آراء

انقلاب السحر على الساحر

mohamad aldamiيتعاظم تيقن المرء بسرعة الآن بحقيقة مفادها أن الإرهاب هو سلاح ذو حدين، خاصة بعدما قدمه إرهابيو باريس قبل أسابيع وما قدمه الثنائي “تشفين مالك” وزوجها “سيد رضوان فاروق” من فعاليات “سادية” خطيرة قد تنقلب آثارها الأخطر على الإرهابيين أنفسهم، كما لاحظنا ذلك في دخول كل من فرنسا وبريطانيا المعترك، في حملة قصف مراكز الإرهاب بسوريا والعراق، ناهيك عن إعلان الولايات المتحدة “عودة الأميركي” للعراق قبل بضعة أيام كذلك.

إن أية مراجعة، مهما كانت مقتضبة، لن تخفق في إماطة اللثام عن أن خطر الإرهاب يمكن أن ينقلب على الإرهاب نفسه، بدليل أن هجمات “القاعدة” في واشنطن ونيويورك (2002) قادت إلى احتلال أفغانستان، بينما قاد “النزق الإرهابي” ذاته إلى احتلال العراق، ولم تزل فؤوس ومعاول العالم الغربي العسكرية والاستخبارية تدق على العالمين العربي والإسلامي دون هوادة ولا تريث، بسبب شبكات الإرهاب.

وعلى سبيل استكمال جدلي أعلاه، لا بد أن أشير إلى ما تناقلته الفضائيات قبل أيام عن إطلاق حملة شبابية فرنسية لمهاجمة المسلمين، مع أعمالهم ومصالحهم، المستقرين في فرنسا؛ وقريبًا على الشاشة، في بلجيكا وبريطانيا وسواها من دول أوروبا. والخشية تتلخص اليوم في إمكانية انطلاق نوع من حملات الإبادة والطرد السكاني لجميع المسلمين المعتاشين على اقتصاديات أوروبا، على نحو يذكرنا بما فعلته “اللاسامية” باليهود في ألمانيا وفي سواها من بعض دول أوروبا.

أما “الرقم القياسي” في القتل الذي أحرزه الزوج المسلم “تشفين وفاروق” في مدينة سان برناردينو بكاليفورنيا (14 قتيل، و17 جريح)، فينبغي أن يخص بقراءة فطنة، قادرة على حساب معادلة “الربح مضادًّا للخسارة”، كنتيجة نهائية لهذه العملية التي تركت ابنتهم، أول ضحاياهم، ذات البضعة أسابيع “يتيمة” من اللحظة. إن قراءة الجريمة أعلاه بمعزل عن تفاقم مشاعر الخوف والضغينة ضد المسلمين بأميركا، ذلك التفاقم الذي لا يمكن أن يمر دون استذكار دعوة المرشح الجمهوري “رقم واحد” للرئاسة الأميركية، الملياردير دونالد ترامب، إلى “تسجيل” كل فرد مسلم يحيا في الولايات المتحدة في سجل أو دائرة خاصة، باعتبار أن جميع المسلمين هم إرهابيون محتملون، للأسف. زد على ذلك دعوته الأخرى، قبل يومين، للإمساك بعوائل الإرهابيين في أميركا وتهديد الإرهابي بالاقتصاص من أمه وأخته، والده أو ابنه، إن لم يكن هذا الإرهابي يأبه بحياته الفردية، انتحاريًا!

وإذا كان غرض أية عملية إرهابية هو بث الخوف في نفوس أفراد المجتمع المستهدف، فإن الذي حصل الآن بفضل الثنائي “تشفين/سيد” إنما هو تجسيد لجوهر مقولة “انقلاب السحر على الساحر”، خاصة باعتبار تفاقم الضغائن ضد المسلمين وتضاعف الدعوات إلى مراقبتهم ومتابعتهم، بل وحتى إساءة معاملتهم وطردهم، مثل حرمان المشكوك بهم من الطيران. المسلمون في أميركا الآن، هم المرعوبون والخائفون، لئلا تبدأ العصابات المضادة للساميين وللدخلاء بعمليات انتقامية، من نوع مهاجمة أي مسلم في الشارع أو تحطيم عمله أو نهب حانوته الذي يرتزق منه. إزاء هذه الخلفية التي أضفت على حياة المسلمين في العالم الغربي عنصر الإرهاب والخوف المستديم، يمكن للمرء أن يحضّر روحي فاروق وتشفين لسؤالهما فيما إذا كان ما أنجزوه لصالح المسلمين والإسلام، في نهاية المطاف؟

وإذا ما توثبت الشبكات الإرهابية لنتائج مضادة للمسلمين من النوع أعلاه، أود أن أتساءل: هل من صالحنا، عربًا ومسلمين، أن نقطع الجسور مع دول العالم الغربي الذي نحتاج إليه على نحو دائم بسبب الفجوة الحضارية الفاصلة بين ذاك العالم وعالمنا؟

 

أ.د. محمد الدعمي

 

في المثقف اليوم