آراء

تداعيات إعدام بطل

saieb khalilقدمت تفاسير عديدة لإقدام المملكة السعودية على اعدام الشيخ نمر باقر النمر، ومنها الوضع الاقتصادي المتردي للمملكة ومنها الفشل في اليمن وسوريا وربط البعض ذلك باختبارات على صواريخ إيرانية، كما أشار آخر إلى أن النظام يرى ان الفتنة الطائفية هي أمله. لكني أرى إن إقدام السعودية هذا لا يمكن ان يفسر إلا بانه دليل آخر على عدم امتلاك السعودية لأمرها، وأنها مسيرة لما لا مصلحة لها فيه، تماما مثلما كان اردوغان مسيراً في إسقاطه الطائرة الروسية. فكلاهما لا ينتظر من عمله هذا إلا الأذى لبلده.

بين السعودية وإيران تم تبادل الإحتجاجات واستدعاء سفراء الجانب الآخر وأسف رئيس الحكومة العراقي للعمل كما ادانه المالكي بشدة وكذلك الصدر وشخصيات أخرى. وفي الخارج أدانت جهات متعددة تنفيذ حكم الإعدام وحمل حزب الله اللبناني الولايات المتحدة المسؤولية عن تلك الجريمة لتقديمها الحماية للنظام السعودي.

ولاحظ روبرت فيسك التشابه بين اعدامات السعودية واعدامات داعش مشيرا إلى ان آل سعود ربما هدفوا بهذه الاعدامات إلى استفزاز إيران والشيعة لإشعال صراع طائفي أكثر قوة كما يفعل تنظيم "الدولة الاسلامية".

وهذه المقارنة تؤكد لنا ما أشرنا إليه من ان السعودية، مثل داعش تماما، تخضع في قراراتها لأجندة أمريكية إسرائيلية. حيث أن "استفزاز إيران" و "إشعال صراع طائفي" هي اهداف يصعب أن نرى كيف تكون في صالح السعودية أو حتى النظام السعودي، والأحرى أننا يمكن ان نرى تدميرها للسعودية ولشخوص الحكم السعودي ذاتها، ويمكننا بسهولة ان نرى نفعها للأجندة الإسرائيلية تجاه الإسلام والعرب.

مثل العديد من الكتاب العراقيين استنتج نصير المهدي ما ذهبنا إليه أعلاه، وكتب أن آل سعود كتبوا بذلك “تاريخ نهايتهم وزوال ملكهم وخراب مملكتهم”(1). وأشار إلى أن "الرجل لا يمكن أن يحسب على إيران في سياق الفوبيا السائدة في المنطقة اليوم فهو من أتباع المدرسة الشيرازية وله موقف صريح في العداوة لإيران.. وليس ممن يمكن أن يحسب على معسكر سياسي شيعي في المنطقة فعلى الأقل له موقف معلن مما يجري في سوريا يصطف فيه الى جانب الموقف الرسمي لبلاده...لم يرتكب أي جرم سوى موقف شجاع ومعلن من فساد آل سعود وطغيانهم وقد إعتقل من بيته ولم يكن في يده حتى سكين بل وأطلقت عليه النار مع أنه لم يقاوم اعتقاله.، مذكرا بـ "إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، مختتما بالقول: "نعم نتضامن مع الشيخ النمر كرجل رأي مظلوم كما هو حال كل مظلوم في كل مكان.. “متجاوزا الدفع الإعلامي باتجاه الطائفية.

وهذا بالضبط ما كان موضوع منشور منير التميمي الذي كتب مخاطبا مستعملي الحدث لإثارة الطائفية: "أنت تستنكر اعدام ال سعود لرجل دين شيعي، وانا أدين قتل ال سعود ومنتجاتهم الوهابية لأي انسان برئ... ثمة فرق صغير بيننا، صغير جدا.. بحجمك"(2)

لكن أهم من أشار وحذر من الإنجرار الى الفتنة الطائفية هو السيد حسن نصر الله في خطابه الذي القاه قبل ساعة من كتابة هذه السطور، فقال أن الإندفاع إلى اية اعمال طائفية هو ما يريده قتلة الشيخ الشهيد النمر.

كتبت زينب العاني “دولة آل سعود نصيرة الثوار في سوريا الذين يحملون السلاح...لا تقبل بثوار سلميين في بلدها وتحكم عليهم بالإعدام حتى لو كانوا رجال دين مسالمين غير مسلحين إلا بالكلمة..!!!” (3)

وكتبت بيداء حامد: "قل كلمة الحق بقوة، بوضوح... دون ان تعتذر عن انتمائك...لست بحاجة لصكوك غفران من أحد لتمارس انسانيتك.." (4)

الأمريكان، الذين لا يستطيع النظام السعودي ان يعين شرطيا دون مشورتهم، هم من يريد الفتنة الطائفية بين المسلمين لحساب إسرائيل، وليس النظام السعودي. وهم يريدون استثارة فكرة "إرهاب شيعي" مقابل "إرهاب سني". لذلك تم اعدام افراد من الإرهابيين مع النمر في محاولة بائسة للمساواة بينه وبينهم، كما نبه الزميل علاء اللامي(5) والذي يرى أن الهدف من الجريمة هو دفع الجانب المقابل "الى الرد العاطفي بالمثل" فيما يتعلق بالمختطفين القطريين على سبيل المثال.

وفي هذه الأثناء كانت التداعيات تتوالى ابتداءاً من مواجهات عنيفة في البحرين (6) الى اقتحام السفارة السعودية في طهران واضرام النار فيها (7) كما انطلقت تظاهرات في القطيف وتم اشعال النار في بعض الباصات وغيرها.

وفي العراق، سمح للذيل الأمريكي الأول حيدر العبادي، هذه المرة كما يبدو ان "يتأسف" لاعدام النمر، رغم ان السعوديين قد أكرموه تواً بفتح سفارتهم "الشريفة" في بغداد. (8)

وأطلق الذيل الأمريكي المقابل من الجانب السني عضو المكتب السياسي لتحالف القوى حيدر المُلا، نار لسانه على المحتجين على الإعدام رغم الوقاحة الكبيرة في هذا الموقف.(9) فقال إن “النازحين العراقيين وانعدام الخدمات لأبناء الجنوب اولى بالاهتمام من التدخل بشؤن دول الجوار ارضاءا لإيران".

وأضاف: "نستغرب هذا الهجوم من قبل التحالف الوطني وتسخير وسائل اعلام وتوظيف أموال تتهجم على قرار القضاء السعودي بإعدام بعض الشخصيات الدينية العاملة على ارض المملكة، كون الاهتمام بقضية اربعة ملايين نازح عراقي والارتقاء بالواقع الخدمي لأبناء الجنوب وكشف السراق والمفسدين وغيرها من القضايا التي تهم المواطن العراقي يجب ان تكون هي اساس بوصلة حراك هذه الطبقة والشخصيات السياسية وليس اقحام العراق بسياسة المحاور في المنطقة".

وكأن إصدار بيان استنكار لجريمة إعدام إنسان لم يفعل أكثر من استنكاره الحكم السعودي البشع، هو من سيعرقل الاهتمام باللاجئين وتقديم الخدمات لأبناء الجنوب ومحاسبة المفسدين، وأن العراقي لا يملك الإنسانية لكي يحتج على جريمة، إلا "إرضاءاً لإيران"! ويزداد عجبنا حين نعلم أن تحالف القوى متهم بشكل مباشر بسرقة الأموال المخصصة للنازحين! (10)

والحقيقة هي أن السعودية تقف في الخندق الأمريكي الإسرائيلي الذي يقف فيه حيدر الملا وتكتله المشبوه، والذي يقف بمواجهة شعوب المنطقة كلها، وبالتالي فأن أي تضامن مع أي مناضل ضد هذا الخندق، هو قوة للخندق العراقي وليس على حسابه، كما يريد أمثال حيدر الملا وبقية المأجورين أن يقنعوننا.

زينب الموسوي احتجت على النفاق في توزيع التضامن فقارنت بين رائف بدوي والشيخ النمر، فقالت ان الأول شاب "سطحي ومتقلب...كل مطالبه هو ان يتم حل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وان البنات تسوق سيارة وببعض الحريات وبما يسميه النهوض الحداثوي اسوه بالعالم المتقدم. وأشارت إلى أنه امتدح الملك وعظمه، مقابل النمر الذي يطالب بنظام جمهوري منتخب مباشرة من الشعب السعودي وبان تكون الثروات ملك الشعب لا ملك العائلة الحاكمة تبدد لخدمة افراد ويحرم منها ابناء الشعب هذا أعدم اليوم وذاك محكوم بالجلد والسجن، مشيرة إلى تعاطف الليبراليين المنافق مع الأخير دون الأول.

تذكرنا هذه الجريمة بالمناضل "ناصر سعيد" الذي قيل ان النظام السعودي قتله رمياً من طائرة في منتصف القرن الماضي، وكان خطابه "باسم الله وباسم الحق، باسم العمال المعذبين، باسم الفلاحين الذين أصبحوا فريسة للمرابين، باسم البدو المشردين، باسم الشعب العظيم الذي حرم من نور العلم طويلا طويلا يا طويل العمر!"

 

وقد قال مظفر النواب:

ويا ناصر ابن سعيد

إذا كنت حياً بسجنٍ

وإن كنت حياً بقبرٍ

فأنت هنا بيننا ثورةٌ عارمة

 

وإذا كان قتل البطل ناصر سعيد جريمة سياسية أخلاقية مفهومة الدوافع، فإن اعدام البطل نمر باقر النمر، جريمة سياسية أخلاقية وخطاً لا يفسره إلا فقدان آل سعود لسلطتهم على قرارهم وخضوعهم إلى حد انتحارهم، فمما لا شك فيه أن النمر سيكون في قبره أشد وطأة على جلاديه مما كان في سجنه، وكما عبر عن ذلك الشاعر ثائر الشاهين بجمال ودقة:

و أنتَ بكامل قيافةِ رفضِك،

ـ و بينما تتدلّى من حبلِ مشنقة ـ

ما عليكَ سِوى

أن تفرِدَ عباءَتك ،

ثم اترك جسدكَ ليتمايلَ ما أمكنك،

لتُثيرَ زوبعةً ..

كفيلةً باقتلاعِ قاتليك. (11)

 

 

صائب خليل

.....................

(0) معلومات :من هو الشيخ نمر النمر الذي أعدمته السعودية؟

http://www.almayadeen.net/news/gulf-TL_HF6Iank,Q7KWBAIoGyg/

(1) وفي اليوم الثاني من الشهر الأول من سنة 2016 كتب... - https://www.facebook.com/neseer.elmehdi/posts/1681521148795659

(2) أنت تستنكر اعدام ال سعود لرجل دين شيعي وانا... – منير التميمي

https://www.facebook.com/munir.altamimi/posts/859722520810191

(3) زينب العاني: دولة آل سعود نصيرة الثوار في سوريا

https://www.facebook.com/zozoani?fref=ts

(4) بيداء حامد: "قل كلمة الحق بقوة

https://www.facebook.com/baydaa.hamid/posts/763427137126098?pnref=story

(5) علاء اللامي - أهم هدف من أهداف إقدام السعودية على إعدام رجل الدين... - https://www.facebook.com/allamialaa/posts/990734110987185

(6) مواجهات عنيفة تشتعل في أنحاء البحرين وذلك... - قناة العالم الفضائية

- https://www.facebook.com/alalamarabic/posts/1124360787600735

(7) متظاهرون يقتحمون السفارة السعودية في طهران ويضرمون النار فيها –

https://arabic.rt.com/news/806189

(8) العبادي: نأسف على تنفيذ حكم الاعدام بالشيخ نمر النمر من قبل السلطات السعودية

http://www.pmo.iq/press2015/2-1-2016.htm

(9) حيدر الملا للتحالف الوطني: موقفكم من اعدام النمر ارضاء لايران وتدخل في الشأن السعودي - http://alghadpress.com/ar/news/44029/

(10) زينب الموسوي - كالعادة بدأ سفلة الكيوتات والاحذية التي يحبون ضرب... - https://www.facebook.com/photo.php?fbid=720245864778856&set=a.644203632383080.1073741828.100003803479577&type=3&theater

(11) ثائر الشاهين - وأنتَ بكامل قيافةِ رفضِك، ـ وبينما تتدلّى من... - https://www.facebook.com/photo.php?fbid=803717843087518&set=a.623536991105605.1073741826.100003479305271&type=3&theater

 

في المثقف اليوم