آراء

الجيش العراقي هل هو"جيش الدولة / الوطني" ام جيش النظام؟ لماذا تم حله؟

1munir alchalabi- موضوع البحث الاول سيتطرق لفهم طبيعة الجيش العراقي.

ان الهدف من طرح ونقاش مفاهيم اساسية كمفهوم "الجيش الوطني/ الدولة" و"جيش النظام" هو ليس الغرض منه التعرض لمؤسسات ومكونات اساسية في تكوين الدولة العراقية والتهجم عليها والتقليل من اهميتها. بل على العكس من ذلك فالهدف منه هو السعي للوصول الى فهم صحيح لمؤسسات الدولة و للقوى المؤثرة على تغيير مستقبل الوضع السياسي في العراق والقوى الحقيقية القادرة على تحويل الدولة العراقية الحالية ومؤسساتها الى دولة مؤسسات وطنية. كما ان الهدف الثاني هو ايجاد البدائل العسكرية المرادفة للجيش "كالحشد الشعبي" على سبيل المثال اذا لم يكن بالامكان التوصل الى الهدف الاساسي في ايجاد "جيش دولة / وطني".

ان الدولة العراقية الحالية مبنية على مؤسسات كانت جزء اساسي من نظام البعث الفاشي المرتبط بالمخططات الاستعمارية للمنطقة لفترة 40 عام،تلاها مؤسسات تاسست بعد الاحتلال الانكلو امريكي منذ 9 ابريل 2003 والتي كان للاحتلال الامريكي دور اساسي في التاثير على تكوينها الشاذ لخدمة مصالحه والاستمرار في سيطرته الفعالة سواء المباشرة اوغير المباشرة على مستقبل مقومات الدولة العراقية الجديدة وعلى راسها المؤسسات العسكرية والامنية .

ان الاصطلاح المعبر عن "مفهوم الجيوش" هو ما تمثله "القيادات العسكرية العليا" لهذه الجيوش وهي القيادات العسكرية المكونة للقوى الفعالة المسيطرة على هذه المؤسسة العسكرية ولا يكون الجنود وصغار الضباط في مجمل الحالات العامة سوى ادوات تسيرها كبار القيادات العسكرية.

ان تكوين "الجيش الوطني/جيش الدولة" في دستور اية دولة ديموقراطية في العالم هو تكوين قوة مسلحة للدفاع عن حدود البلاد ضد اي اعتداء خارجي على هذه الدولة، وانه ليس من مهام الجيش الوطني الدستورية تحديد ماهية سياسات الدولة او التدخل الداخلي في الصراعات السياسية الداخلية او لتبديل النظام السياسي. ان قيام اي جيش بالتدخل لقلب النظام السياسي في بلده لمصلحة اي قوة سياسية خارجية او داخلية سيحول هذا الجيش من "جيش وطني/جيش الدولة" الى "جيش النظام" ويفقده صفته الوطنية العامة وهذه ميزة الكثير من جيوش العالم الثالث التي اصبحت تقرر مصير شعوب بلدانها من خلال قيام قادتها بالانقلابات العسكرية واستيلائهم على السلطة .

لقد كان الجيش العراقي اوضح مثلا لمثل هذا التحول من جيش كانت له بعض صفات "جيش وطني / دولة" الى "جيش نظام" تابع لحزب البعث العراقي الفاشي منذ الانقلاب العسكري في شباط 1963 الذي قامت به المخابرات البريطانية والامريكية واسندت عملية تنفيذه المباشرة الى حزب البعث وباسناد الرجعية الكردية بقيادة "ملا مصطفى البرزاني" والرجعية الشيعية بقيادة "مرجعية محسن الحكيم" حيث قامت الاطراف الثلاث بهذا الانقلاب العسكري الدموي ونجحت في اسقاط الحكم الوطني لحكومة عبد الكريم قاسم بعد سجن وتعذيب عشرات الالوف وقتل الالوف من خيرة ابناء و قيادات الشعب العراقي.

ثم تلى هذا انقلاب عسكري بعثي ثاني قام به الجيش في تموز 1968 بقيادة ضباط بعثيين من امثال احمد حسن البكر وحردان التكريتي وصالح مهدي عماش وضباط بعثيين اخرين و تحول الجيش الى المدافع والمسند لحكم البحث الفاشي ل 35 عاما حيث اصبح الجيش جزء اساسي من نظام البعث.

ولهذا راينا انه عندما انهار نضام البعث السياسي بشكل سريع تحت ضربات قوات الاحتلال الامريكي / البريطاني في 9 نيسان 2003 انهار معه الجيش بنفس السرعة حيث فر جميع قادة الجيش وضباطه من معسكراتهم الى بيوتهم وتركوا الالوف من السيارات المصفحة والدبابات والصواريخ وقطع المدفعية وحتى بعض الطائرات اضافة الى مئات الوف من قطع السلاح الخفيف في المعسكرات والمدارس والدوائر الحكومية والشوارع على الرغم من ان الارقام تثبت ان اكثر من 70% من قطعات الجيش لم تطلق طلقة واحدة ضد قوات الاحتلال . وهكذا فبنفس السرعة التي حلت سلطة البعث نفسها بسقوط بغداد، حل جيش النظام نفسه بنفس السرعة وهذه ليس بنتيجه مستغربة اذ ان الجيش العراقي كان نسخة مطابقة لنظام البعث / الصدامي.

انني كنت قد تطرقت بشكل سريع الى هذا الموضوع في مقالة سابقة، وربطة هذا بما حدث في الهزيمة الكبرى لقيادات الجيش الجديد في 10 حزيران 2014 (هذه القيادات التي كانت جزء من قيادات الجيش التي استسلمت في 9 نيسان 2003 لقوات الاحتلال الامريكي) في كل من الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى الى داعش او بيشمركة مسعود البرزاني من دون اية مقاومة وكان هذا عندما كان المالكي رئيس للوزراء وقائد عام للجيش و كان رئيس اركانه با بكر زيباري ومن قادته الجنرالين عبود قنبر وعلي غيدان وغيرهم من كبار الضباط من شيعة وسنة واكراد.

غير ان هذه الهزيمة البشعة لهذا الجيش لم تكن الاخيرة بل تكررت مرة جديدة في شهر ايار 2015 عند تسليم مدينة الرمادي الى داعش ومن دون اطلاق نار حقيقي ومن نفس مجموعة الضباط التي سلمت الموصل وكركوك ولكن تحت قيادة رئيس وزراء وقائد عام للجيش جديد وهو حيدر العبادي الذي خلف المالكي بعد الانقلاب عليه في ضمن المخطط الامريكي في نهاية عام 2014 ووزير دفاعه الجديد خالد العبيدي (زوج اخت النجيفيين). ولكن الملاحظ ان قيادات الجيش بقت نفسها التي سلمت الموصل وكركوك وصولا الى هزيمة الرمادي وحتى اليوم، من تلك القيادات التي سلمت الرمادي كان منها اللواء فاضل برواري، واللواء الركن سامي برواري قائد العمليات الخاصة الأولى، والعميد سرهيد قائد العمليات الخاصة الثالثة وغيرهم من ضباط جيش النظام القديم.

ان هذا يعني وبشكل واضح لا يقبل الشك فيه ان الجيش الفدرالي العراقي الحالي هو "جيش النظام" يعكس تماما نظام االمحاصصة الطائفية بين الشيعة و السنة والاكراد وكذلك نضام الفساد السياسي الذي تستند اليه العملية السياسية الحالية سواء في المركز بغداد او حكومة اقليم كردستان او معظم الحكومات المحلية في المحافضات العراقية.

ولهذا فان كل من يعتقد بان هذا الجيش العراقي الحالي قد تغير الان عما كان عله في 9 نيسان 2003،او 10 حزيران 2014،او ايار 2015 وانه يمكن الاعتماد عليه وسينطلق في المستقبل من مواقف وطنية جديدة غير مرتبطة بشكل النضام الحالي، فانه سيصاب بخيبة امل جديدة كالتي حدثت في ايار 2015 بالسقوط المدوي لمدينة الرمادي.

ان هذا ما يجعل اشخاص كهؤلاء الذين يعتقدوا ان هذا الجيش قد تغير اما ان يكونوا اشخاص بسطاء يقعون في خطا كبير ويعتقدون بان هذه الهزائم هي احداث وهزائم منفصلة عن بعضها البعض في اسباب حدوثها ولا يوجد رابط حقيقي يربطها. او من المنتفعين من هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة بشيعتها وسنتها واكرادها، او في احسن الاحوال قد يكونون من المحللين الوطنيين الذين يعتقدون ان اي تطرق او بحث للاسباب الحقيقية وراء ما انتهت اليه القوات المسلحة هي من المحرمات الوطنية او حتى مشابهة لفرائض دينية لا يجوز المساس بها و التي لا يجوز التفحص فيها بل وحتى التطرق اليها.

ان الجيش العراقي المشابه في تكوينه وبنيته للكثير من جيوش العالم الثالث الجديدة المرتبط بشكل مباشر او غير مباشر مع الدول الغربية الكبرى فيوجد فيه بالتاكيد مجموعات او افراد من الضباط الوطنيين، غير انهم لا يمثلون البناء الفعلي لهذا الجيش. حيث ستبقى قياداته الحقيقية والفعالة هي قيادات تمثل تمثيلا شبه كامل للنظام الذي تحافض عليه وبذلك يستمر الجيش على تكوينه ك "جيش النظام" وليس "جيش الدولة/الوطن" وان هذا الجيش سيبقى استمرارية للتحول الذي جرى منذ انقلاب شباط 1963 المشؤم، على الرغم من تغير شكل وطبيعة الانظمة الحاكمة في العراق منذ ذلك التاريخ.

ان بنية قيادات الجيش الحالي هي انعكاس لسياسة المحاصصة الطائفية للسلطة الحالية وياخذ ضباطها تعليماتهم من قادتهم السياسيين في طوائفهم اضافة الى ارتباط البعض منهم بالمخابرات الاجنبية وخاصة الامريكية والبريطانية. كما ان وجود قوات البيشمركة الكردية التابعة للقيادة المباشرة لمسعود البرزاني والمنفصلة تماما عن اي علاقة بالحكومة الفدرالية يزيد بشكل كبير استحالة تكوين "الجيش العراقي الوطني" في الضروف الحالية.

2- اما موضوع البحث الثاني فهو يتعلق بعملية حل الجيش العراقي بعد احتلال العراق في 9 نيسان 2003.

ان تدمير الجيوش هو سياسة امريكية وغربية مبرمجة، وليس خطا سياسي وقعت فيه ادارة المحافظين الجدد عام 2003.

ان مخطط حل اوتدمير الجيوش الذي تم من قبل الادارة الامريكية وحلف الاطلسي مثلما قاموا بتنفيذه في كل في العراق وليبيا ويعملون عليه حاليا في سوريا واليمن هو جزء من تطبيق سياسة "الفوضى البناءة/الخلاقة" للادارات الامريكية والغربية في الدول العربية.

ان الكثير من المحللين يعتقدون بان ما قامت به ادارة بوش من حل الجيش العراقي بعد احتلالها للعراق مباشرة في شهر ايار 2003،كان من اخطاء الاحتلال الامريكي والمحافظين الجدد وان الادارة الامريكية قد ندمت على هذا العمل.

والواقع هو عكس ذلك تماما، فحل الجيش بعد احتلال اية دولة يؤدي الى تدمير البنية الاساسية لبقاء الدولة بعد احتلالها وبالتالي يؤدي الى انهاء الدولة المحتلة ويسمح للمحتل ببناء دولة جديدة حسب الاسس التي تؤدي الى الابقاء على احتلاله. وهذا ما حدث لجميع الدول التي خسرت في الحرب العالمية الثانية، فقد تم حل الجيوش اليابانية والالمانية والايطالية وغيرها من الدول كجزء من عملية تدمير اسس الدول التي خسرت الحرب العالمية الثانية. وكان قد سبقه في اوائل الحرب العالمية الثانية قيام المانيا وايطاليا بحل اركان الدولة وعلى الاخص الجيوش عندما احتلت هاتين الدولتين كل من اليونان وهولندة وبلجيكا وبولندا وغيرها من الدول الاوربية التي كانت قائمة في حينه.

ان عملية تفسخ الدولة العراقية و حل الجيش العراقي كانت جزء اساسي في السياسة الامريكية للابقاء على احتلالها للعراق وجزء من العملية الضرورية لتحويل العراق الى بلد مستعمر وذلك من خلال اعادة بناء جيش خاضع للادارة الامريكية وجزء من عملية انهاء الدولة العراقية التي اسسها الاحتلال البريطاني عام 1924 واسس جيشها بشكل يضمن تبعيتها للتاج البريطاني في حينه وهذا ما حدث فعلا لحين ثورة 1958 التي انهت تبعية النظام السياسي الحاكم لبريطانيا.

وطبعا هنلك عامل اضافي لحل الجيش العراقي (حتى وان كان جيش النظام) وهو كونه جزء من الخطوات الاساسية لانهاء اي تواجد لاي جيش قوي قد يشكل عقبة امام التوسع

الاسرائيلي وسيطرته على ثروات ومصير الدول وشعوب المنطقة العربية.

وما يؤكد ان هذه هي جزء اساسي من المخطط الامريكي ولم يكن عملية اخطاوا فيها هو قيام الناتو بتدمير وحل الجيش الليبي بعد تدميرهم للدولة الليبية عام 2011، وسعيهم الحثيث لانهاء الجيش السوري في الحرب التي شنوها على الدولة السورية في السنوات الخمس الماضية، اضافة الى سعيهم لانهاء الجيش اليمني في حربهم الاجرامية منذ اكثر من 8 اشهر على الشعب اليمني.

 

استنتاجات:

1- ان تحويل "جيش النظام" العراقي الحالي الى "جيش الدولة/الوطني" لن يتم بدون التحول والخروج الحقيقي من العملية السياسية الحالية المبنية على نظام المحاصصة الطائفية والفساد المالي والسياسي والذي ترتبط مصالح معضم القوى السياسية فيه بالابقاء على الارتباط والتبعية للمخططات السياسية الامريكية بشكل مباشر او غير مباشر.

ان هذا يتطلب الانتقال الى عملية سياسية وطنية وغير طائفية ومعادية لكل التبعية للمصالح الامريكية السياسية او الاقتصادية لما يطلق عليه بسياسة السوق الحرة التي تسعى لابقاء الاقتصاد العراقي اقتصادا "ريعي" تابع بشكل مباشر للنضام الراسمالي العالمي .

2- ان تكوين جيش وطني اي "جيش الدولة" لن يتم بدون تغير كامل في النظام السياسي الحالي والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية والفساد المالي والتبعية للقوى الاستعمارية، غير ان مثل هذا التحول الجذري في طبيعة النظام القائم غير وارد ولا يوجد ما يؤشر على حصوله لا في المستقبل القريب او المتوسط على اقل تقدير.

3- ان هذا الاستنتاج يبين اهمية ايجاد قوة عسكرية وطنية مرادفة "لجيش النظام" هذا متمثلة حاليا في قوات "الحشد الشعبي" والتي كانت العامل الاساسي في منع الانهيار الكامل للدولة بشكلها الحالي وسيطرة داعش على معضم اجزاء العراق ان لم يكن جميعه.

ان "جيش النظام" الحالي يمكن الاستفادة من وجوده كقوة مساندة للحشد الشعبي لمنع انهيار النظام الحالي وتنفيذ المخطط الامريكي الصهيوني لتقسيم العراق الى كونفدرالية من ثلاث دول ضعيفة متحاربة فيما بينها.

ان تطوير الحشد الشعبي هي القوة الوحيدة القادرة على منع تطبيق مؤامرة تقسيم العراق، غير ان اي نظرة تحليلية للحشد الشعبي هي خارج نطاق هذا التحليل وتحتاج الى شرح منفصل.

4- ان قيام الاحتلال الانكلو امريكي بحل الجيش العراقي بعد سقوط بغداد في 9 نيسان 2003 لم يكن خطا وقعت به ادارة المحافظين الجدد في حينه، بل كان جزء اساسي من عملية الاحتلال الامريكي للعراق ومن اجل اعادة بناء اركان الدولة حسب ما تقتضيه سياسة الفوضى الخلاقة وكما حصل قبله لجميع الدول التي سقطت تحت الاحتلال خلال القرن العشرين.

ان عملية حل الجيش العراقي قد اعيد تطبيقها من قبل الناتو في ليبيا عام 2011 بعد ان اسقطوا نظام القذافي، وتجري محاولة اعادت القيام بها في سوريا خلال السنوات الخمس الاخيرة وفي اليمن خلال الاشهر الثمانية الماضية.

 

المهندس منير الجلبي- محلل في المحاور السياسية والطاقة العراقية

 

في المثقف اليوم