لكن هذه التهديدات فد لا تكفي. إن تظاهراتنا امام السفارة، هي ما سيفضح كل شيء ويجعل من الصعب على قيادات اميركا إقناع شعبها بخطتها. السفارة التي لا نعرف حقيقة عدد من فيها ولا المهمات التي يقومون بها، ولا ندري إن كانت سفارة أمريكية أم إسرائيلية بالدرجة الأولى، لكننا نعلم أنها قاعدة تآمر متقدمة وسيف مسلط على هذا البلد وهذا الشعب. يكرهها وتكرهه، وتعلم أنه يكرهها فتبني لنفسها القلاع المحكمة لتحميها منه، فتراه خطرا تحرص على إبقائه ضعيفا مشلولا بتحطيمه وإذلاله في داخل سجونها أو خارجها، وترسل من يدرب ويدعم الإرهاب فيه وترعى فاسديه وتحميهم وتبحث لتجند لقيادته اوسخ من تعثر عليه! إنها رأس الأفعى، فهل لنا من الحكمة والشجاعة ما يكفي لكي نترك الذيول مهما تراقصت، لنوجه جل غضبنا وتظاهراتنا إلى رأس الأفعى، ومقر قيادة عمليات داعش؟

إن من سيبادر وينجح بتجييش التظاهرة الأولى أمام السفارة، سيصيب بالحرج أميركا ذاتها وذيولها في الخضراء وقوات التحالف، ويغير مجرى الأحداث ويعكس اتجاهه، وسيكون في تأثيره كمقاتلي الاحتلال والظلم في هذه الأيام المقدسة والسند السياسي المتين لهم، وله أن يهتف مفاخراً كالمقاتلين بحق بأنه حفيد الحسين!

 

صائب خليل

 

في المثقف اليوم