آراء

هل الحكم الذاتي يناسب كوردستان الشمالية

emad aliقبل اي شيء نقول رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. وهكذا نقول لاردوغان ان يفكر بعمق ويقيم الواقع الموجود وما يتميز به العصر الجديد، ومن ثم ان اراد ان يصرح بما يخرج من فمه كالماء الملوث ان لم نقل اوسخ، بما طرح من كلمات غير لائقة بابسط مسؤل في اي بلد . كثر الحديث عن ما يجري في كوردستان الشمالية من الامور المعقدة سياسيا وعسكريا، وفي خضم التحركات اصبح الحديث عن الحكم الذاتي اكثر رواجا من قبل المتابعين والتنظيمات الكوردستانية . لو تكلمنا عن مضمون الحكم الذاتي الذي هو ادنى حق لشعب عانى من الامرين منذ عقود على ايدي الحكام في الدول الاربعة واكبرهم واظلمهم هو تركيا التي لا تالوا جهدا من اجل طمس الهوية الكوردية لهذا الشعب منذ عقود ليست بقليلة. فمضمون الحكم الذاتي اقل ما يمكن ان يهدفه الكورد هناك . بعد التضحيات الضخمة التي قدمها الشعب الكوردي في كوردستان خلال العقود الثلاث الاخيرة بشكل خاص، تفرض علينا الحال ان نقيم ما وصل اليه الشعب الكوردي من نواحي عديدة . الثورة المسلحة ابقت على وجود هذا الكيان ومقوماته وهو دون دولة، رغم قوة عدوه وهو العضو في حلف الناتو وله الثقل الذي فرض مواقف على العديدن من الدول في المنطقة والعالم، اضافة الى السياسة التضليلية التي مارستها هذه الدولة في بيان واقع الحال وكيفية التعامل مع هذه القضية . وهي تحكم وتتجبر وتتكلم باسم الديموقراطية وهي ليست الا دولة قومية متطرفة تعمل باسم الاسلام من اجل تثبيت مصالحها القومية قبل الدينية . تتحرك وتهب وتدب في كل مكان من اجل بيان امكانياتها الزائفة، لو قورنت مع الدول الاخرى بمقايس العصر للامكانية من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . انها العضو في حلف الناتو ولكن في الحقيقة يُنظر اليها على انها من الدرجة الثانية في هذا الحلف لو دققنا في تعامل الاعضاء معها، والمواقف التي تُتخذ ازاء ما تُقدم عليه من الامور التي لا يستحسنها حتى دول هذا الحلف وليس من خارجه فقط . انها تخبطت كثيرا ولم تقدم شيئا لهذا الحلف بشكل عام، الا ما تريده امريكا فقط ومن جانب موقعها كدولة قريبة من روسيا ، وتريدها من ان تكون عيونها الرئيسية في المنطقة، وتستخدمها لمصالحها الاستراتيجية المهمة وليس مصلحة الحلف بشكل عام .

اليوم تغيرت المواقف وتحركت المنحنى العلمي للمواقع السياسية الاقتصادية لكل دولة في المنطقة وفق المستجدات التي حصلت، وتركيا لها موقع لا يمكن الا ان يُحسب لها وليس عليها، ولكنها لم تتقن في استخدامها نتيجة تخبطها الداخلي، وما تقوم به ضد مكونات شعبها، من اكثرية القضايا الخارجية، فانها تتوجه نحو الشرق باسم تصفير المشاكل ومن ثم تتراجع وتتوسط من اجل تقاربها مع الاتحاد الاوربي ولم يسمح لها في ذلك . تعاند في دخول التحالفات حول ما يجري في المنطقة وخاصة في سوريا ومن ثم تعود وتستجدي الدخول وتركض لتركع في حضن الدولة التي امتنعت في الدخول لاى تحالف حول سوريا في باديء الامر .

اما وضعها الداخلي وصلت الى الحضيض، نتيجة تزعزع الثقة من قبل مكونات الشعب بجميع فئاتهم بسلطتها . وازدادت غوصها في الوحل بعد تزايد المشاكل الداخلية من حيث الصراع الطبقي او العرقي . ولم تقدر على حل اية مشكلة تواجهها نتيجة الاعتماد على المصالح الحزبية العقيدية الشخصية الضيقة .

في هذا الظرف الذي تمر به تركيا من عدم الاستقرار والتراجع عن ما تقدم بها قليلا خلال المدة السابقة، نجد انها تزداد تخبطا . فالمشكلة الكبيرة التي تعاني منها قبل اي شيء اخر، هي القضية الكوردية كما تعرف، ولكن تعنتها وعدم الرضوخ للامر الواقع سيضعها كما هي في تردد وعدم الاستقرارالدائم، ومن المتوقع ان تزداد شرارة الحرب الداخلية وتخسر اكثر من قبل، نتيجة دخول عوامل اخرى الى الموجودة اصلا ضد تركيا ومصالحها . فانها تقف موقفا لا عقلانيا وتفكر وكانها في العصر العثماني، وتعتبر الاعراق الاخرى تحت رحمة السلطان وهو يمن على الاخرين ويوزع عليهم من خيراتهم التي سرقها في ايامه، ولم تصل تركيا في تفكيرها الى مرحلة تقييم الواقع كما هو بل كما كان . لذا، فان موقفها من الحكم الذاتي الذي بدات الحركة الثورية الكوردستانية في كوردستان الشمالية تاخذها كهدف ومطلب مرحلي، والا فانها تستحق حق تقرير المصير، وان كانت تركيا تعيش في العصرالحالي لكانت اكثر واقعية و عقلانية من ما تصدر من مسؤليها من التصريحات الشوفينية الضيقة الافق . فلتعلم تركيا قبل غيرها ان الحكم الذاتي هو ادنى المستحقات لمثل هذا الشعب وتاريخه وتضحياته . وستندم تركيا نفسها قبل غيرها ان لم تتعامل مع الموجود وما يفرضه العصر، واليوم ليس كالقرن التاسع عشر او العشرين . ورحم الله مَن عرف قدر نفسه .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم