آراء

برج فيروز مسور وعالي

saieb khalilالهجوم التشهيري البشع ضد فيروز، ذكرني بهجوم مماثل هنا في هولندا على السيدة كريتا دوزنبرغ، زوجة رئيس البنك الأوروبي الراحل. حدث ذلك قبل سنوات حين تجرأت كريتا واستجابت لمشاعرها الإنسانية وخجلت ان تقف على الحياد في إحدى الهجمات الوحشية الإسرائيلية على غزة، فرفعت العلم الفلسطيني على شرفة منزلها! لم تشفع لكريتا مكانة زوجها وعلاقاتها وعلاقات زوجها الكثيرة مع اليهود ومع كبار رجال المال والسياسة في هولندا والعالم، فانهال عليها الإعلام ببشاعة لم تر هولندا مثلها في تاريخها.

لم يكن الهجوم التشهيري البشع على فيروز "بلا مبرر" كما قد يتخيل غير المتابعين، وإنما جاء إثر نقل ابنها زياد عنها أنها تدعم السيد حسن نصر الله قبل بضعة أسابيع.

وفي ذلك الحين ثارت أيضاً ثائرة الضباع وهاجمت فيروز وهاجمت زياد نفسه لنقله تلك الكلمة عن والدته! وقد اصابتني الدهشة عندما قرأت عن ذلك في حينها. فبالنسبة لي، فأن السيد حسن نصر الله، كما أراه، ليس فقط رمز إسلامي وعربي، وإنما من الرجال الذين يحق للإنسانية أن تفخر بهم، كمناضلين أشداء بوجه الظلم وكشخصيات في غاية النقاء وصفاء الرؤية. دهشت حينها لأنني لطالما تعجبت كيف أن بلداً فيه مثل السيد حسن نصر الله ويمكن ان ينتخب الناس فيه شخص آخر، دع عنك أن ينتخب النماذج التي تقف وراء العمل القذر ضد فيروز.

لكن ان تركنا دهشتي لشأنها، فليس هذا الهجوم على فيروز مستغرب ولا بشيء ناشز عما يحدث في لبنان، فقد تبين ان فيروز كانت قلقة من كشف زياد لرأيها بالسيد حسن نصر الله ويقال إنها وبخته، فالحديث في لبنان عن نصر الله بغير الشكل الذي تريده إسرائيل والسعودية، يكلف صاحبه الكثير! ولقد سبق ان شاهدت الشاعر الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم يحاصر في أحد البرامج التلفزيونية التافهة ويطالب بتوضيح لرأيه الإيجابي بالسيد حسن نصر الله، والشاعر يدافع عن نفسه كمن ارتكب ذنباً وهو يحاول أن يشرح لمجموعة الشباب الفارغة لماذا هم مخطئين برأيهم بحسن نصر الله.

عندما كان ابطال حسن نصر الله، "صادقي الوعد" الذين ادهشوا العالم واضطر حتى المعتدون إلى الإقرار ببطولتهم، عندما كان هؤلاء يذودون عن بيروت كما الأسود عن عرينها، كان قادة خندق التشهير يرتكبون فاحشة الاتصال بالعدو واعطائه المعلومات كيف يجب ان يضرب وأين. وعندما كانت بيروت تعض على شفتيها الماً تحت ضربات الهجوم الوحشي وتستصرخ العالم ان يوقفه، كان فؤاد السنيورة يستقبل كونداليزا رايس ويصرخ انه "لا وقف لإطلاق النار حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي"! رغم أنه لم يكن "يطلق ناراً"! كان يأمل بأكثر مما تأمل إسرائيل ذاتها: أن يتم اغتيال المقاومة نهائياً! وكان حزينا أكثر منها أن ذلك لم يتم.

لا أحد يخجل أو يخشى شيئاً من أن يقول كلمة حب عن السنيورة هذا في لبنان، ولا عن سعد الحريري الذي لا يعرف القراءة باللغة العربية، والمدان بتزوير الشهود. ولا تتحرج كردستان حين تدعوا القاتل المدان سمير جعجع ليلقي خطاباً في الأخلاق والمجتمع في إحدى قاعاتها التي تكتظ بقياداتها، لكن احداً لا يجب أن يجرؤ أن يقول كلمة حب في رمز كرامة لبنان ومحررها، السيد حسن نصر الله، حتى فيروز ذاتها!

إن المستهدف اليوم هو شعوب هذه المنطقة واوطانها، لذلك تصاحب هجمات داعش، هجمات إعلامية على كل ما يشد تلك الشعوب ببعضها البعض من قومية ومن دين ومن رموز، وبخاصة رموز الكرامة، فكرامة المدافعين هي أشد ما يزعج المعتدين، وأشد ما يكشف بشاعة من لا كرامة له من المتعاونين معه.

قالت ريما الرحباني، ابنة فيروز في نهاية دفاعها عن والدتها، ان "محاولات تسييس فيروز كلها فاشلة." ويبدو أن السيدة ريما هي الأخرى متنكرة لحق والدتها فيروز، في ان تقول رأيها "السياسي" وكأن الموقف السياسي خطأ معيب. كأن البقاء على الحياد في معركة الدفاع عن الوطن وعن كرامة الإنسان، أمر نبيل واتخاذ موقف هو أمر مشين، إلا أن لمارتن لوثر كنك رأي معاكس تماما.

لكن هل تحتاج فيروز لمن "يسيسها"؟ هل وقفت فيروز التي نعرفها يوماً على الحياد؟ هل كانت يوماً إلا "مسيسة"؟ أليست هي التي غنت أجمل ما غني عن فلسطين، زهرة المدائن؟ والأوبريت الرائع "راجعون"؟ ألم تكن مسرحياتها كلها مواقف سياسية من "المحطة" إلى "ميس الريم" إلى "بياع الخواتم"؟ هل وقفت يوما خجلة أو مترددة في الدفاع عن الوطن؟ ألم تكن هي التي هتفت "سيف فليشهر" وأنشدتنا اروع ما كتب عن الوطن؟ هل تعرف ريما قصة اغنية "زهر البيلسان" ياترى؟

كريتا ربما من عمر فيروز، ولم تزحزح الهجمات البشعة كريتا عن موقفها بل فتحت عينها على بشاعة ما يجري للفلسطينيين وحولتها إلى ناشطة رائعة، وبقيت كذلك. وفيروز لم تكن فقط صوتاً رقيقاً يفتتح به العرب صباحاتهم ويشجعهم على بدء يوم جديد بتفاؤل، بل انشدت المناضلين من أجل الحق، أولئك الذين "وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان، وحدهن بيقطفوا وراق الزمان".. ستبقى فيروز لنا رمزاً إنسانياً كريماً، وعطاءاً ابدياً، فأغنية واحدة منها قادرة على إزاحة كل ما تلوث به الكائنات المسخ نفوسنا. ستبقى فيروز لنا وسيبقى "برج الحمام مسور وعالي"... لا تصله الأقزام!

 

صائب خليل

............................

انحطاط الإعلام اللبناني لم يوفّر فيروز!

http://www.al-akhbar.com/node/248031

- فيروز - راجعون –

- https://www.youtube.com/watch?v=quWhx87Bjhs

- أوبريت جسر العـودة - فيروز

- https://www.youtube.com/watch?v=R8_3tMH8SB8

- فيروز || سيف فليشهر

- https://www.youtube.com/watch?v=KyD-Gw21x8s

- فيروز - زهرة المدائن

- https://www.youtube.com/watch?v=6U-V6CEXhGg

- فيروز _ شوارع القدس العتيقة

- https://www.youtube.com/watch?v=wVmJmODiCVo

- فيروز سيف فليشهر

- https://www.youtube.com/watch?v=diqnnXUUHcA

- فيروز - الغضب الساطع

- https://www.youtube.com/watch?v=1-7OYZDPGqM

- فيروز وطني

- https://www.youtube.com/watch?v=ip8TxFPlOFM

 

 

 

في المثقف اليوم