آراء

لماذا تسارعت الأحداث؟ كيف نتخذ موقفا؟

saieb khalilمن المؤكد اننا نمر بأخطر لحظات مر بها العراق في تاريخه ومنذ تأسيسه. فقد تسارعت الأحداث في المنطقة وفي العراق خاصة بشكل مذهل لا يترك الوقت اللازم لهضم ما يجري حوله وكيف يتعامل معه.

لماذا تسارعت الأحداث هكذا فجأة؟ في رأيي ان السبب هو ظهور الحشد من جهة ودخول الروس على الخط من الجهة الثانية. لقد كان المخطط هو ان يتم بناء الدمار في العراق تدريجيا قبل إنزال الضربة القاضية. لكن ولادة الحشد، سرعت الضربة، فكان مطلوباً شخص أكثر إطاعة للأمريكان من المالكي، فتم استبداله عاجلا.

ثم جاء الروس فأدخلت قوة غيرت موازين الحرب، وفضحت تماما العلاقة بين أميركا وداعش، واعطت شعوب المنطقة الأمل فتهدد المخطط كله بالفشل وفقدان إسرائيل وأميركا لفريستيها، لذا توجب الإسراع.

الأحداث تتكشف بسرعة عن مؤامرة هائلة ووضع معقد جداً، يتوجب على المرء أن يختار موقفه سريعاً. فهناك خندقان عظيمان يتقابلان وعلى كل شخص في العراق وفي المنطقة ان يقرر في أي خندق يقف. لقد كان اليونانيون القدماء يحكمون بالإعدام على أي رجل ناضج يثبت أنه لم يتخذ موقفاً (مهما كان) عندما تمر البلاد باضطرابات سياسية، ويعتبرونه ضمن الخونة الذين لم يؤدوا واجبهم تجاه بلادهم. وهو ما ترشدنا إليه أيضا مقولة مارتن لوثر كنج: إن أسوأ مكان في الجحيم، محجوز للذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة".

وفي هذه المقالة وضعت مجموعتين من النقاط، الأولى حول عملية الاختيار ذاتها وما يجب ان يراعى فيها، ثم سأطرح آرائي الخاصة في اللاعبين على الساحة.

 

المبدأ العام للاختيار والقرار: التحليل ثم المراهنة!

- ضرورة المراهنة: في الأمور المعقدة يستحيل تحليل كل شيء واتخاذ قرار بشكل أكيد، لذلك يجب البدء بتحليل كل ما هو متوفر، ثم اللجوء إلى المراهنة! عندما تقترب بسيارتك من مفترق لطريقين فيجب أن تقرر قبل ان تصل، وإن لم تستطع أن تتأكد، فيجب أن تراهن على أحدهما وإلا سقطت في الجزرة الوسطية! يجب اختيار الفرصة الأكبر للفوز والمراهنة عليها.

 

كيف نختار الفرصة الأكبر؟

- أولا، لا تقل "نفس الشيء": إنها كلمة الغاضب الذي يريد ان يعفي نفسه من تعب التمييز. ليس الخندقان نفس الشيء بل شيئين متناقضين، والقرار يحدد مصير المنطقة كلها.

- لا تقل "كلهم يبحثون عن مصالحهم" وتهرب. صحيح أن كل الدول تبحث عن مصالحها، لكن هذا لا يعني أن مصالحها "نفس الشيء". البعض يرى مصلحته في تدمير العراق والآخر قد يراها في تقويته لأنه يجد نفسه مستهدف من قبل نفس من يريد تحطيم العراق. عليك ان تبحث وتميز بين هذا وذاك..

- لا تقل "شيصير أكثر":... لا، يصير أكثر وأكثر.. فقط اللي عايشين الآن في الخيم تحت الثلج ربما من حقهم أن يقولوا "شيصير أكثر" وحتى هؤلاء عندما تنتشر بينهم الأمراض المعدية مثل الجرب والليشمانيا التي تتكاثر الآن بين النازحين في سوريا، سيعرفون أنه "ممكن يصير اكثر".

- الابتعاد عن التشويش على النفس وتصديق ماهو مريح: تجنب قبول قناعات لمجرد انها مريحة تؤكد تفوقك أو تفوق مذهبك أو تفوق من تحب. إفحص قناعاتك بالدفاع عنها أمام الآخرين أيضاً. كن أمينا مع نفسك

- ابحث عن الأسئلة التي تتحدى استنتاجاتك. أحد الأصدقاء استنتج أن: "روسيا هي وراء داعش وأنها جاءت بها انتقاما للقاعدة التي جاء بها الأمريكان وأسقطوا بها الاتحاد السوفيتي". كان السؤال المتحدي: كيف تفسر ضرب الروس لقوافل نفط داعش ولم تضربها أميركا؟ الصديق هرب من المناقشة... إن اردت مواقف سليمة يجب ألا تهرب من مثل تلك الأسئلة. يجب أن تبحث عنها ولا تحتاج إلى أحد يذكرك بها.

- عندما ننتهي من قضية على أنها حقيقة فيجب اتخاذ موقف محدد وصارم على أساسها، لا ان نضعها على الرف..

- إنتبه ألا تجعل ممن يشاركك مصلحتك، في خندق اعدائك، لمجرد أنه تصرف بشكل أزعجك أو كان أحمقا لا يفهم مصلحته وافعل ما تستطيع لكسبه، وتذكر أنك لا تملك الترف أن تضحي بأية قوة قد تكون صديقة، لكن إذا قررت عداوتهم فلا تتساهل..

- في تقييمك للشخصيات السياسية، يجب أن تنسى كل الأحكام على الشكل والطائفة وطريقة الكلام واللطف، لتبقى فقط الصفاة الأساسية الضرورية لنجاتك: مستوى الصدق والضمير! إدعم من هو أفضل بضميره من الآخرين حتى إن لم يكن يحبك او تحبه.

- إذهب مع من تكره إذا قالت المعطيات أن الفرصة للنجاة معه أكبر. تذكر دائما أنها مسألة حياة أو موت لك ولأهلك.

 

مواقفي المحددة

لقد أسست هذه المواقف على متابعتي وتحليلي بقدر ما أستطيع من أمانة مع نفسي، وبشكل مترابط منطقي ومسؤول، وهي اقتراحات لك كمواقف للتبني، لك ان تقبل منها ما تشاء او ترفضها.

- منطلقي أن داعش منظمة إرهابية وحشية. الحياة تحت سلطة داعش مستحيلة لأي إنسان يحترم إنسانيته.

- النظام السوري ليس ديمقراطياً بالتأكيد وفيه فساد كثير.

- الخيار في سوريا بين الأسد وداعش، أما الحديث عن بديل ديمقراطي يطيح بهما معاً، فلا يمتلك أي أساس إلا في أروقة البيت الأبيض. "المعارضة" هذه الأيام تحاول استيراد الديمقراطية من السعودية!

- حين سألت معارضين: "من يفضل ان يعيش مع عائلته تحت حكم داعش على حكم الأسد فليخبرني". لم يجبني أحد! أفترض أنه لا يوجد من يفضل العيش تحت حكم داعش على الأسد. إن كنت تختلف معي في هذا، وتفضل العيش مع عائلتك تحت حكم داعش على الأسد، فلا تضيع وقتك بقراءة بقية المقالة، لأن هذا محور بقية النقاط، وأنت حددت الخندق الذي تقف فيه.

- إسرائيل تريد الدمار التام للبلدان العربية والإسلامية في المنطقة. يمكنك أن ترى قادتهم الأمنيون يصرحون بذلك علنا، وترى برنارد ليفي يدير ثورات الربيع العربي وهو سعيد بنتائجها،

- داعش ليست سوى فرقة عسكرية إرهابية اسرائيلية من مسلمين تم تجنيد معظمهم من الدول الإسلامية التي اخترقت إسرائيل السلطة فيها. يتخيل معظم المجندون أنهم مسلمون ذاهبون للجهاد ثم الجنة. يمكن ان ترى العلاقة بين "المعارضة السورية" وإسرائيل وكذلك تطبيب ألاف الدواعش في مستشفيات إسرائيل.

- أميركا لا خيار لها إلا باتباع الأجندة الإسرائيلية. يمكن مراجعة سلطة الصهيونية في اميركا منذ أكثر من مئة عام، وكيف تعمل أيباك اليوم وكيف يتم ترشيح رجال الكونغرس ورئيس الولايات المتحدة، لترى أن أميركا لا تكاد تستطيع الدفاع عن مصالحها عندما تكون مصلحة إسرائيل مناقضة لها.

- أميركا مع داعش وتعتبرها من قواتها الخاصة. داعش لا يمكن ان تحقق ما حققته إلا بدعم اميركا وإسرائيل. إن لم تقنعك باراشوتات المساعدات لداعش والصواريخ الأمريكية على الجيش والحشد، والتقارير عن الأسلحة والمعدات، والموقف السياسي الأمريكي من مختلف اللاعبين في المنطقة، فربما اقنعتك الغارات الروسية التي اثبتت أن أميركا لم تضرب طلقة واحدة على داعش.

- إذا نسينا بعض الآراء السطحية جداً، فبالتأكيد الأسد ضد داعش والقضية بينهما مسألة حياة او موت. وأيضا إيران ضد داعش بوضوح، ببساطة لأنها كانت ومازالت الداعم الأساسي للأسد في حربه ضد داعش وخسرت الكثير من اجل ذلك. وبنفس الطريقة فان روسيا ضد داعش ايضاً. الكلام عن ضرب روسيا للمقاومة وليس داعش تهمة انتهت مصداقيتها حين ضربت روسيا شاحنات داعش للنفط العراقي والسوري المهرب إلى تركيا، والتي كانت تحت نظر الأقمار الأمريكية!

- حزب الله في خندق إيران – سوريا – روسيا، أي ضد داعش بوضوح وكان بينهما اشتباكات وخسائر كبيرة.

- الأردن والسعودية وبقية الخليج، العاب صغيرة بيد اميركا وإسرائيل، وبالتالي هم في خندقهم، وهم مثل داعش، هراوات إسرائيل وأميركا لتحطيم بلدك وشعبك نهائياً. أحد الضباط العسكريين السعوديين الكبار السابقين يلقي كلمة في مؤتمر تحت عنوان "وجهة النظرة السعودية والإسرائيلية..." أي ان لديهما نفس النظرة! ملك الأردن ذيل إسرائيلي امريكي، فهو في خندق داعش.

- جماعة 14 آذار في لبنان تابعي السعودية واعداء حزب الله، هم مع داعش ليس بالمنطق وحده بل تم امساك نائب منهم يقدم الدعم للإرهاب في سوريا.

- الفرق المهم بين إسرائيل وأميركا من جهة، وهراواتها العربية من الجهة الأخرى، هي أن هذه الأخيرة ليس لها رأي ولا ان تقول كلمة واحدة في الموضوع! هي تؤمر فتطيع بلا تأخير. الاستنتاج من هذا أنه أولا: لا فائدة من التفاوض معها في شيء. وثانيا: لا يجب توقع إمكانية ردعها عن طريق إلحاق الضرر بمصالحها، فهي ستستمر في إطاعة الأوامر بالتدمير بغض النظر عما يكلفها ذلك. يجب ان يكون الضرر شديدا لكي يزعجها شعبها.

- أردوغان في خندق داعش وقد قدم لها الخلفية اللوجستية اللازمة لداعش وتبنى ضرب وتدمير سوريا ووضع بلاده في مواقف محرجة ومكلفة. أن أي رئيس دولة، ما لم يكن عميلا، لا يمكن ان يفعل مثلما فعل أردوغان في تحطيم علاقة بلاده مع جيرانها بحجة الديمقراطية أو أي شيء آخر، ولا ان يعرض بلاده للخطر الكبير بضرب طائرة روسية كانت تقصف داعش وممرات النفط التي تهربها إلى تركيا. أردوغان عميل امريكي يأتمر بأمرهم في كل شيء ومستعد ليس فقط تدمير بلداننا من اجلهم بل تدمير مصالح بلاده نفسها!

- بما ان كل دول التحالف الدولي لمحاربة داعش، هي في خندق داعش، فالتحالف الدولي مع داعش وقد جاء بهدف حمايتها وكل ما يقال عن ضربه لداعش أكاذيب تشويش. انتقاد التحالف واتهامه هو وأميركا بـ "عدم الكفاءة" أو "عدم الجدية" في ضرب داعش، هو أيضاً تشويش على حقيقته، لأنه (وأميركا) جاد بتحقيق أهدافه وليس أهدافك.

- العراقيون الذين يتزاورون مع السعودية والأردن وأميركا، وكل من له علاقة خاصة بهم او بإسرائيل، مثل السوريون الذين يفعلون ذلك: هم في خندق داعش. هم ينتظرون الفرصة المناسبة قبل ان يكشفوا أنفسهم تماما لأنهم يخشون على حياتهم إن كشفوا.

- العبادي جاء به الأمريكان بتنسيق مع كردستان، وأعاد إدخال الجيش الأمريكي والتحالف للعراق. إنه يقف في خندق داعش ويدعمها بقدر ما يتيح له موقفه. أهم مهماته (كما الحال مع من سبقه) هو أن "لا يفعل شيئا" يعرقل مسيرة الدمار للعراق. أن يجمد ويمنع أو يؤجل رد الفعل العراقي مثل الحشد، ويمنع العراق من الصلة مع أصدقائه الطبيعيين في خندق روسيا وسوريا وإيران قدر الإمكان. كذلك يجب أن يمنح العبادي الضباط العملاء الحماية (كما فعل سابقه) وأن يساعد على التخفيف من أثر الفضائح التي قد تحدث مثل اكتشاف القاء المساعدات لداعش او قصف الجيش والحشد. مهمته اليوم منع دعوة الروس لقصف داعش حتى لو كان ذلك يعني آلاف الشهداء واستمرار الاحتلال لبلاده.

- لا يمكن ان يكون هناك مسؤول فاسد ويعارض الأمريكان، خاصة في القوات المسلحة، لذا فوزير الدفاع مع داعش (راجع مقالاتنا عن استجوابه في البرلمان).

- القادة العسكريون الذين سلموا الموصل لداعش تم إعفائهم من المساءلة والعدالة بضغط من الأمريكيين بحجة المصالحة. أغلب القادة العسكريين والأمنيين الكبار الذين تم تعيينهم بتوصية أمريكية، ليسوا سوى عملاء مجندين ينتظرون مهمات مثل أولئك الذين سلموا الموصل. الجيش مخترق ومختلط بين قيادات عميلة للخندق الأميركي الداعشي وأخرى مخلصة، ولا يسهل التمييز بينهما إلا بعد فوات الأوان.

- قيادة كردستان وعلى رأسها مسعود البرزاني جزء خطير من خندق داعش – تركيا – اميركا – إسرائيل. قيادة كردستان مع داعش رغم التمثيليات والتضحية ببعض البيشمركة.

- بشكل عام قادة البيشمركة مع داعش وإسرائيل في كل شيء، وخاصة الذين ترسلهم أربيل للخدمة في الجيش العراقي. فاضل برواري مع داعش ومع الإرهاب فقد كشفته كنيسة سيدة النجاة حيث كان يحمي الإرهابيين وهم يقومون بعملهم إلى ان انتهوا منه (أنظر مقالاتي).

- بما ان أميركا مع داعش فكل ما تخططه هو لخدمة داعش. كل مجموعة عسكرية تدربها اميركا، ستكون في خدمة داعش في النهاية، حتى لو احتوت على متطوعين شرفاء. أميركا لا تدرب فرقاً إلا إذا أملت أن يكونوا في خدمتها في النهاية. كل مجموعة عسكرية مشبوهة على قدر ما بذلت اميركا معها جهدا ووقتا.

- اتحاد القوى بشكل عام، عدا البعض القليل، هو في تفاهم مع داعش، بشكل مباشر مثل أثيل النجيفي أو من خلال القائد العام المتمثل بإسرائيل وأميركا. قيادات الاتحاد مشغولة الآن للتحضير لتحويل داعش إلى "الجيش السني" للمنطقة "السنية" التي يتكلم عنها قادته بصراحة ويتم التنسيق من اجلها مع كردستان والسعودية والأردن. اتحاد القوى تنظيم من أخطر التنظيمات على مستقبل الشعب العراقي.

ما يهدد الشعب العراقي ليس فقط ان يتحطم إلى شعوب عديدة، وإنما أن يتحول سكان المدن السنية بالذات إلى مشردين في الخيام بين الأردن وداعش والسعودية يعادون إلى حالة البداوة لتفتك بهم الأمراض والجهل، وليحكمهم نيابة عن الإسرائيليين أشدهم جهلا وتخلفا مثل الشيخ علي حاتم، بينما يصبح ستعيش المدن الشيعية تحت نفس الفاسدين الذين يصدرون ثروات أرضهم لأسيادهم اليوم ويحثون فيهم الجهل والتخلف الضروري لإدامة استغلالهم ووضعهم في تماس مباشر ودائم مع حدود داعش وفي حالة إرهاب مستمرة.

لقد كان المخطط ان تسير الضحية إلى مذبحها هادئة، لكن الأحداث غير المحسوبة كشفت الحقائق فتغيرت الخطط. ما نراه اليوم من تآمر غير مسبوق في نشاطه وعلانيته، ليس سوى سكاكين الجلادين التي سحبت من غمدها على عجل، للإسراع بذبح الضحية التي بدأت تستيقظ وتشعر بالخطر وبقدرتها على الحركة، وقبل أن تعي ما يدور حولها وتتمكن من الهرب. لقد بدأ تأثير المخدر بالزوال، وتحول الأمر إلى سباق الزمن بين نشاط الجلاد وعزمه، وعزم الضحية وقدرتها على الصحو السريع وشق طريقها بقوة للهرب.

لقد تم حد السكاكين ورفعها، ولن يكون هناك مجاملات ومصالحات وأكاذيب تخدير بعد اليوم. لن يكون هناك سنة وشيعة وعلمانيين وعرب وكرد وعراقيين وأتراك وإيرانيين بل سيكون هناك خندقان فقط: ضحية وجلاد يحمل سكينه! سيكون هناك أصدقاء وسيكون هناك عملاء مهمتهم مسك الضحية لذبحها، ومن حق الضحية أن تدافع عن حياتها بكل ما تمتلك من قوة وشراسة بغض النظر عمن تسحقه قرونها واضلافها!

 

صائب خليل

في المثقف اليوم