آراء

هَلْ يَضِيعُ مَشْرُوع الّبُّولِيسَاريُو عَلَى حَلَبَةِ صِرَاعِ اَلأَجْنِحَةِ بِالجَزَائِر؟

khalid  altajلازالت الصراعات المتتالية لأجنحة الحكم بالجزائر ولاسيما على مستوى أجهزة المخابرات وقيادة أركان الجيش الشعبي، والتي بدأت تخرج إلى العلن تباعاً خصوصا بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال شقيق رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في يوليوز الماضي، ترخي بضلالها على المشهد السياسي مما يجعل أفقه متسما بكثير من الضبابية.

ومما يجعل الوضع السياسي أكثر تعقيدا، هو حالة الشلل التي تشهدها هرمية السلطة بعد الغياب شبه التام للرئيس بسبب المرض أو العجز عن المشهد السياسي لمدة فاقت السنتين مما جعل الكثير من الجزائريين ينظرون إلى الأمر بنوع من التوجس ويطرحون الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام والتكهنات حول صحة ومصير رئيس الجمهورية والسيناريوهات المحتملة لخلافة الرئيس، الشيء الذي جعل في نفس الوقت الجزائر بمثابة مسرح مفتوح لتصفية الحسابات بين مختلف القوى النافذة بالبلاد، ولا أدل على ذلك إقالة رجل الجزائر القوي ورئيس مخابراتها السابق محمد لمين مدين والمعروف بالجنرال توفيق بعد قضاءه لأزيد من 25 سنة من الخدمة بالجهاز والمعروف بتحفظاته على الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة وتعويضه بالجنرال عثمان طرطاق، وبالتزامن مع ذلك محاكمة الجنرال حسان وتغيير قائد جهاز الدرك ومسؤول مديرية الأمن الرئاسي وقائد الحرس الجمهوري وقائد مديرية الأمن الداخلي.

وتأتي كل هذه التغييرات كتعبير من طرف قصر المرادية على الرغبة في الحد من نفوذ جهاز المخابرات وإعادة الاعتبار لمنصب رئاسة الجمهورية، غير أن الأمر يعتبر مدعاةً للتساؤل في نظر الكثير من الباحثين والمتتبعين عن سر قوة وجرأة هكذا قرار والواقفين وراءه في ظل تدهور صحة رئيس الجمهورية، غير أن الأمر يبدو أكثر تعقيدا مما يبدو، كما أن المسألة لا تخرج عن نطاق الصراع بين هيئة الأركان وجهاز المخابرات، وهي صراعات تبدو طبيعية جدا في ظل أنظمة سياسية ذات بنية أمنية.

غير أن نتائج هذه الصراعات وانعكاساتها على المستقبل السياسي الجزائري تبدو مفتوحة على جميع السيناريوهات وقد تكون غير محمودة العواقب كما أنها قد تلقي بظلالها على المحيطين الخارجي والداخلي، خصوصا إذا أخذنا بالاعتبار حالة الاحتقان الشعبي في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة الناجمة عن انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية إلى مستويات قياسية، ناهيك عن التحديات الأمنية في ظل تمدد أنشطة تنظيم "داعش" على الأرض الليبية المجاورة أو نشاطات تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي جنوب البلاد على امتداد الصحراء الجزائرية وباقي التنظيمات الجهادية في شمال مالي على مقربة من الحدود.

غير أن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق، هو ما موقع جبهة البوليساريو في ظل كل هذه الأوضاع والمتغيرات التي تعرفها الساحة الجزائرية؟ وهل ستنعكس هذه المتغيرات على حالة التبني والدعم اللامحدود الذي لطالما حضيت به الجبهة منذ نشأتها من قبل المؤسسة العسكرية وأجهزة السلطة على حد سواء؟

واقع الحال، وظاهريا تبدو قضية البوليساريو بمثابة خط أحمر و محاطة بنوع من التقديس من قبل المؤسسة العسكرية الجزائرية وجهاز المخابرات على حد سواء، غير أن ذلك لا ينفي وجود صحوة جزائرية متصاعدة حتى وإن بدت محتشمة في هذا الصدد، كما لا يعني أن العديد من الفعاليات السياسية بدأت تعبر عن امتعاضها من هذا الدعم اللامحدود لتنظيم البوليساريو في ظل مشاكل البطالة وتدني الخدمات الاجتماعية التي ترزح تحتها فئات واسعة من الشعب الجزائري ،وجدواه على الأمن القومي الجزائري والاندماج المغاربي على المديين المتوسط والبعيد، ولعلّ ما يزكي هذا الطرح هو الموقف المثير للجدل من قضية الصحراء المغربية للأمين العام لحزب جبهة التحرير عمّار السعداني، وموقف زعيمة حزب العمّال السيدة لويزا حنون بالإضافة إلى المواقف المتضاربة للتيار الإسلامي في عمومه من القضية والمتجسد أساسا في حركة مجتمع السلم (حمس).

ولعلّ من مظاهر هذه الانعكاسات التي يشهدها الواقع السياسي الجزائري على نظيره في جبهة البوليساريو باعتبارها بنية لا تختلف كثيرا عن باقي البنيات السياسية للأنظمة الشمولية والدكتاتورية عبر العالم، هو الصراع على هرمية السلطة وأزمة خلافة الزعيم محمد ولد عبد العزيز، حيث لازالت التكهنات تتأرجح بين زوجة الزعيم والجنرال ولد البوهالي في ظل حالة الاحتقان ذاتها التي تشهدها مخيمات تندوف على إثر انسداد الأفق السياسي وتعثر مسار المفاوضات غير المباشرة بسبب تعنت مواقف التنظيم، وتدني الخدمات الاجتماعية والتلاعب في المساعدات الإنسانية ...الخ.

يأتي كل ذلك في سياق عقد مؤتمر البوليساريو الذي سيأتي هذه المرة في ظل ظروف سياسية دولية بالغة التعقيد، وقبل شهور فقط من رفع المبعوث الأممي إلى الصحراء كريستوفر روس لتقريره الدوري للأمين العام للأمم المتحدة (حيث أثبتت مهمته محدوديتها في نظر الكثير من المتتبعين للملف)، لا سيما مع تنامي التحديات الأمنية، وفي ظل الانحصار الملموس في حجم الدعم المادي المقدم للجبهة خصوصا مع انهيار نظام القذافي الذي لطالما وُصف بأكبر الداعمين، والمتغيرات السياسية التي تعرفها دول داعمة ككوبا لاسيما مع تنامي التيارات الليبرالية المعارضة لنظام الرئيس راؤول كاسترو، أو فوز تحالف أحزاب المعارضة بفنزويلا في الانتخابات الأخيرة، وما يعنيه ذلك من إمكانية حدوث تغييرات في المواقف السياسية الداعمة لمشروع الجبهة خصوصا إذا ما قوبلت بأنشطة دبلوماسية مغربية موازية ومكثفة على مستوى أمريكا اللاتينية لشرح وجهة النظر المغربية حول الصراع المفتعل.

حتى وإن بدى من الصعب التكهن بمستقبل مشروع التنظيم على مستوى دوائر صنع القرار بالجزائر على المدى المنظور بسبب قتامة الأفق السياسي بالبلاد، غير أن الحقيقة الأكيدة التي لا تقبل الجدال هي أن مشروع البوليساريو قد صار بالفعل يشكل عبئا اقتصاديا يثقل كاهل خزينة الدولة في ظل حالة الاحتقان الشعبي والمطالب المتزايدة لشعب "القبايل" في تقرير المصير والتحديات الأمنية الحقيقية المحدقة بالبلاد والتي تتطلب تنسيقا وتعاونا وثيقا مع دول الجوار، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد، والتراجع القياسي في أسعار النفط والغاز وما يعنيه ذلك من تراجع العائدات المالية وبالطبع المساعدات المادية والعسكرية المقدمة للجبهة والتي بدون أدنى شك لن تكون إلى ما لانهاية.

 

خالـد التـاج

في المثقف اليوم