آراء

اللجنة العليا للمصالحة "سبة" تكشف عورة الحكومة والبرلمان!!

أن تصبح التضحيات الجسيمة لشعبنا هكذا في نهاية المطاف، وبعد ثلاثة عشر من سنين مرعبة لم يذق فيها شعبنا طعم الاستقرار، نتيجة لوجود كتل سياسية خبيثة فاسدة أوجدت لنفسها مطاولات استثنائية لمواجهة السلطات الثلاثة التي تنوء بالضعف والفساد وشلل ارادتها، يبقى الزمن العراقي ذليلا لا يملك إلا ان يعيد ويجتر نفسه، وتبقى الاقدار مرهونة بتمادي مروع يهدد حياة العراقيين في لقمة عيشهم وجورهم الابدي. فبدلا من أن نرى السلطات العراقية وقد استفادت من دروس كثيرة من الماضي، لكننا نجد ان بقائها يبقى مرهونا بمشيئة تلك الكتل من خونة أقذار تفرض عليها أما الطاعة وأما زوال حكمها. انها المعادلة الدنيئة في تبادل "ألافضال" فيما بينهما على حساب شعب تعاد ماسيه بعد أعتقادنا انها انتهت بسقوط الكابوس العراقي البعثي . فهذه الكتل السياسية المشبوهة، وان لم تعد قادرة على التمويه عن عمالتها لانظمة السعودية وتركيا وقطر، لكن هذه الكتل البعثية "كاتحاد القوى" وكتلة "العراقية" هما صلة الوصل مع البعثيين في الخارج ومع الانظمة التي لا تزال تفتك بالعراق وتمارس الضغوط وبدعم من رئاسة البرلمان على حكومة ضعيفة لقبولها ما يسمى "بالمصالحة الوطنية"!!

ان هذه المصالحة هي في حقيقتها "السبة" التي ستهتك ستر الحكومة والبرلمان في قبولهما التهديد الاكبر ألقادم من قبل البعثيين والذي من شأنه توفير موقعا في عمق النظام "لحصان طروادة"، لقلب النظام وعودة البعث من خلال حسابات بسيطة للحقائق الاتية:

1- ان التشجيع والتطبيل لجعل هذه المصالحة كحقيقة من اجل عودة البعثيين القتلة الى المسرح السياسي، انما هي كمن يضع مريضا مصابا بالجرب في فراش واحد مع رجل معافى . فبالاضافة الى الامراض العضال المستشرية في جسد النظام القائم، هي في حقيقتها أعظم "صحة" في المقارنة مع مجيئ البعثيين ثانية . فالبعثيين هم النازلة الكبرى التي من شأنها ان تلغي جميع الوسائل الرادعة التي يراد من خلالها القضاء على الفساد والمحاصصة . لا بل وستجعل التمادي من قبل الكتل السياسية البعثية في تشجيعها على مزيد من التحرك المضاد للنظام القائم وبحرية كبرى "كشركاء"، والتوغل في عمق النظام وفي علاقات اكثر مجاهرة مع الانظمة المصنعة للارهاب، هي زيادات أعظم في المعانات العراقية .  

2- من المعروف أن أيديولوجية البعث قائمة على استخدام الانقلابات العسكرية لضمان استلام الحكم والسيطرة على المجتمع من خلال ممارسات العنف والقوة وعدم الاعتراف بالحريات الديمقراطية فيه. وتجارب الماضي القريب خير شاهد على ممارسة البعثيين في كلا النظامين العراقي والسوري على إلغاء دور الحريات والديمقراطية في المجتمعات وحكم المجتمع بالحديد والنار. ومن خلال الفهم لتلك التجارب، يفترض بنا ان نتعظ من أن سياقات استراتيجيتهم الخؤونة، ذلك ان المصالحة ستكون افضل وسيلة ممكنة لعودتهم الى الحكم , وما حصل بعد انقلاب 17 تموز 1968، على عبد الرزاق النايف وابراهيم الداود وطردهم من العراق والهيمنة على العراق بالقوة، مثالا ليس ببعيد.

3- من بين الامور التي اتضحت من خلال الثلاثة عشر عاما الماضية، ان الدستور العراقي يحمل وجوه متعددة، بعضها قادر على جعل الحق باطلا والباطل حقا. فمع ان الدستور العراقي لا يسمح بعودة البعثيين للعمل السياسي، نجد في نفس الوقت، أن السلطات الثلاثة والمستفيدة من بقاء الفساد المستشري، قادرة على وضع "تخريجات" مناسبة لعدم تحريم الدستور واجازة تلك "المنوعات " . إذ ليس غريبا بهذه السلطات نفسها، ان تجد "تخريجات" جديدة، لاباحة عودة وعمل البعثيين في المسرح السياسي، مثلما بررت شبه استقلال الاقليم وببيعه النفط ضد ارادتها وغير ذلك الكثير، وعدم شعورها "بالحياء"أو الحرج من نفسها أو من شعبها "كدولة" عراقية.....!!!!  

4-- القيادات البعثية العراقية التي تم ادانتها بممارسات الارهاب في العراق، كالارهابي طارق الهاشمي ورافع العيساوي وخميس خنجر وعلي سليمان والكثير من الضباط والعسكريين للنظام الساقط، هؤلاء هم المعنيين بالمصالحة، وفي النية العفو عنهم؟؟؟!! فكيف يسمح شعبنا أن يكون هؤلاء من "شخصيات" الحكومة "الجديدة"، وكيف لا تشعر الحكومة والبرلمان بعار ذلتهما؟ في الوقت الذي يسعى فيه شعبنا الى كنس كتل البعثيين مع فسادهم المستشري؟  

5- أن مواقف البعثيين ومنذ 2003، في ممارسة الارهاب واتحادهم وتعاونهم مع ارهاب داعش ولفترة طويلة، فضلا عن عمالتهم لانظمة السعودية، وتركيا وقطر واحتضانهم من قبل الاردن، تجاربا لا يمكن غفرانها من قبل شعبنا . فتلك الممارسات الارهابية ضد شعبنا قد فرضت فوضى كبرى على حياة شعبنا، واضطرته الى بذل العظيم من التضحيات، وهو شيئ ليس بالهين نسيانه.

6—أن عودة البعثيين من خلال المصالحة يعني أيضا منحهم الحريات السياسية من خلال "ديمقراطية" النظام، للتحرك ولملمت صفوفهم واعادة جماهيرهم وخصوصا من تركوا العمل الحزبي منهم، وهذا يعني اعادة تكوين الحزب بشكل متراص من الجماهير البعثية وتحت أي مسميات اخرى، فتكون قادرة على التصدي وافشال جميع اهداف النظام الجديد، سواءا من خلال كسب ولاءات الشارع العراقي او الهيمنة على البرلمان، وفي ذلك "على الدنيا السلام"...!!

فهل يا ترى، ان هذه الكتل البعثية المجرمة استطاعت أخيرا أن تهزم الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية بعد أن أدرك البعثيون مقدار الضعف والتخاذل المستشري بهذه السلطات الثلاثة، والخاضعة لارادة ومشيئة الادارة الامريكية التي لن تتوقف عن التدخل في العراق تحت يافطات "العدالة" و "نصرة اضطهاد" السنة، إلا بتقسيم العراق؟ وهل من عجب ان رأينا هزيمة السلطات العراقية الثلاثة ورضوخها، في الوقت الذي تتعالى فيه اصوات الكتل البعثية السنية في المطالبة في "مصالحة" مع القتلة البعثيين، وهي مطالبات غير مشروعة في تعارضها مع الدستور الذي يحرم البعث كحركة سياسية . ثم ماذا عن الدماء العراقية التي هدرها البعثيون في تحافاتهم مع ارهابيي داعش، والتي لم تجف بعد منذ خمسة واربعون عاما، أم نسى العراقيين أعدائهم بهذه السهولة؟!

فاليوم، وبعد الانتصارات الكبرى التي يحققها الاشاوس من شعبنا من القوات المسلحة والحشد الشعبي وبعضا من العشائر الوطنية، تتعالى الاصوات الوقحة من هذه الكتل السياسية البعثية ومدعومة من رئاسة الجمهورية وحكومة العبادي خائرتي العزيمة والارادة، مع رئيس برلمان يتباهى بطائفيته . فكيف يرضى شعبنا مواقفا باطلة ومأجورة في الاعلان عن "مصالحة" مع قتلة شعبنا الذين لا يزال تأريخهم الاجرامي يندى له جبين الانسانية جميعا. فهذه التنازلات المهينة التي يرفضها شعبنا رفضا قاطعا لاعادة تلك القيادات البعثية ورؤوس الارهاب الى المسرح السياسي تنفيذا لاهداف معروفة تتعارض مع دستور النظام وقيمه الاخلاقية بحجة مصالحات يراد لشعبنا التنازل فيها للسنة البعثيين لكي يتصدروا المشهد السياسي العراقي من جديد وعودة الظلم والجور والمجون والكفر، وتحقيق ارادات الارهاب السعودي والتركي والقطري، في تمهيد هذه الانظمة الشريرة لتقسيم العراق، والتركيز على شحذ سلاح الطائفية وفي التباكي على السنة "المضهدين" واخضاع "الشيعة" المجوس!! هذه الانظمة الجبانة لا تزال تجاهر في دعمهم الارهاب الداعشي – البعثي، وخصوصا عودة السياسيين الارهابيين ممن ادينوا من قبل القضاء العراقي. فهل هؤلاء هم من يراد لهم العودة الى المسرح العراقي بحجة المصالحة ؟ وهل يستطيع شعبنا السكوت على مؤامرة قذرة كهذه ضده؟

أن الابقاء على فرض دستور عراقي يمثل جدارا صلدا أمام كل من يريد تغيير واقع الفساد والمحاصصة لصالح الشعب، حيث لم تجرأ أي كتل سياسية او حزب في دعوة البرلمان لاستفتاء الشعب من اجل اصلاحه، فيستمر في اغرا ق المجتمع بببنوده ومواده التي تحمي ارهاب عضو البرلمان العراقي من خلال "حصانته"، أوالعميل في ادانة عمالته، ورفض تطبيقه على الخونة المفسدين أو ممن يلوذون بالفرار الى الاقليم والى انظمة مجرمة بعد قيامهم بأعمال ارهابية أو سرقة المال العام، وادانتهم قضائيا. حيث نجد أيضا وفي نفس الوقت، أن هذا الدستور هو الاكثر "تسامحا" مع تمرد رئاسة الاقليم على الحكومة الاتحادية والاستهانة بالسيادة الوطنية والتصرف ببيع النفط العراقي، وفي تلكؤ الحكومة والبرلمان في المطالبة بتسليم هؤلاء المجرمين في الاقليم أوفي حواضن الدول المجاورة لانزال القصاص بهم .

أن لجنة المصالحة عار جديد تفتخر به الحكومة العراقية وبرلمانها وكتلها السياسة الفاجرة . والدستور العتيد، سيظل مركونا فوق الرفوف ولن تتم العودة اليه سوى لتبرير جرائم هذه الكتل التي يستنكف شعبنا من انتمائها للعراق . أو من اجل التجاوز عليه لنجدة وارضاء المنبطحين الخونة الذين يخططون لاعادة البعث وبدعم من حكومة حيدر العبادي ورئيس البرلمان البعثي الطائفي سليم الجبوري . كل ذلك يحدث بعد كل التضحيات العظيمة لمئات الالوف من الشهداء الذين تلقوا الرصاص بصدورهم العارية من اجل استمرار بقاء النظام الجديد .

فبعد كل الذي حصل ويحصل، هل بقي ما يمكن أن نفخر به في هذا الزمن بعد الاطاحة بالنظام البعثي الفاشي ؟؟!!

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم