آراء

العراق وسوريا هل هماعلى طريق التقسيم ام وحدة المعركة؟

munir alchalabiيتسارع تطور الاحداث بشكل غير معهود في شدتها ودمويتها في الساحتين العراقية والسورية، غير ان اهم ما يميزها هو الارتباط المتزايد بين هاتين الجبهتين وهذا ما يحتم علينا البحث في النقاط التالية في هذا التحليل من اجل فهم اسباب هذا الارتباط بين الساحتين.      

1- تطور الوضع السياسي في العراق- انقضى اكثر من 12 عام منذ بدا الاحتلال الانكلو امريكي المباشر للعراق في 9 نيسان 2003 والبدا بما سميي بالعملية السياسية في العراق، بدء بالمرحلة الاولى التي استمرت عام واحد من الاحتلال المباشر والكامل للعراق ثم انتقالها الى المرحلة الثانية بتطبيق ما سمي "بالعملية السياسية" بمراحلها المتتالية لتبلغ شكلها الحالي المستند على نضام "المحاصصة الطائفية" والتقاسم الثلاثي للسلطة والتبعية للمخططات الاجنبية .    

لقد تم بناء وتطوير "العملية السياسية" القائمة منذ بدء الاحتلال الانكلو الامريكي للعراق عام 2003 على الاعتماد بصفة عامة على السعي لبناء وتطوير احزاب عراقية طائفية شيعية وسنية وكردية تقاد من قبل اشخاص وفئات فاسدة اساسا ولكن بواجهات دمقراطية، ساهم الاحتلال على تطويرها من اجل مساعدته في السيطرة الاقتصادية والسياسية والامنية وربط وجودها ومصالحها به لكي يضمن الابقاء على سيطرته الكاملة على الدولة والمجتمع العراقي .

ان مرور اكثر من 12 عاما على سقوط بغداد والسيطرة الامريكية/البريطانية على المرافق الاساسية للمجتمع العراقي، و10 اعوام على تمرير دستور كتب من قبل مؤسسات الاحتلال ومفكريه بشكل حاذق وقد تمت ترجمة اجزاء منه من اللغة الانكليزية الى العربية مرورا باستفتاء لم تكن غالبية فئات الشعب قد اطلعت عليه وفهمت محتواه. هذا الدستورالذي رسخ عملية بناء وتقسيم العراق الى دويلات طائفية ضعيفة ومتناحرة وضمن مشروع المحافظين الجدد في حينه ثم انتقل ليصبح جزء من مشروع بايدن الصهيوني للتقسيم الثلاثي للعراق الذي خطط له ليؤدي الى ان يتحول العراق في الواقع الى "كونفدرالية من ثلاث دويلات طائفية" متناحرة فيما بينها، فواحدة كردية وثانية شيعية وثالثة سنية سميت اعتباطا بالفدرالية وهي ابعد ما تكون في واقعها عن التكوين الفدرالي المعترف به دوليا.

لقد تحولت معضم القيادات السياسية للاحزاب العراقية في العملية السياسية الممثلة للطوائف الثلاث الى قيادات "اقطاع سياسي فاسد" ومرتبط مصلحيا ببقاء السيطرة الامريكية/الغربية على كل مرافق الحياة الاقتصادية والسياسية فيما تبقى من العراق.

ويجب ان نذكر هنا بانه لا توجد دولة في العالم تريد بناء هيكليات واسس الدولة الوطنية ويكون رئيس جمهوريتها ونائبيه ورئيس وزرائها ونائبه ورئيس مجلس نوابها واهم وزرائها كوزراء النفط والمالية والكثير من قادتها الاقتصاديين والسياسيين وحتى العسكريين هم اصبحوا ايضا مواطنين في دول اجنبية اخرى ساهمت في تدمير واحتلال بلدهم الاول العراق، وقد حصلوا على موطنيتهم الجديدة بناء على طلباتهم هم وحسب ما اقتضته مصالحهم الشخصية، وبالتالي اصبحت جنسيتهم العراقية من الدرجة الثانية وولائهم الحقيقي هو على الاغلب للدول التي اكتسبوا جنسياتها بطلبهم وعلى الاخص حملة الجنسية البريطانية. ان هنالك بعض دول اوربا الشرقية اصبح لها رؤساء جمهوريات يحملون الجنسية الامريكية كما هو الحال في اوكراينا وجمهورية الجيك وجورجيا وغيرهم، غير ان هؤلاء الرؤساء يعلنون علنا كونهم جزء من مشاريع السيطرة الامريكية من خلال سوق التجارة الحرة والسوق الاوربية وسعيهم لدخول حلف الناتو العسكري، ولا يدعون انهم يعملون لمصلحة بلدانهم الاصلية فقط كما يدعي حملة الجنسيات الثنائية وحتى الثلاثية من كبار المسؤلين العراقيين الحاليين.

لقد اثبتت السنوات 12 الماضية ان هذا "النظام الفاسد لا ينفع معه الاصلاح" وهو في حاجة الى تغيير شامل وجذري.        

2- بدء مرحلة الاحتلال الامريكي المباشر الثاني للعراق- منذ بدء داعش في 8 سبتمبر 2014 هجومها للسيطرة على الاراضي وابار النفط التي كانت بيشمركة مسعود قد استولت عليها في 10 حزيران 2014 ،بدات الادارة الامريكية عملياتها للسيطرة العسكرية الامريكية المباشرة ثانية على العراق بعد ان كانت قد سحبت قواتها في نهاية عام 2011 . لقد بدات بسيطرت القوات الجوية للولايات المتحدة بشكل كامل على الاجواء العراقية، ثم تم اضافت اكثر من 5،100 جندي على الارض العراقية في المنطقة الخضراء وقواعد سبايكر والحبانية وعين الاسد حسب اعترافات مسؤلين اميركيين ومسؤلين عراقيين في وزارة العبادي في نهاية عام 2014 .ثم تلاه اضافت 4،500 من مشات البحرية الامريكية في بداية عام 2015 كانوا ينتضرون في الكويت (وهم على الغالب قد يكونوا قد دخلوا العراق سرا؟) . ويضاف اليهم الوف اخرى من العسكريين باسم تدريب البيشمركة في اقليم كردستان ومنهم المئات من الاستراليين والكنديين والنيوزلنديين والبريطانيين والالمان والايطاليين وو ،وهكذا نكون قد عدنا الى التواجد المباشر لقوات الاحتلال على الارض العراقية ثانية بشكل مقارب لما كانت عليه الاوضاع في اعوام ما بين 2003 - 2011 ولو باقل عددا لحد الان. ان الغرض من ايجاد داعش وما تلاه من اعادة التواجد الامريكي المباشر في العراق مرورا بالانقلاب الذي اتى بحكومة العبادي واحزاب التقسيم الكونفدرالي للعراق والسيطرة الكاملة على العملية السياسية كان بمجمله واساسه من اجل تمرير مشروع "كونفدرالية الدويلات الثلاث" في العراق.

غير ان المرحلة الاخيرة من المشروع الامريكي لتفتيت العراق الى دويلات طائفية متصارعة فيما بينها ضمن كونفدرالية ضعيفة، قد تعرقل تنفيذه بشكل كبير بعد السرعة في تكوين الحشد الشعبي والاسناد والدعم الايراني السريع والكبير في كل المجالات للحشد الشعبي اضافة الى دعم حزب اللة اللبناني المحدود لها والدعم الايراني والروسي للحكومة في بغداد.                  

3- تكوين الحشد الشعبي-ان الحشد الشعبي هو العنصر الجديد الذي غير موازين القوى السياسية على الارض تماما، والسؤال هنا عن مستقبل هذه التنضيمات الوطنية وعن امكانية تطورها وتحولها الى مثيل لحزب اللة اللبناني؟

ان تكون الحشد الشعبي ما هو الا ردت الفعل الوطنية والجماهيرية الناتجة عن الفشل الكامل للعملية السياسية الحالية الفاسدة والمسيطرة على مقاليد الحكم.

غير ان الحشد الشعبي يحتاج لتطويره ليضم بشكل اوسع من العناصر والقبائل السنية والوطنية غير الطائفية سبق ان قاتلت ضد الاحتلال الامريكي وداعش، ويجب ان يتوسع هذا التواجد السني بشكل اكبر بكثير من تواجده الحالي الذي يضم بعض القبائل السنية كالبو نمر والعبيد والبو فهد والجفانة والبعض من الجبور وغيرهم.

ان القوى العراقية مقسمة الى معسكرين يضم الاول قوى المقاومة كالحشد الشعبي وعلى الاخص عصائب اهل الحق بقيادة الشخصية الوطنية قيس الخزعلي، ومنضمة وبدر وحزب اللة العراقي وقوى وطنية اخرى كبعض القوى الوطنية السنية اضافة الى عدد من النواب من داخل القوائم المختلفة في مجلس النواب منهم النواب الخمسة لكتلة صادقون ونواب من كتلة بدر اضافة الى اخرين كالنائب عالية نصيف وحنان الفتلاوي وقاسم الاعرجي وكاظم الصيادي واخرين. واما المعسكر الاخر فيضم قيادات معضم الاحزاب السياسية المتعفنة من الطوائف الثلاث والمنضمة ضمن العملية السياسية في بغداد واقليم كردستان وعلى الاخص الحزب الدمقراطي الكردستاني(حزب مسعود) والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى(كتلة المواطن)، وكتلتي المطلك والنجيفي السنيتين .

لقد كان تحرير مناطق حزام بغداد ومحافظة ديالى ومعضم محافظة صلاح الدين بواسطة الحشد الشعبي ضربة كبيرة للمشروع الامريكي لاعادة السيطرة الامركية المباشرة وتقسيم العراق وخلق دويلة سنية مشابهة لدويلة اقليم كردستان وترك الجنوب لدويلة شيعية، وللاستمرار بالعملية السياسية الفاسدة في بغداد.

ان القوى المقاتله الحقيقية لايقاف تمدد داعش ومشروع التقسيم هي اساسا القوى الوطنية المنتظمة ضمن الحشد الشعبي ومسندة من قبل بعض قوات من الشرطة الفدرالية (وليس المحلية) وبالاشتراك مع بعض قطعات في الجيش العراقي. اما بشيمركة مسعود البرزاني وما يسمى بقوات التحالف وبعض قطعات الجيش كالفرقة الذهبية التي ساهمت مساهمة اساسية في تسليم مدينة الرمادي لداعش فهي تعمل اساسا لتنفيذ مشروع التقسيم ولضمان استمرارية بقاء داعش في المناطق ذات الاغلبية العربية السنية ومنعها من دخول مناطق اقليم كردستان وما يحاذيه من مناطق نفطية اطلق عليها مسعود اسم المناطق المتنازع عليها.

ان تكون الحشد الشعبي وتبلور القوى الجديدة الفعالة في المجتمع العراقي ان تمكنت في الاشهر القادمة من ضم قوى وطنية من العرب السنة، سيمكنها الانتقال لتصبح قوى اساسية وفعالة لتغير مستقبل العراق وتمكنه من الخروج من الماسات الوطنية والاقتصادية والسياسية الحالية المتمثلة بما سمي "بالعملية السياسية" المستندة اساسا على التقاسم الطائفي للعراق الذي اثبتت 12 عاما الماضية فشله الكامل في بناء عراق مستقل واصبح طريقا واضحا لتقسيم العراق على اسس عرقية وطائفية.

ان الانتصارات الاخيرة التي حققتها قوى الحشد الشعبي ضد داعش قد خلقت وضعا جديدا ولاول مرة منذ 8 شباط 1963 حيث اعطت الامل بايجاد قوى جماهيرية وطنية مسلحة على شاكلة مشابهة "لحزب اللة اللبناني" قادرة على اخراج العراق من النفق المظلم الذي يمر به العراق منذ 8 انقلاب شباط 1963 والاحتلال الامريكي ولما سمي بالعملية السياسية الفاسدة التي تسير بالعراق نحو التقسيم المؤكد وفق مشروع بايدن الصهيوني.        

4- الموقف من شعارات تقرير المصير- يجب على اي وطني ودمقراطي عراقي معادي للمشاريع الاستعمارية لتقسيم العراق ان يرفض ما يسمى بشعار "حق الانفصال" المطروح مرحليا من قبل الاحزاب الرجعية الكردية لاكراد العراق او للطائفة العربية السنية او الشيعية في العراق. اذ ان هذا الشعار المطروح بين فترة واخرى من الاحزاب الرجعية والمرتبطة بالمشروع الامريكي من اجل تفتيت الدولة العراقية هو في حقيقته لا يعني سوى السير والموافقة على مشروع التقسيم الثلاثي للعراق باسم "حق كل قومية او طائفة بتقرير مصيرها". انه في احسن الاحوال سيؤدي في العراق الى طريق دموي قد يكون اسوا مما حدث ليوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي تحت نفس الشعارات الكاذبة والمطلية بالصبغة الدمقراطية وحق تقرير المصير المزيفة.

ان القول بان مطالبة نسبة كبيرة من الشعب الكردي في كردستان العراق بالانفصال عن العراق هو جزء من حق "تقرير المصير" وهو حق مشروع، ليس اقل من مؤامرة الغرض منه هو تقسيم العراق على شاكلة ما جرى في انفصال جنوب السودان باسم حق تقرير المصير وما تلاه من كوارث اصابت شعب جنوب السودان قبل شماله وان خطوة الانفصال الكردية ان حدثت في العراق فلن يمكن بعدها التراجع عنها كما هو الحال مع جنوب السودان تماما.

كما اننا يجب ان لا ننكر بان الاحزاب السنية المرتبطة بالمخطط الامريكي الصهيوني كاتحاد القوى (كتلة المطلك) وكتلة متحدون (كتلة النجيفيين والعبيدي) قد نجحت في ان تصل الى تمثيل السنة العرب في العراق الى حد كبير مستفيدين من الفتنة الطائفية التي ادت الى وجود ارضية متعاطفة مع داعش في مناطقهم، وهم يدعون لتكوين اقليم سني له نفس صفات اقليم كردستان وصلاحياته وبالتالي علينا الموافقة على هذا الاقليم السني كجزء من حق تقرير المصير لسنة العراق، وبالتالي سيترك الجنوب كاقليم شيعي كتحصيل حاصل.

ان العدو الاساسي للجماهير الواسعة من شيعة العراق هم الاغلبية الساحقة لقيادات كتلة المواطن الطائفية بمجموع اشخاصها وعلى راسهم ال الحكيم اضافة الى بعض القيادات والفئات الفاسدة في دولة القانون والكتلة الصدرية. والعدو الحقيقي للجماهير العربية السنية هم قيادات كتلة متحدون من ال النجيفي والعبيدي وكتلة اتحاد القوى لال المطلك والاخوان المسلمين. وان عدو الجماهير الكردية هما حزبي ال البرزاني وال الطلباني الذين تكونوا بشكل او اخر منذ بداية الستينات من القرن الماضي وكانوا على ارتباط مستمر بالقوى الاستعمارية والاقليمية الرجعية .

ان اي وطني عراقي يجب ان يرفض ويقاوم ويفضح مساعي الحزبين الكرديين في رفع شعار الانفصال لاقليم كردستان وكذلك موقف كتلتي متحدون واتحاد القوى السنيتين لاقليم سني، وبالتاكيد ضد موقف كتلة المواطن(ال الحكيم) في الدعوة لاقليم البصرة اولا من اجل الوصول الى اقاليم الجنوب الشيعية.  

ان الصراع هو بين المخطط الامريكي المتمثل في القوى الاساسية المكونة لحكومة العبادي والساعية للتقسيم الثلاثي للعراق، والخط الوطني المتمثل في مختلف القوى الشيعية والسنية في الحشد الشعبي لمحاربة مشروع التقسيم الصهيوني للعراق.

5- ان بعض القوى الوطنية العراقية يجب ان تتوقف عن الحلم بامكانية اصلاح "العملية السياسية" الحالية في العراق والتوهم بان هذه العملية يمكن ان تؤدي الى التوصل الى حكم ديمقراطي وطني بمرور الوقت، متناسين بان هذه العملية السياسية قد مضى عليها اكثر من 12 عام وان الوضع السياسي والاقتصادي يزداد سؤا بمرور الوقت ولا يوجد اي امكانية في ان تتحول هذه العملية السياسية الفاسدة الى عملية بناء وطن لجميع ابناءه وليس لمصلحة القيادات السياسية الفاسدة التي لا امل في اصلاحها حيث ان هذه العملية السياسية اصبح يديرها ويسيطر عليها "اسوا السيئين" من الحركات السياسية العراقية.          

6- الوضع السوري- لن اقوم بشرح مفصل لتطور الوضع السوري الداخلي والحرب على سوريا والتي استمرت لاكثر من اربع سنوات ونصف والتي ادت الى تدمير هائل للبنية التحتية للمجتمع والاقتصاد السوري وهجرة الملايين من المدنيين السوريين وازهقت ارواح ما يزيد عن 200 الف سوري حيث كنت قد تطرقت الى الكثير من جوانبها في تحاليل سابقة.

غير انه من الضروري التطرق الى التطور الاخير في بعض جوانب الحرب ومن اهمها الدخول الروسي المباشر في الحرب على سوريا - ان الكثيريين وخاصة من تجاوزت اعمارهم الخمسين ما زالوا يتوهومون بان سياسة الدولة الروسية الحالية هي مشابهة لما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفيتي وهذا غير صحيح. فروسيا الحالية هي دولة راسمالية وليس اشتراكية وبالتالي فان اسس بناء سياساتها الخارجية تختلف عما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفيتي. ان ما جعل الدولة الروسية تاخذ هذا الموقف الحازم في اسناد الدولة السورية هو ليس محاولة لتكوين جبهة معادية للسياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط على شاكلة ما كان يمكن حدوثه سابقا، بل هو اولا بسبب تفاقم الخطر الحقيقي الذي اصبحت تشكله التنضيمات الارهابية الوهابية/ السلفية في سوريا والعراق من امثال داعش والنصرة وغيرها بشكل مباشر على الامن القومي الروسي.

وثانيا فان هذه السياسة هي للدفاع عن مصالح الدولة الروسية في الوصول الى المياه الدافئة حيث ان نجاح المؤامرة الغربية في سوريا كان سيعني سقوط اخر بلد صديق تاريخيا لروسيا في منطقة الشرق الاوسط وانهاء اخر تواجد عسكري روسي في المنطقة المتمثل في القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري.

ان الدخول الروسي المباشر في جانب الدولة السورية قد غير موازين القوى في الحرب على سوريا ومنع احتمال نجاح القوى الارهابية في السيطرة على الدولة السورية وخاصة بعد تزايد حجم الدعم الايراني وحزب اللة اللبناني المباشر للدولة السورية. غير ان مهما كانت اسباب الاندفاع الروسي للوقوف ضد انتصار قوى الارهاب الوهابي فهو يشكل دعما اساسيا لافشال المشروع الامريكي الصهيوني لاسقاط الموقف السوري المقاوم .              

7- الارتباط بين العراق وسورية وانتهاء اتفاقية سايكس/بيكو- لقد اثبت تمدد وانتشار عمليات داعش في سوريا والعراق على ان الحدود السياسية التي رسمتها معاهدة سايكس/بيكو بعد الحرب العالمية الاولى هي حدود سياسية شبه وهمية نسجها الاستعمارين البريطاني والفرنسي نتيجة للحرب العالمية الاولى لتقاسم هاتين الدولتين فيما بينها من ضمن مخلفات الدولة العثمانية التي انهارت تماما في تلك الحرب.

ان كان هنالك شئ ايجابي لضهور داعش فهو انها اثبتت ان الساحتين السورية والعراقية هي ساحة كفاح وحرب واحدة،اذ ان الشعبين السوري والعراقي هم في معركة واحدة وان عدوهم واحد وان مصالحهم واحدة وبالتالي فان مرور قرن على معاهدة سايكس/بيكو لم يتمكن من فك الارتباط بين تاريخ البلدين والوحدة التاريخيه بينهما. هذا الارتباط الذي كان قد استمر الى قرون عديدة منذ تكوين الدولة الاموية ومركزها الشام، ومن ثم العباسية ومركزها بغداد والتي امتدت لتضم كل بلاد الشام، وقد امتد هذا الارتباط لاربعمائة سنة اخرى ضمن الدولةالعثمانية .

ان ردنا على كل المحاولات والمخططات الصهيونية/ الانكلو امريكية لتقسيم العراق الى ثلاث دول وتقسيم سوريا الى اربعة دول او اكثر، يجب ان يكون هو ان سوريا والعراق هي ساحة واحدة ومعركتها واحدة وعدوها واحد، ولذا فان مصيرها واحد وبالتالي فان الصراع في كل من العراق وسوريا يجب ان يكون من اجل ان تتجه لكي تتحول كل من سوريا والعراق الى "دولة فدرالية واحدة" وليس العكس.                  

8- الموقف التركي من العراق وسوريا - ان تركيا تريد احياء وضم "ولاية الموصل العثمانية" اليها ( الولاية التي كانت تضم محافضات نينوى واربيل ودهوك وجزء من كركوك وصلاح الدين) ولهذا فان اردوغان وقف منذ شهر اذار ضد قيام الحشد الشعبي بتحرير تكريت والموصل من داعش، وما التوغل العسكري التركي الاخير الى عمق محافظة نينوى وصولا الى مدينة الموصل ما هو الا خطوة متقدمة في هذا المشروع.

وكذلك كان موقف تركيا في الشمال السوري من خلال دخولها المباشر في اسناد كل من يحمل السلاح ضد الدولة السورية وعلى الاخص في محافضة حلب التي كانت تركيا تعمل منذ سنين بمختلف الاساليب على فصلها من سوريا وضمها لتركيا. ان التدخل التركي في كل من شمال سوريا والعراق كان سيعطي تركيا امكانية السيطرة على شمال سوريا اضافة الى شمال العراق وهو سيعطي تركيا معضم مناطق النفط والغاز في سوريا وشمال العراق.                          

9- ان الصراع الداخلي الجاري وباسناد خارجي في معظم الدول العربية هو ليس صراع بين الشيعة والسنة كما يروج له البعض. بل هو صراع سياسي بين جبهة الممانعة والمقاومة في المنطقة لمشروع السيطرة الامريكية/الاسرائيلية عليها والذي تقوده ايران ويضم كذلك كل من سوريا وحزب اللة اللبناني وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية وانصار اللة في اليمن وقوى الحشد الشعبي في العراق من جهة ويحضى هذا المحور باسناد روسي وصيني متزايد.

اماالمحور الثاني فيضم الدول والقوى العاملة ضمن الخط الامريكي الذي يضم دول النيتو وتركيا بوجه الخصوص والسعودية ودويلات الخليج وما يسمى بسلطة رام اللة والانظمة الرجعية المرتبطة بالغرب كالنظامين الاردني والمغربي .

ان نجاح المشروع الامريكي الوهابي في اعطاء "الصبغة الطائفية" للصراع السياسي الحالي في كل من العراق وسوريا ولبنان انطلاق من التواجد المزدوج للطائفتين في هذه الدول لا يعني بان هذا الصراع هو طائفي في حقيقته. حيث يدحض هذا الافتراء تواجد الصراع الداخلي الدموي في معضم الدول العربية الاخرى كمصر والجزائر وليبيا وتونس والسودان على الرغم من عدم تواجد المذهب الشيعي في هذه الدول حيث ان المسلمين في جميع هذه الدول يدينون بالمذهب السني، ومع ذلك فان الصراع السياسي في ليبيا مثلا لا يقل دموية عما يجري في العراق وسوريا. وفي نفس الوقت نرى ان دويلات الخليج التي يتكون سكانها من خليط من الطائفتين السنية والشيعية لم يشملها هذا الصراع الدموي، وهذه اثباتات قاطعة على ان اسباب هذه الصراعات الدموية في الاساس هو سياسي وما صبغته الطائفية سوى غطاء امريكي صهيوني لضمان استمراره.

 

المهندس منير الجلبي- محلل في المحاور السياسية والطاقة العراقية

في المثقف اليوم