آراء

التطرّف المذهبي..عنوان حروب 2016!

qassim salihyاثار اعدام الشيخ (نمر النمر) ردود فعل حادة على الصعيدين السياسي والشعبي، حيث قطعت معظم دول الخليج علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع ايران، واشعل المتظاهرون النار في السفارة السعودية بطهران وقنصليتها في مشهد وخرجت تظاهرات في مدن عراقية تندد باعدامه..فضلا عن ردود فعل متباينه امريكية وبريطانية وأوربية.

وقبل ان نحلل الحادث من منظور علم النفس والاجتماع السياسي، نقدم تعريفا موجزا عن الشيخ (نمر باقر النمر). فالرجل سعودي من محافظة القطيف مولود عام 1959ويعد ابرز وأنشط عالم دين شيعي في السعودية وأجرأ من وجه نقدا للحكومة السعودية، التي اضطرت الى اعتقاله مرات عدة بدءا من عام 2006 وانتهاءا بعام 2014 حيث حكمت عليه محكمة جزائية في 15 تشرين الثاني/اكتوبر 2014 بالاعدام الذي تم تنفيذه به صباح الثاني من كانون الثاني 2016.

وكان من ابرز ما اغاظ الحكومة السعودية مطالبته بانفصال المنطقة الشرقية عن السعودية لمظلومية الطائفة الشيعية، واتهامه آل سعود بتهميش الشيعة واستبعادهم عن اشغال وظائف ادارية وعسكرية خصوصا في المراتب العليا من الدولة.وقد وصف (النمر) وزير الداخلية الامير نايف بالطاغية وعبر عن ارتياحه برحيله يوم توفى في خطبة علنية من على منبره عام 2012..فضلا عن انتقادات عنيفة للسلطة الحاكمة..ادت الى اعتقاله من قبل المباحث السعوديه والاعتداء عليه بالضرب بحسب شهادات المقربين اليه، وقيام تظاهرات بمنطقة القطيف تطالب باطلاق سراحه وحصول اشتباكات مع القوى الأمنية.وكان الرجل مدركا لما سيحصل له اذ اعلن في خطبة له قائلا:" انا على يقين ان اعتقالي او قتلي سيكون دافعا للحراك"

وتدعي الحكومة السعودية ان الشيخ (نمر) كان محرّضا يتلقى معونات مالية وأسلحة من ايران، وانه قام بالاعتداء على القوى الامنية مما يعد عملا ارهابيا.وتضيف ان محاكمته جرت بشكل اصولي وان القضاء عندها مستقل لا علاقة له بالسياسة، وانه كان واحدا من 47 متهما جرت محاكمتهم وأدانتهم وتنفيذ حكم الاعدام بهم في وقت واحد، وان وضعه كمواطن سعودي لا يختلف عن ال 46 الآخرين الذين تم تنفيذ نفس الحكم بهم.فيما يدعي انصاره بان السلاح الذي كان يستخدمه الشيخ (نمر) هو لسانه فقط وهو من ابسط حقوق الانسان التي كفلت له حرية التعبير عن الرأي لاسيما المجاهرة بحق مستلب والشكوى من مظلومية تعد جريمة تمارسها الدولة بحق طائفة جميع افرادها سعوديون لهم نفس حقوق الطائفة الاخرى المنتميه مذهبيا الى السلطة.

وما يتصف به الشرق الاسلامي ان التطرف المذهبي فيه يكون اشد عنفا، وانه حين يقدح زناده فان ناره تشتعل اسرع من اشتعال النار في غابة وقت الخريف.وتبدأ اطراف التطرف بنشر غسيل الطرف الآخر.فعلى لسان وزير خارجية المملكة العربية السعودية فانه وصف ايران بانها دولة راعية للارهاب، وان قطع العلاقات معها اعقب اعواما من السياسات العدوانية الايرانية.فيما وصفت ايران قطع هذه العلاقات يأنه تغطية لمشاكلها الداخلية وان السعودية ستواجه انتقاما الهيا باعدامها الشيخ النمر.

ومن طبيعة الاعلام العربي انه (يتونس) على فتن التطرف المذهبي، فراح الاعلام الخليجي يصف ايران بأنها الدولة الثانية في العالم بعد الصين من حيث عدد الاعدامات، وانها دولة ملالي لم يستطع النظام فيها ان يصل الى مستوى دولة، وان حرية التعبير فيها معدومة لدرجة انه لا توجد فيها وسائل اتصال جماهيري من قبيل الفيسبوك والتويتر، وان الهجوم على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد كان برضا الحكومة وان شجبته ظاهريا، وان المخابرات الايرنية(اطلاعات) اوعزت او غمزت للقيام بهذا الهجوم وكان لها دور المشارك السّري فيه.فيما راح الاعلام العراقي المحسوب على الاسلام السياسي الشيعي تحديدا يصف السعودية بانها (وهابية) تبيح قتل الشيعة بوصفهم روافض، وانها الدولة الأولى الراعية للأرهاب وهي منبعه اصلا.فيما راح عدد من السياسين الطائفيين من الجانبين يدلون بتصريحات غاية في السذاجة، كتهديد عمر البشير بانه سيمحي ايران من الوجود، وتصريح نوري المالكي بأن اعدام النمر سيطيح بالنظام في السعودية.

ومن اقبح ما يحدثه التطرف المذهبي انه يقسم الناس.فلدى استطلاعنا آراء عدد من العراقيين تساءل بعضهم:" من قال ان السعودية لها الحق ان تفعل ما تشاء فيما العراق وضع على قائمة منتهكي حقوق الانسان لانه اصدر احكاما باعدام ارهابيين دون ان يعدمهم؟فيما تساءل آخرون "هل المطلوب ان يعم المزيد من الخراب في بلادنا والقتل لان مواطنا سعوديا شيعيا اعدم؟..فيما حكم آخرون على النظامين السعودي والايراني بأنهما ..قبيحان.

 

تحذير

لقد وضعنا عنوانا ينّبه الى ان تداعيات هذا التطرف التي بدأت بحروب دبلوماسية واعلامية واقتصادية ستثير حروبا اهليه وربما عسكرية في عامنا الجديد 2016.لأن التطرف المذهبي في عالمنا العربي والشرقي تحديدا اخطر حتى من الخلافات السياسية الكبيرة بين الحكومات، لسببين:الاول، ان الجماهير لا تدخل طرفا مؤثرا في الخلافات السياسية بين الحكومات، والثاني ان التطرف يعد من وجهة نظر علماء النفس والاجتماع السبب الرئيس للخلافات السياسية التي غالبا ما تنتهي بحروب، وأنه (مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين.فضلا عن حالة سيكولوجية هنا هي انه لا وجود للحوار وتبادل الأفكار بين المتطرفين مذهبيا في اوقات الأزمات، لأن عقل المتطرف يكون دوغماتيا، جامدا عقائديا، جزميا، قطعيا، ) لا يسمع الا نفسه ولا يرى غيره ولا يتقبل الراي الاخر، ولن يتخلي عن اراءه حتى لو بدا له خطؤها..وانه يصنف عالمه الاجتماعي الى صنفين (نحن).. الأفضل، والحق، و(هم) الأدنى، والباطل.

والتطرف المذهبي يفقد صاحبه الحكمة..وقد فعلها في العقل السعودي اذ كان عليه ان يستثني الشيخ (نمر) ويصدر عفوا عنه، اقلها من الاعدام الى المؤبد..مع انه كان اصدر عفوا عن ارهابيين اجانب في العام الفين.واذا كان تبريره بانه يستخدم القوة لردع الارهاب فانه سيحصل العكس، ذلك ان الفئة المحرومة اقتصاديا والمضطهدة سياسيا تضطر الى القيام باعمال او مطالبات تعدها السلطة الحاكمة اعمالا ارهابية، بل تدفعها الى القيام بفعل يقع تحت طائلة القانون.وباستثناء سلطنة عمان فان الشيعة في بلدان الخليج هم تلك الفئة المحرومة، وسيقوم المتطرفون فيها بالدعوة الى تظاهرات واحتجاجات تعدها السلطات الحاكمة اعمالا ارهابية..وستنشب حروبا تحكمها معادلة سيكولوجية طرفاها..حاكم متطرف مذهبيا مشحونا بدافع الانتقام، ومواطن متطرف مذهبيا مشحونا بدافع أنتزاع حق مستلب وردّ اعتبار.

ومع ان العراق قام بدور الوسيط لاحتواء الأزمة، فانه طرف غير مقبول من جانب السعودية ولن تنجح وساطته، وسيجد نفسه مضطرا الى الموافقة على القرار الذي ستتخذه الجامعة العربية الأحد المقبل(10/1)، ليس فقط بادانة ايران للهجوم على السفارة السعودية وقنصليتها، بل وتحذيرها او انذارها بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للبدان العربية..الخليجية تحديدا.

على ان العامل الاجتماعي الأخطر الذي اثاره حدث اعدام الشيخ (نمر) وغير المنظور في التحليل السياسي هو ان جماهير السنّة والشيعة يتحكم بها اللاوعي الجمعي، وان هذا العامل الذي كنا وصفناه بأن ( مخدّر وخالق أوهام ومثير فتنة)..وطبيعة ما يحمله من معتقدات مذهبية وعقد نفسية وبخاصة عقدة التعصب للهوية وعقدة أخذ الثأر المتحكمة بانفعال هستيري في غالبية جماهير السنة والشيعة المغيب وعيها والمخدر عقلها المنطقي، سيعمل على اثارة حروب اهلية وعربية عربية.والمفارقة أن سبب هذه الحروب المكلفة بشريا وماديا ..سخيف للغاية ..سيلعننا التاريخ عليها ويخجل احفادنا منّا ..كم كنا جهلة ومتخلفينّ!

                

أ.د.قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم