آراء

قراءة أولية في مؤتمر : "البوليس -- اريو"

almustafa abduldaemلم يكن مفاجئا أن يشكل المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو، المحطة الحاسمة في الترسيم النهائي لفكر الجمود، وتعميق مسلسل التراجعات، بما يسمح وتبرير كل الانحرافات. وهكذا خيب هذا المؤتمر كل إعتقاد خاطئ في كون الأفكار والآراء "المنذرة" عن مآل ونتائج مثل هذا المؤتمر، هي مجرد تأويلات شخصية، أو مبالغات من عنديات بعض"المارقين"، حتى ولو حملت توقيعات مسؤولين سياسيين بارزين من أمثال الوزير والدبلوماسي الحاج أحمد وغيره ... بل تأكد أن تلك الأفكار والآراء النقدية المعبر عنها من خلال كتابات متعددة ومتنوعة، كانت في الحقيقة محاولات جادة لقراءات متأنية ومتبصرة، عكست وجودا فعليا لرؤى تستفيد من التاريخ الذي و بسبب غلبة النزعة البرغماتية المؤسسة على التبرير الفج للتحريفية السياسية، ومناهضة مباشرة ومكشوفة للسند النظري، شهد إغتيالا بشعا لأحلام شعبية كبرى .

لقد كشف هذا المؤتمر الرابع عشر للبوليساريو، وحتى قبل إنعقاده، أنه ليس بإمكانه إحداث أية قطيعة مع التجارب السياسية الفاشلة السابقة، وذلك من خلال كل محطات التحضير لهذا المؤتمر الرابع عشر، التي كانت الإرادة السياسية لقيادة البوليساريو مصممة على إشاعة أجواء غموض المستقبل، ونسف كل محاولات تأكيد هوية ايديولوجية واضحة . لماذا الإصرار على الغموض، وتغذية عوامل الإرتباك والتيه ؟ . لأنه ببساطة لو تم الإعداد لهذا المؤتمر الرابع عشر بناء على منطلقات أيديولوجية واضحة ومحددة، ومن خلال تصور سياسي وتنظيمي محكم، في هذه الحالة كان من المستحيل تخطي المنطق الموضوعي للتطور، وبمعنى أوضح لو إعتمد مؤتمر البوليساريو على منطلق أيديولوجي واضح، وتصور سياسي وتنظيمي محكم، لكان بإمكانه – أي المؤتمر - تحصين نفسه فكريا، وأمكنه ومنذ المحطات التحضيرية إحداث القطيعة مع التحريفية السياسية التي طغت عليه – أي المؤتمر الرابع عشر للبوليساريو -، وبالتالي لكان بالإمكان أن تتوافر لهذا المؤتمر الفرص التاريخية لترسيخ خط أيديولوجي واضح ومنفتح على كل التجارب الإنسانية، و تقديم تصور سياسي وتنظيمي محكم، ولاستطاع – أي المؤتمر – من خلالهما – أي الخط الأيديولوجي والتصور السياسي والتنظيمي – تجسيد ثورة من داخل الإطار، وليس ثورة على الإطار .

ولأن أهداف قيادة البوليساريو من هذا المؤتمر الرابع عشر كانت معاكسة تماما لكل انتظارات الشعب الصحراوي، فقد كانت مواقفها – أي قيادة البوليساريو – عنيدة في التصدي لكل توجه متشبث بضرورة الإقرار بالنظرية وإطار الفعل السياسي والتنظيمي، أو ما يمكن أن نعبر عنه بشكل أوضح بمعاندة وتعنت قيادة البوليساريو منح الحركة والدولة عقيدة أيديولوجية تحكم الفعل السياسي وتؤطر الأداة التنظيمية . ومن الواضح أن التعنت والمعاندة المعبر عنهما كان طبيعيين في قيادة ذهبت إلى هذا المؤتمر مقتنعة أن إستمرارها رهين ب "قدرتها " على تمرير التحريفية السياسية ، وذلك من خلال إبراز مبالغ فيه لبعض المظاهر العامة التي توحي أن البوليساريو مازالت في العمق حركة تحرر وطني، بينما الحقيقة أنها – أي جبهة البوليساريو – تحافظ على بعض أوجه الشبه بحركات التحرر الوطني، دون أن تكون كذلك، مادامت قطعت مع الخط الثوري، وسمحت بطمسه من خلال تغليب منطق برغماتي يخدم التطبيع مع ما هو قبلي مستشري في الإدارة الصحراوية .

إن مفاتيح الضبابية الإيديولوجية والتيه السياسي ، اللذين رسختهما قيادة البوليساريو منذ سنوات، وعملت قبل وأثناء المؤتمر الرابع عشر على ترسيخها، يمكن العثور عليهما فيما طبع الساحتين السياسية والنضالية من تشتت وتبعثر تنظيمين، قلب الأولويات واصاب الفعل السياسي والنضالي معا بأمراض الزعاماتية والأستاذية والبرغماتية ، والخطر انه بسبب هذه الأمراض غابت الرؤية السياسية التي يفترض أن تؤطر أي فعل سياسي أو نضالي، استهلكت في الكثير من المحطات الطاقة والجهد والإمكانيات دون عائد، كما أسهمت بدل الإنكباب الجاد على مواجهة ملحاحية البحث عن إجابات تنظيمية التي فرضتها أسئلة الواقع الراهن، في محاولة للتخلص من منزلقات الانتظارية وترقب الأوهام ، أقول بدل ذلك أسهمت تلك الأمراض في سيادة واقع شعاراتي محدود النتائج، والترويج لآمال مستقبلية فضفاضة .

إلا أن المفتاح الأهم لتلك الضبابية الأيديولوجية والتيه السياسي، الذي اعتمدته قيادة البوليساريو مع سبق الإصرار،هو مفتاح ترسيخ الأمين العام للبوليساريو محمد عبدالعزيز " زعيما"، وبالتالي رئيسا للدولة الصحراوية مدى الحياة، كما اعتمدت نفس المفتاح لتحقيق هدف أكبر يقطع الطريق من الآن أمام أي مدني لبلوغ منصب الأمين العام للبوليساريو، ومن تم فقد تحقق في هذا المؤتمر الرابع عشر شرعنة الحكم العسكري للدولة الصحراوية، وبعبارة أوضح أن الجمهورية الصحراوية المسماة (ديمقراطية) لن يحكمها إلا العسكر، وبالتالي فقد تم وأد في هذا المؤتمر الرابع عشر كل حلم بالدولة المدنية ...

وطبعا لا يمكن أن ننسى مفتاحا آخر لا يقل أهمية عن المفاتيح المذكورة أو غيرها مما لم يذكر في هذه القراءة الأولية، وهو المتعلق بتعيين وفد من المناطق المحتلة بتركيبة بشرية غالبا - مع بعض الاستثناءات - طيعة واعتادت القيادة الاعتماد عليها في هكذا مناسبات تستدعي دعم أسباب الصمود بالمخيمات من جهة، ومن جهة أخرى إمتصاص غضب ساكنة هذه المخيمات، بالاضافة إلى إلهاء المؤتمرين في هذه النقاشات الهامشية حول تغيير تسمية الجمهورية، وتسمية أمانة الفروع، ناهيك عن عقد هذا المؤتمر في مرحلتين الأولى بولاية أوسرد، وكان الغرض منها معرفة مسبق لتوجهات المؤتمرين وبالتالي تجنيب وقوع مفاجآت في المرحلة الثانية من المؤتمر بولاية الداخلة ... ويبقى ربح قيادة البوليساريو من هذا المؤتمر الرابع عشر هو خروجها منه دون ليس فقط دون محاسبة سياسية، ولكن أيضا دون تقديم أي التزامات بخصوص المستقبل، وبعبارة أوضح دون أن تلتزم أمام الشعب الصحراوي باسترتيجية معينة حربية أو سلمية ..إنها متحررة من كل التزام وبإمكانها أن تفرض ما تشاء وليس مايشاء الشعب الصحراوي المسكين .

في المثقف اليوم