آراء

الجنود البريطانيون وجرائم حرب واحتلال العراق

khadom almosawiلن تهدأ بعد تداعيات احتلال العراق وجرائم الحرب التي اقترفت فيه. كل مرة تفتح صفحات منها. الان طرحت قضية الجنود البريطانيين وجرائم الحرب في المناطق التي احتلت ووضعت تحت سيطرة الادارة البريطانية، في جنوب العراق، من جديد. تناولتها وسائل الاعلام البريطانية وسلطت الاضواء عليها وعلى دور بريطانيا في احتلال محافظات الجنوب العراقي التي ادعت حكومتها التي كان على رأسها توني بلير معرفته بالسكان والمنطقة في العراق.

نشرت صحيفة الاندبندنت (2/1/2016) على صفحتها الاولى تقريرا والتقت بالمسؤول المكلف عن القضية. فنقلت عن مارك وارويك، الشرطي السابق المسؤول عن فريق الادعاءات التاريخية العراقية، او فريق التحقيق في الانتهاكات بالعراق (IHAT)، قوله إنه يعتقد أنه ستكون هناك أدلة كافية لتبرير توجيه اتهامات جنائية. وتابع "هناك مزاعم جادة يحقق فيها فريق الادعاءات التاريخية العراقية تتضمن القتل وأشعر أنه تم جمع أدلة كافية لتقديم قضية قوية أمام هيئة الادعاء لبدء محاكمة وتوجيه اتهامات". وقال حسب ما نقلت صحيفة بيزنس إنسايدر البريطانية إنه: "قد تتم مقاضاة القوات البريطانية التي قاتلت في العراق خلال الحرب بين 2003 و2011 بتهم ارتكاب جرائم حرب"، مضيفا أن هناك "الكثير من القضايا المهمة" التي تستوجب المناقشة حول ما إذا كانت تُصنف ضمن إطار جرائم الحرب. وذكر وارويك أنه يتم الآن إحالة أعداد كبيرة من الدعاوى باعتداءات ارتكبها الجنود لفريق (IHAT)، وأن المنظمة نظرت بالفعل في ما لا يقل عن 1515 قضية لضحايا الاعتداءات، ونحو 280 دعوى اتهام بالقتل خارج إطار القانون. وذكر موقع الحكومة البريطانية الالكتروني أن فريق الادعاءات التاريخية العراقية - الذي شكلته وزارة الحرب في عام 2010 - تلقى قضايا تتعلق بأكثر من 1500 ضحية "مزعومة" لسوء المعاملة والقتل خارج اطار القانون.

من المقرر حسب صحيفة الاندبندنت البريطانية، أن يختتم الفريق تحقيقاته بنهاية عام 2019 أي بعد حوالي عشرة أعوام من انسحاب آخر قوات قتالية بريطانية من العراق بعد المشاركة في غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003. ولم تسفر العملية بعد عن أية توصيات بمحاكمات وتواجه انتقادات من حقوقيين جراء تحركها ببطء إلا أن وارويك ناشد الجميع الصبر. وقال "في غضون ما بين 12 و18 شهرا مقبلة سنراجع كل القضايا لفهم الصورة بشكل أفضل وأعتقد أنه آنذاك سنتمكن من تحديد ما إذا كان (موعد) عام 2019 سيكون أمرا واقعيا". ومهما كانت العراقيل ومحاولات التأجيل، وهي حالة بريطانية بيروقراطية بامتياز، فلن تتقادم الجرائم وستظل تلحق مرتكبيها ورؤسائهم الذين دفعوهم لارتكابها، كما وتظل سبابات الضحايا مرفوعة ودماؤهم ملطخة جباه قادة الاجرام ومجرمي الحرب الرئيسيين.

أضاف وارويك في ما نقلت صحيفة بيزنس إنسايدر البريطانية، ونشرتها الوكالات، أن ميزانية (IHAT) تقدر بنحو 57,2 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 84,5 مليون دولار أمريكي) وتمتد فقط حتى نهاية 2019. وتابع: "نحن ننظر إلى مصداقية الادعاءات في المقام الأول، وعندما كنا ننظر في الكثير من هذه الحالات التي تردنا لاحظنا تكرارا للبعض منها، والبعض الآخر قد تم تحديده بالفعل ليكون جزءا من عملية التحقيق التي نجريها، وبعض الدعاوى شملت اتهامات متعددة، وتلك سوف يتم التحقيق فيها كقضية واحدة".

واشارت الصحيفة إلى أن اللجنة التى شكلت عام 2010 تعاملت مع 152 حالة أصبحت الان تزيد على 1500 حالة بينها 280 اتهاما بجرائم قتل غير قانوني من قبل القوات البريطانية في العراق. واكدت الصحيفة أن التحقيقات بدأت فقط بخصوص 25 حالة اتهام بالقتل غير القانوني بينما تبقى أكثر من 200 حالة لم يبدأ التحقيق فيها بعد. واضافت أنه من بين 1235 اتهاما بانتهاك حقوق مواطنين ومواطنات عراقيات يتم حاليا التحقيق في 45 حالة فقط بينها اتهامات بالتعذيب والاغتصاب وتبقى بقية الحالات في انتظار دورها. وذكرت ان الموعد المحدد مسبقا لإنهاء عمل اللجنة كان في وقت ما حول منتصف العام الجاري 2016 لكنها تؤكد ان اللجنة لا يمكنها إنهاء التحقيقات في هذا الوقت وبالتالي سيتم تأجيل الموعد النهائي لوقت لاحق.

في كل الحالات توفرت للجنة، وفق تصريح مسؤولها، وثائق وادلة تدين انتهاكات واضحة لحقوق الانسان ترتقي لجرائم حرب، وهي كافية للمحاكمة والقصاص. وتفسر من جهة اخرى اضافة لجريمة الاحتلال الاساسية، مشروعية المقاومة الوطنية، التي انطلقت في المحافظات الجنوبية وأجبرت قوات الاحتلال على التفكير بالهروب من العراق، وهو ما حصل وتحقق بسبب هذه المقاومة والإصرار الشعبي على التخلص من الاحتلال وجرائمه. هذه المقاومة شاركت في تحرير العراق من قوات الاحتلال ولكنها لم تغط اعلاميا ولم تسلط عليها الاضواء بما يكفي ويتوازى معها، حتى في هذه الحالات الوطنية التي يتطلب الاشارة اليها وتعريفها كمساهمة فعلية في مقاومة الاحتلال وجرائم قواته. وهذه الاشارات التي تستمد من لجنة التحقيق وشهادات افراد من القوات وما شاهدوه على الارض منذ بداية الاحتلال وحتى الانسحاب اكدت على ان احفاد ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني السابق واصلوا تراثهم في مقاومة الاستعمار الجديد، المشترك مع القوة الاستعمارية الجديدة ومن رغب معها في جرائم الاحتلال والاختلال في العراق.

شكك الجيش البريطاني بقوة في صحة الاتهامات اوليا إلا ان الصور المنقولة من الجنود انفسهم او شهاداتهم المباشرة اجبرت السلطات البريطانية على الموافقة على التحقيق وتشكيل اللجنة، وكذلك وزارة الحرب على التعاون مع التحقيق، بعدما انتقدتها محكمة بريطانية لعدم كشفها عن وثائق تفيد بعلم الوزارة بالشكاوى التي تلقتها بهذا الصدد وقت حدوثها. وستظل هذه الشهادات صورا اخرى للاحتلال وللمقاومة الوطنية العراقية ضد الاحتلال وضد الاستعمار وضد الهيمنة الامبريالية.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم