آراء

القنطار جاء لقتل الأطفال والشيوعيون يأكلون اطفالهم!

saieb khalilبعد الحرب العالمية الثانية فوجئ الغرب بحجم المد الشيوعي في أوروبا وبشكل يكاد يغطيها كلها دون استثناء. فالمقاومة السرية للنازية كانت بشكل عام من الشيوعيين ومنظمي التجمعات الشعبية كانت منهم وكانوا المجموعة الأكثر إخلاصاً وثقافة وأخلاقاً وحزما من جميع الآخرين، وكان هذا بالذات ما جعلهم في رأس قائمة أعداء أميركا وشركاتها، لأن وجودهم كان يهدد مشروع السيطرة الأمريكية التامة على العالم بعد الحرب. على إثر ذلك اتخذت الإجراءات الهائلة الحجم لردع هذا "الخطر" الشيوعي، ومنها مشروع مارشال، الذي كان تهديد بالجوع لكل شعب لا ينتخب حكومة ترضى عنها اميركا، والكينزية الاقتصادية التي اجلت الوحشية الرأسمالية بضعة عقود وكذلك العصابات السرية المسماة "غلاديو" التي اخترقت المجتمعات الأوروبية استعداداً للانقلاب على الحكومة فيما إذا سيطر الشيوعيون على أي بلد حتى لو كان ذلك عن طريق الانتخابات.

لكن أهم تلك الحملات على الإطلاق وأضخمها كان حملة التشويه الإعلامية الهائلة التي أطلقت على الأوروبيين لتشويه صورة الشيوعيين في اعينهم، والقصص الغريبة كثيرة جدا في هذا الأمر. وقد كانت الحملة مرتبة لتوجه سهاماً مصممة خصيصاً لكل شعب حسب ما يؤثر به، وفي داخل الشعب، كانت موجهة إلى كل فئة حسب اهتماماتها وحسب مستوى ثقافتها.

وهنا يجب أن نقدر للقائمين على تلك الحملات عبقريتهم الفذة وجهدهم الهائل، رغم أننا ندين الدافع الخلقي المنحط الذي يقف وراءها. فتشويه سمعة أناس يعيشون معك وتراهم كل يوم يدافعون عنك ويضحون بحياتهم وجهدهم من اجلك، لا بد أن تكون مهمة مستحيلة. وهذا ما يجعلنا ندهش حقاً. لقد كانت إنجازات مؤسسات التشويه الإعلامي الغربي من النجاح أن أزاحت المثقفين عن قناعاتهم بحيث لم يعد العنف ضرورياً لفرض السيطرة الأمريكية في بعض البلدان. أما على مستوى البسطاء فقد وصل النجاح مستويات تثير العجب، وأدخلوا في رؤوس الناس قناعات لا يستطيع المرء أن يصدق أنها ممكنة. ومن أشهر تلك القناعات أن "الشيوعيين يأكلون أطفالهم"!

ولأن الناس ترى الشيوعيين بينهم، فقد كان ضروريا أن توجه تلك الحملة إلى الشيوعيين السوفيت البعيدين، مع التوكيد بأنه إذا تم للشيوعيين الإيطاليين واليونانيين الحكم في البلاد فأنهم سوف يفعلون نفس الشيء!

لتحقيق مثل هذا الغسيل للدماغ والمنطق، فإن الفكرة هي أن تجعل شخصاً يكره ويخاف شخصاً آخر إلى درجة كافية، وبعدها لن يصعب إقناعه بأية خرافة مناسبة تؤيد خوفه وكرهه. ويمكننا ان نرى ذلك في القناعات لدى الناس في عصر الإنترنت هذا نفسه. فعندما تكون الكذبة لذيذة ومعدة بشكل جيد، فلن تستطع أية حقائق على أن تقف بوجهها.

ما دفعني لكتابة هذا النص، هو ما اثير على الشهيد سمير القنطار، والذي كانت حياته رمزا لصمود بطولي اسطوري. لقد وجهت إلى هذا الرمز ما وجه إلى الشيوعيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فالشعوب يجب ألا تجد رموزا تذكرها بقوتها وتثير فيها الشجاعة والإرادة لتقرر مصيرها بنفسها.

طرحت وسائل الإعلام المسمومة سؤالا خبيثاً: ماذا كان سمير القنطار يفعل في سوريا؟ لتجيب عليه بصفاقة مدهشة: ليقتل الأطفال السوريين! تضع أمامك علامة استفهام على ثقتك بالعقل الإنساني الذي يتقبل خرافة ان يذهب شخص من بلد إلى آخر ويعرض نفسه للموت، "ليقتل الأطفال السوريين"! لو قال لي أحدهم أن صدام حسين دخل الكويت لأجل "قتل الأطفال الكويتيين" مثلا، لضحكت منه واعتبرته محتالاً فاشلاً. فكيف يمكن ان نصدق هذا عن شخص قضى عمره في السجون إيمانا بقضيته؟ ولو كان مريضاً بشهوة قتل الأطفال مثل ما يصفونه أما كان ممكنا له أن يتحول إلى عميل للجيش الإسرائيلي، ويحصل على فرصة أكبر بكثير ليرضي شهوته بقتل الأطفال السوريين وغير السوريين، ودون أن يعرض نفسه للخطر! لكن العقل المشحون بالكراهية والخوف، يعاني من نقص المناعة المزمن من الإعلام، ولا يطرح الأسئلة!

نفس هذا العقل لا يسأل حكومة البحرين مثلا: لماذا وضعت حسن نصر الله في قائمة الإرهاب قبل بضعة أيام؟ من هم الذين "ارهبهم" الرجل؟ هل وجه رصاصه يوما إلى غير من يحتل دياره ويغتصب بلاده وحقوقه، ويعتدي على الإنسانية؟ نعم أن العقل المريض لا يطرح الأسئلة، وبذلك يلقي بنفسه في هاوية عملاء إسرائيل، بعلم منه أو بدون علم. لذلك فالتقارب السعودي مع إسرائيل ايضاً ليس مفاجئاً. فالعداء المشترك لإيران يجمعهما. وقبل فترة رأينا مسؤولا عسكريا سعوديا يلقي محاضرة بعنوان "وجهة النظر السعودية والإسرائيلية من...". وما لم ينتبهوا فهذا المصير يهدد "السنة" اليوم في العراق وسوريا وغيرهما، فسيجدون أنفسهم، مثل الكثير من "سنة" لبنان، يقفون مع إسرائيل بوجه أمتهم وبوجه مبادئهم ودينهم وبوجه الإنسان في داخلهم. فعندما يكون هدفك في امر ما هو ذات هدف أية جهة مهما كانت مجرمة وبعيدة عن نفسك، فلا مفر من ان تشعر ببعض التقارب والتعاطف معها، وليست تلك سوى الخطوة الأولى في طريق الهاوية. الهاوية التي تقود صاحبها ليصبح جلاداً، ثم ليصبح عبدا لذات السيد.

حملات الهجوم على العقل لتشويه صورة حسن نصر الله تتطلب مهاجمة كل من يقف بينها وبين أهدافها. وكان آخر ما استهدفته الحملات، رمز فيروز ذاتها حين تجرأت لتقول إنها تحب حسن نصر الله، حتى ولو في داخل بيتها وأمام ابنها فقط! لا أحد يجب أن يتجرأ على الدفاع عن الرمز، وكلما كبر الرمز زادت خطورته وازدادت عملية التشويه شراسة. فهؤلاء يعلمون أن الرمز ضروري لشعور الناس بترابطهم وإحساسهم بالقوة والأمل، وهذا اشد ما يخشاه من يريد تحطيمهم. ويمكننا ان نرى قوة ذلك التشهير الساعي اليوم لمنع سمير القنطار من ان يصبح رمزاً يوحي للقطيع بالقوة، مثلما رأينا شدة الحملة ضد رمزية حسن نصر الله.

من الطبيعي إن الذين يريدون سوق القطيع هادئا إلى المسلخ، سيزعجهم أمثال حسن نصر الله وسمير القنطار لأنهم برمزيتهم، يذكرون القطيع اليائس السائر إلى مصيره، بأنهم بشر، ويكشفون للناس بأنهم أقوياء وأنهم قادرون على اختيار طريقهم. وهذا مزعج جدا لمن يريد أن يوصل القطيع غلى الهاوية. لهذا السبب توجب إقناع الناس بأن سمير القنطار جاء "ليقتل الأطفال السوريين" تماما مثلما اقنعوا البعض بأن الشيوعيين يأكلون أطفالهم!

 

صائب خليل

 

في المثقف اليوم