آراء

الرمادي تفقدنا حق اليأس

saieb khalilكلما خرج العراق من ازمة أو صمد بوجه هجمة او انتصر أواجه سؤالا مؤلما: "ماذا لو أن الطيبين الذين أعلنوا يأسهم، لم ييأسوا؟ أما كان الصمود سيكون اقوى والنصر أكبر وأسهل؟ ماذا لو أن اليسار المثقف لهذا الشعب بقي يساراً نشطا يفخر بعنفوانه، والمؤمن الحقيقي من اسلامييه بقي مؤمنا بجدوى الصمود وبشكل عام لو أن المواطن بقي مؤمنا بأن وطنه سيعود إليه إن هو وقف معه؟

هذا التساؤل يثير تساؤلا آخر من طبيعة أخلاقية: هل اليأس حق شخصي مطلق؟ أي هل يحق لأي كان ان ييأس ويعتكف في منزله أو صفحته وينادي: "هيه خربانة" و "كلهم نفس الشي" و "كلها حرامية"؟ ومتى يكون اليأس "حقا مشروعاً؟" في أية مرحلة من انخفاض الأمل، يمكننا ان نسامح اليائس على يأسه، خاصة عندما يكون مصير بلده متعلق باستمرار صموده، مثل حالة العراقي؟

على صفحتها في الفيسبوك كتبت الصديقة بيداء حامد: " ان تكون عراقياً، ذلك يعني ان تتعلم الافلات من جعل الامل.... شرطاً للمقاومة!!".

وفي العبارة تحية إعجاب بالعراقي الذي بقي مقاوما صامداً رغم تلاشي الأمل. ففي غمرة حالة الضياع والتشتت والصدمات المتتالية، لم يبق مقاوماً إلا من "أفلت" من أن يضع الأمل شرطا لصموده، وبقي يقاوم، ببساطة لان مبدأه يرفض الاستسلام، وكيانه يحتم عليه الصمود.

ولأن هؤلاء الذين يصمدون حتى عندما يختفي الأمل، قلة، فقد صار الصامدون قلة. لكن هل حقا أن ليس هناك أمل، ولذلك قل الصامدون؟ أم أن قلة الصامدين هي التي تقتل الأمل؟ وبالتالي هل يحق لنا أن نيأس متى شئنا فنسرع الهزيمة؟ دعونا نراجع ذلك بهدوء.

مما لا شك فيه ألا أحد يستطيع أن يمنع احداً من اللجوء إلى اليأس، أما أن يكون حقاً مطلقاً يمكن ممارسته في أي وقت، فتلك قصة أخرى. فعندما ييأس شخص ما، فإنه لا يدفع بنفسه إلى الاستسلام فقط وإنما يضعف الآخرين الذين كانوا يأملون منه ان يقف معهم، ويدفع بهم نحو الاستسلام لليأس أيضاً حتى لو لم يكونوا يائسين!

إذا كان اليأس الذي يسرع الهزيمة، أمراً مؤسفا بالنسبة للشعب الضحية، فإنه أمر إيجابي لمن يكون تمزيق البلد هدفا له. ويمكننا ان نرى ذلك واضحا ً في مواقف البعض الذي نحكم عليه بالعداء للبلد والرغبة بتحطيمه. قبل اقل من أسبوع من سقوط داعش في الأنبار على ايدي العراقيين، رأينا سفلة البنتاغون من اسياد العبادي يعلنون أن "تحرير الرمادي بعيد المنال"!(1) ففي مؤتمر صحفي قال ستيف وارن المتحدث باسم قوات التحالف الأمريكي ضد تنظيم "داعش": "كثير من الوقت سيمضي قبل أن نعلن تحرير الرمادي تماما من المسلحين الإرهابيين".

وفي العبارة هذه لغمان كبيران: الأول هو الدفع باتجاه اليأس من تحرير الرمادي، والثاني في عبارة "قبل ان نعلن"! أي انهم هم الأمريكان من سيحرر الرمادي، وليس العراقيون من حشد وجيش وغيرهم! وهي أيضا تقصد بث اليأس من الذات والاعتماد على الأمريكان الذين عرفنا جميعا ماذا يريدون وإن ضربوا فمن يضربون.

انتصارنا في الرمادي، وبدء مسح صفحة سوداء من تاريخ العراق، يثير السؤال: لو ان من يأسوا لم ييأسوا أما كان النصر أسهل والخسائر اقل؟ ولم يكن الرمادي هو أول من اثار السؤال، فقبلها فعلت انتصارات الحشد الباسل في تكريت وبيجي وغيرها وصمود حديثة الباسل ورد القاعدة عن عنه في المرة الأولى. وهناك أيضا على مستوى الفساد انتصارات أيضاً، فجولة التراخيص التي تتعرض اليوم لهجوم إعلامي ساحق ومفهوم السبب، كانت عبارة عن صمود وانتصار كبيرين في وقتها حين تجنبت عقود المشاركة التي سقط فيها فاسدوا كردستان، وكذلك إجبار القوات الأمريكية على الخروج من العراق.. وغيرها.

بالمقابل هناك هزائم كثيرة بلا شك، فسقوط الأنبار بذاتها هزيمة كبيرة سبقتها الهزيمة الأكبر بسقوط الموصل ثم سقوط الفلوجة وسقوط كركوك بيد البيشمركة واستيلائهم على نفطها وتصديره لإسرائيل. وهناك الفساد الهائل الذي ينتصر في كل مرة لأربابه في القضاء وفي مجلس النواب وكان آخرها انتصاره للفاسد الخطير وزير الدفاع خالد العبيدي. ولعل أخطر هزائمنا كشعب، كان استيلاء خندق داعش وأميركا على رأس السلطة في العراق ووضع رجل تام الانبطاح لتنفيذ مشاريع إسرائيل في تحطيم وتقسيم العراق. وهذا نجح في بعض مشاريعه التدميرية مثل اتفاقية النفط مع كردستان لكنه فشل حتى اليوم في مشاريع أخرى، وأهمها مشروع الحرس الوطني الخطير، وهو انتصار رائع آخر لأن المشروع كان سيوجه الضربة القاضية على العراق.

لا نريد ان نقول اننا ننتصر، فهذا ما لا يدعيه أحد ولن يصدقه أحد، لكني أقول إن هناك هزائم وانتصارات أخبار من كل نوع. أي أن هناك ضوضاء معركة لم تنته بعد، ومازال هناك من يقاوم ويجالد، وهذا يجب أن يثير السؤال الأخلاقي عن حق المستسلمين لليأس في استسلامهم هذا بينما مازال الآخرون يصارعون وحشا أكبر منهم عدة وعدداً. مازال السؤال يطرح نفسه: لو أن هؤلاء الذين استسلموا قبل الأوان لم يتركوا المعركة، اما كانت الانتصارات ستكون أكثر وأكبر وأسرع؟

اليوم يقرع انتصار تحرير الرمادي الجرس بقوة ويطرح السؤال من جديد، فيدعو اليائسين إلى نفض هذا الكسل وأن يشاركوا المقاومين للسقوط، سواء من كان منهم يفعل ذلك لما تمليه عليه مبادؤه ومقدساته حتى بلا أمل، أم الآملون ولو ببصيص أمل، ان يحققوا انتصارا ما في مكانهم، مهما كان بسيطا، ليغري الآخرين بالعودة الى ساحة المعركة، ولسان حالهم يسأل: هل لديكم مهمة أشرف من الدفاع عن الإنسان بوجه الوحوش؟ أرشدونا لنذهب إليها معكم، وإلا فما يمنعكم مشاركتنا شرف مهمتنا؟ نتمنى أن نراكم رفاقا لنا، رغم شحة الأمل، ونتمنى لكل منكم ومنا سنة جديدة يفخر بها، وأن يفخر بأنه كان جزءاً من القطر الذي سيتجمع ويصير سيلا يغير مجرى الأحداث لما يتمنى شعبه الجريح.

 

صائب خليل

........................

(1) السفلة قبل ستة أيام بالضبط: - البنتاغون: تحرير الرمادي بعيد المنال

http://www.sotaliraq.com/newsitem.php?id=311729#axzz3vB4Rl6up

 

في المثقف اليوم