آراء

بعد الارتماء في الحضن الاطلسي والعربي بدات بحربها الداخلية

emad aliمن يتابع ما يجري في كوردستان الشمالية في هذا الوقت ويجد مدى ضراوة الحرب الدائرة في هذه المرحلة  التي اشعلها اردوغان وحزبه، يسال لماذا يريد اردوغان التطاول في هذه المرحلة بالذات على الكورد ، وهل يستغل الظروف التي تسيطر عليه وتحصره في زاوية ضيقة ولا يجد طريقة اخرى للخروج من المازق المترامي الاطراف الذي وقع فيه، وهل يريد التعامل مع ما يجري في المنطقة بتحركات داخلية مغطية لما يقدم عليها في المنطقة كما فعل من خرق سيادة العراق المهزوزة اصلا، ام نتيجة فشل ذريع مني به في الفترة الاخيرة وتقدم مخنوعا مخذولا متنزلا للجميع وخاصة  ازاء الحلف الاطلسي الذي عاند ولم ينفذ ما اراده منه، وغير حتى  من استراتيجيته التي اتخذها طريقا كتصفير المشاكل مع المحيط الاقليمي، وغض الطرف عن الدخول الى الاتحاد الاوربي او بالاحرى بعد فشله في ذلك، وتوجه نحو ايجاد البديل له في المنطقة، مع ايقاد جذوة طموحه القديم الجديد؛ وهو استغلال الغليان في المنطقة من اجل تمادي باسم الاستقرار فيما يضمر في نفسه العقيدة العثمانية الجديدة .

تريد تركيا ان تمر مرور الكرام من المرحلة دون ان تتضرر، وهي تحلم، وتتوقع ارتفاع منحنى قدرة وثقل وامكانية الكورد بجميع احزابهم ومنهم حزب العامال الكوردستاني بعد توسع المجال امامهم باستخدام عدة اوراق في صراعهم مع تركيا الاردوغانية بعد المستجدات الاخيرة، وهي لا تطيق هذا وتفزع منه وتريد اجهاض ما يتم لصالحهم باي شكل كان .

نحن نعلم ونتذكر جيدا كيف كان موقف تركيا ازاء حرب سقوط الدكتاتورية في العراق، ومن ثم بعدها كيف تعاملت مع اقليم كوردستان والدولة العراقية واستغلت ضعف موقف الاقليم، ولحد الان اردوغان يلعب على هواه فيما يخص مستقبل الاقليم ويستغل سذاجة القيادة الكوردية لامرار نواياه بحيل مختلفة . ان تركيا تحفظت في كثير من الخطوات لبقاء خط رجعة لها في التعامل مع المتغيرات مستقبلا من جهة، وامكانها ان تقف موقف المتفرج المحايد كي تكون حكما لا خصما في ادارة امور المنطقة من جهة اخرى، بعدما انغصت كثيرا في شؤون منطقة الشرق الاوسط  بعد الثورات العربية وتلقت ضربات قاضية نتيجة اخطائها المتكررة وانحيازها هناك لصالح الاخوان المسلمين، وتراجعت كثيرا ايضا، بعد ان تلقت ضربات سياسية موجعة بعد تغيير الواقع في مصر وتونس وسوريا بشكل ما .

الان كوردستان الشمالية تغلي، وتُقتل فيها يوميا العشرات ان لم تكن المئات منذ ايام، ولم نشهد الا تعتيما اعلاميا من قبل الجميع! ولم نلمس تغطية مناسبة لما يجري من قبل حتى اعضاء المحور الاخركايران والعراق والسلطة السورية وروسيا وحتى ارمينيا .  اين تكمن السبب؟ وما هو موقف كل منهم، ولماذا هذا الصمت المطبق ؟

تنازلت تركيا مذلولا مخذولا مخنوعا مركوعا لاسرائيل، وهذا اول الاهداف الذي كان يهم امريكا والسلطة الحقيقية فيها، وهي تحت ضغوط اللوبي الاسرائيلي، لم يكن التنازل بسيطا، بل حتى اتخذت تركيا قرارا ضد ثقة الناس بها،  من خلال طرد قيادات حركة حماس التي كانت حتى الامس تدعي بانها تدعمهم ضد اسرائيل، يا لها من خنوع وخضوع واذلال لدولة  لم تهتم بسمعتها وقيمها، وهي عديمة الارادة في موقفها الضعيف المرحلي ووقعت على وصولات ضعفها لمدة اطول . اصطدمت تركيا بالنظام السوري بعد الموقف الذي اتخذته من اجل مصالحها وليس الشعب السوري كما تدعي، واعتقدت انها ستكون لها اليد العليا في تركيبة النظام البديل لحكم سوريا وانها لم تحسبه جيدا . عدا الصدامات الداخلية وما فعلته جراء اعادة الانتخابات البرلمانية اخيرا، فانها لم تجد الا الخوض في التشويش الداخلي من خلال محاربة الكورد .  وبعد اسقاط الطائرة الروسية والاستنجاد بالاطلسي الذي رفضت التعاون معه  من قبل في اجرائاته في المنطقة، وهي تعلم انها العضو من الدرجة الثانية فيه، اصبح ارتماءها في حضنه والتحالف العربي مخذولا في هذه الظروف التي وقعت فيها،  ولم يعير اكثر الاعضاء في الحلف اية اهتمام بهذا الموقف، عدا امريكا  والسعوديا التان تريدان ان تستغلهاا في اهداف تنتظران تحقيقها في المنطقة، واخيرا خضعت تركيا للامر الواقع في التنازل كثيرا دون اي ثمن وعلى حساب كرامتها وقيمها التي تفاخرت بها كثيرا من قبل .

اما على الصعيد الداخلي، فان تركيا لم تستفد شيئا من التنازلات التي قدمتها للحلف وامريكا واسرائيل والدول الاوربية العديدة، الا فيما استغلت مدى تاثير تنازلاتها على ما تقدم عليه من الحرب الداخلية ضد الشعب الكوردي، وهي نجحت في كتم الاصوات الدولية ازاء الجرائم اليومية التي ترتكبها ضد المدنيين العزل في كوردستان الشمالية فقط لحد ما . بينما هي لم تعرف مكانتها في الاصطفاف الجديد الحاصل في المنطقة وموقفها الهزيل الذي لا يمكن ان يضعها في موقع ذات اهمية لمستقبل المنطقة، لذا اقدمت على عدة حركات بهلوانية كما تدخلت بشكل مباشر في الموصل كي تقول انها موجودة ولها اهميتها، بينما اصطدمت باعتراضات كبيرة من كافة الجهات الداخلية عدا جزء من سلطة اقليم كوردستان التابع لها، لذا تخبطت في حركاتها.

فان كل المؤشرات تدلنا على ان تركيا لم تنجح في الامتحان المرحلي كما فشلت من قبل اثناء سقوط النظام العراقي، لذا فهي تبحث عن موقع قدم لها مستقبلا، واستغلت اسرائيل هذا وفرضت عليها ما تريد واكثر .

اما حربها الداخلية ليس الا اشغال الداخل عما وقعت نفسها فيه، وهوالتخبط في موقفها وعملها وتعاملها مع الاحداث والمستجدات، ومدى عزلتها بعد اسقاط الطائرة الروسية وتعامل روسيا العقلانية مع الحادث، وما فرضت عليها من بعيد وانزلتها الى القاع في صراعات المنطقة وموقفها المشين . يمكن ان نشبه تركيا بانها وبعد ان اوقعت بنفسها في قعر الوحل بانها في الاحتضار السياسي الحقيقي لها في المنطقة، بينما هي  تريد وتصر على ان تنعش نفسها بحركات بهلوانية خارجية وداخلية، وحربها الداخلية واحدة منها اضافة الى ما سبقتها من التدخل المباشر في شؤون العراق والموصل بالذات لالفات النظر عن وضعها الداخلي واخطائها المتكررة . والسؤال هل تنجح تركيا في كتم اصوات المعارضين داخليا ودول العالم ابان ما تقترفه من  الجرائم ضد الانسانية في كوردستان الشمالية . الايام المقبلة ستجيب عن هذا السؤال وما نتوقعه هو تحفظ امريكا وسكوتها مع الدول الاعضاء في الحلف الاطلسي لاسبابهم الخاصة البعيدة عن الانسانية التي يدعوها، اضافة الى دول المنطقة من المحور الذي تنازلت تركيا اليه ودخلت بقوة فيه باسم التحالف الاسلامي وليس كذلك بل انها التحالف السابق واضيف اليه الاسم الاسلامي فقط، وهو تنازل كبير ومخزي، وعليه يمكن ان تسكت الدول الموجودة فيه ايضا، ولم يبق الا دول المحور الاخر وعلى راسهم روسيا وايران والعراق وربما ارمينيا يمكن ان ترفع صوتها ايضا او تحتفظ شيئا ما لعوامل خاصة بها . .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم