آراء

كيف جرى التصويت على الـ 17%؟

saieb khalilفي اتصال مع النائب الأستاذ عبد الرحمن اللويزي أمس، علمت أن التصويت الذي اقر الـ 17% في الميزانية من جديد قد جرى بشكل أكثر دراماتيكية مما عرفنا حتى الآن، وأن بطل الفضيحة الأكبر، رغم كثرة ابطالها، كان سليم الجبوري، رئيس البرلمان لا غيره!

وكانت النائب حنان الفتلاوي قد كشفت ان نسبة الذين صوتوا للحفاظ على سرقة الـ 17% كانوا 146 نائبا مقابل 18 صوتوا ضدها وتحفظ 11. موضحة أن "كتل التحالف الوطني جميعها بما فيها دولة القانون الذين أعلنوا أمس انهم لن يصوتوا على الموازنة الا بعد تقليل حصة كردستان لكن اليوم تغيرت المواقف وخذلتنا!!!!!!".

وقالت إن "سليم الجبوري رفض بالبداية عرض المقترح للتصويت على نص مادة الـ 17%، بعدة حجج منها أن النسبة أتت من الحكومة وهي اعرف بها، ومنها لا يجوز تقليل النسب، إلا أنه وبعد مشادات مني ومن البعض وبعد إصرار وتهديد منا للمجلس بعدم تمرير الموازنة. أخيراً تم عرض المقترح".

ولكن كما شرح لنا النائب اللويزي فأن التفاصيل مختلفة بعض الشيء. فقد تحجج بأن هذه ارقام قادمة من الحكومة ولا يجوز التصويت عليها، وغيرها كثير، رغم أن نظام المجلس ينص على أن يقوم رئيسه بمناقشة كل مادة في أي قانون تطلب مناقشته. وبعد اليأس لم يكتف سليم الجبوري بمحاولة التهرب من التصويت بل انه حين وافق في النهاية، وافق بشرط جعلها آخر مادة يتم التصويت عليها، باعتبارها "خلافية"! وهذه مسألة غريبة بعض الشيء، لأن المنطق يقول ان يبدأ المجلس بالتصويت على النقاط الخلافية، لأنه لا معنى من التعب على بقية المواد لتأتي مادة خلافية توقف اصدار القانون. لكن لرئيس مجلس النواب حكمته كما سنرى.

يقول اللويزي: وحين انتهينا من التصويت على المواد الأخرى وتم تمريرها، قرر رئيس المجلس ألا يتم التصويت على مادة الـ 17%، بل التصويت مباشرة على القانون ككل، أي أن يتم التصويت "من ناحية المبدأ"! وقد أدى هذا، حسب اللويزي إلى تردد الرافضين للمادة في شمول رفضهم للقانون ككل، فتم التصويت بالقبول. وقال اللويزي انه بالرغم من انه كان من الداعمين لرفض الـ 17% وأنه كان ضمن موقعي الطلب من رئيس المجلس على رفضها، إلا أنه صوت بالموافقة على القانون الكلي، لعدم تأخير الموازنة.

في الوقت الذي نسجل تحفظنا على قرار اللويزي واسبابه، فإننا نلفت الإنتباه إلى الطريقة التي تجري بها اتخاذ القرارات في هذه "الديمقراطية الأمريكية"! وإذا كان اللويزي قد قدم ما يراه اسباباً لموقفه، فأن "دولة القانون" كانوا قد قالوا بصريح العبارة بأنهم سيصوتون ضد قانون الموازنة إن تم إقرار الـ 17%، وتم إقرار الـ 17% ولم يصوتوا ضد الموازنة! والعجيب ان المالكي لم يتحرش بالـ 17% خلال سنواته الثمانية، بل كان يعطيها حتى حين لا يسلمونه النفط، لكنه الآن تذكر، لأنه لم يعد يملك كرسيا يهدده به الكرد او الأمريكان.

طبعا هناك نقاط كثيرة أخرى منسية في زوايا متعددة، يفترض ان تضاف لكن المصائب الكبرى تجعلها غير مرئية. مثلا، المادة (112) من الدستور العراقي والتي تنص على توزيع الموارد "بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني"... تذكر أيضا ً تحديد حصة "بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد". وهذا يعني حصة إضافية للمناطق المتأخرة التنمية من أموال النفط لا تكون كردستان ضمنها. أي أن نسبة حصة كردستان ستكون أقل من نسبة سكانها وفق الدستور، لكن تطبيق الدستور بهذا الشكل حلم من أحلام الخيال العلمي. ولو كانت كردستان هي المتأخرة تنمويا لقلبت الدنيا من اجل "استحقاقها" الدستوري الإضافي. لكن ما يحدث هو العكس تماماً، والـ 17% تبلغ في الواقع وفي اقل التقديرات 23%، عدا حسابات تم تجاوزها مثل الكمارك والضرائب وعدم إعادة الأموال ورواتب الموظفين الهوائيين والبيشمركة الهوائيين الخ. (1) وهناك الـ 36 مليار دولار التي تدين بها كردستان للحكومة بشكل رسمي...وهناك وهناك..

يتكلم الجماعة الآن عن السعي لتقديم طلب إلى المحكمة الإتحادية للاعتراض على مبدأ القانون من ناحية دستورية حيث ان الدستور يقر بتوزيع النفط على الشعب العراقي حسب نسبة سكانه، والجميع يعلم ان تلك ليست نسبة سكان الإقليم، لا وفق معلومات وزارة التخطيط (13%) ولا وفق إحصاءات برلمان كردستان نفسه (12,6%) وبالتالي فهو غير دستوري!

لماذا لم يصوتوا ضدها إذا كانت غير دستورية؟ هذا سر لا يعلم به إلا الله والراسخون في الابتزاز! وحسب تقديري أن المحكمة سترفض الطلب، فمن تمكن من ابتزاز البرلمان كله بهذا الشكل، لا يعجز عن ابتزاز بضعة قاضة مرتشين. وبرأيي فإن موضوع المحكمة الإتحادية كله ليس إلا لعبة من العاب المالكي المعتادة في إعطاء كل جهة ما تريد: كردستان تحصل على النفط والمال ومؤيدو المالكي يحصلون على الحجة: المحكمة هي التي رفضتها! وطبعا لن يسألوا لماذا لم يصوت هؤلاء النواب ضدها، وهكذا تمضي دورة ابتزاز أخرى وتستمر جزية كردستان على العراقيين سنة اخرى!

ويمكننا ان نتذكر بالمناسبة جزية أخرى لم يلتفت إليها أحد، رغم انها أكثر غرابة من جزية كردستان، وهي جزية الأردن! فرغم أن الجزيتين تتشابهان في نقاط عديدة منها: انهما تسلمان من جهة أفقر إلى جهة أكثر ثراءاً 2- من دولة أكبر واقوى نظريا، إلى دولة أضعف وأصغر 3- الدولتان سنيتان 4- من يسلم الجزية شيعي يستقطعها من فقراء معظمهم شيعة 5- مستلم الجزية بدأ واستمر بالتعامل بالإهانة والاحتقار لمن فرضت عليهم الجزية وهم صاغرون. 6- مستلمو الجزية يشعرون ان هذا حقهم وأن أي شخص يسألهم عنهم فإنه يعتبر معتدي على حقوقهم ويثير فيهم الغضب الشديد ويذكرهم فورا بصدام حسين والقومجية والشوفينية العربية.

الفتلاوي لم يكتفوا لها بهذه التهم، بل تعرضت للسب والإهانة من نائبات التحالف الكردستاني، واعطي الباقون درساً يقول: يا ويله اللي يتجرأ على طرح غنائم كردستان للمناقشة، اما الأردن فلم تحتج إلى تمارس المسبة تجاه احد فلم يتجرأ أحد على طرح غنائمها على طاولة البحث! وإذا كانت كردستان قد رشت رئيس البرلمان بشكل خاص ليمثل مصالحها على حساب حيائه، فأن الأردن تستلم الجزية بلا ضجيج..

يبقى شيء واحد مهم يميز جزية كردستان، وهو الحجم! فمهما يرسل للأردن بالشاحنات يبقى طفيفاً نسبة إلى ما تحصل عليه كردستان. لكن ذلك لن يطول كثيراً. الأردن ينتظر تنفيذ مشاريع الأنابيب ومحطات الضخ والتصفية والتصدير، ليوازن الفرق ويتفوق على كردستان في الابتزاز.

ما الذي يتحكم ويحدد الفرق؟ هل هو تراتبية الرتب بالنسبة لإسرائيل؟ الم يكفي ثلاثة ارباع نفطها لتعامل كردستان كما تعامل الأردن؟ مظلومة كردستان من قبل إسرائيل ومن قبلنا، ونستحق منها الشتائم!

 

صائب خليل

........................

(1) - اتفاق برلماني يلغي فقرات من الموازنة ويخفض حصة كردستان من التعيينات -

http://aynaliraqnews.com/index.php?aa=news&id22=48474

 

في المثقف اليوم