آراء

السعودية وإيران بين الهيمنة الإقليمية والصراع المذهبي

ahmad alkhozaiشكلا الخوف والود المشوب بالحذر، جزء من طبيعة العلاقة التي ربطت المملكة العربية السعودية مع إيران الملكية إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي وأبيه لها، وكان هذا الخوف له ما يبرره، بسبب حجم النفوذ الإيراني في المنطقة آنذاك، والقدرة العسكرية الكبيرة التي تمتلكها إيران، إضافة إلى علاقتها السيتراتيجية مع أميركا والغرب، حتى أطلق عليها مصطلح (شرطي الخليج) .. كل هذه الأسباب وغيرها دعت حكام السعودية الذين ينتمون للمذهب الحنبلي السني، ويمثلون رأس الرمح في نشر ودعم الحركة الوهابية في المنطقة والعالم الإسلامي، إن يتعايشوا بسلام ووئام مع إيران الشيعية المذهب، الاثنا عشرية العقيدة، لأكثر من خمسة عقود من الزمان، بحيث لم يكن الصراع الإيراني السعودي يوما يشكل ظاهرة سياسية في المنطقة، إلا بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ميلادي، وظهور إيران كجمهورية إسلامية تحمل إيديولوجية دينية ذات طابع مذهبي ينتمي في توجهاته إلى آل البيت عليهم السلام، كان هذا الحجر الأساس لذي بنت المملكة العربية السعودية موقفها المعادي لإيران ووقوفها بالضد من الثورة الإسلامية فيها منذ نشوئها .. ومن هنا نشاْ ما يعرف بسياسة المحاور في منطقة الشرق الأوسط، ونشوء تحالفات سياسية وعسكرية أملتها عليها ظروف المرحلة التي كان تعيشها المنطقة والعالم في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، فتشكل محور سوريا إيران ومن ثم حزب الله اللبناني، ومحور العراق دول الخليج المدعوم من أميركا والغرب، والذي كرس هذا التحالف لإجهاض الثورة الإسلامية في إيران، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لصدام حسين بالدخول في حرب مفتوحة معها، في أيلول عام 1980، واستنزافها، في محاولة منهم لإيقاف المد الثوري والمعنوي لهذه الثورة التي حملت شعارات معادية للغرب والاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية .. وكان للمملكة العربية السعودية الدور الأبرز في نشوء وديمومة هذه الحرب التي استمرت لثمانية سنين،من خلال منح نظام صدام حسين أكثر من عشرين مليار دولار لخوض هذه الحرب، فاستنزفت الثروات البشرية والطبيعية لكلا لبلدين الجارين المسلمين، في حرب لا طائل منها، مما تسبب بنكسة كبيرة إلى قضية العرب والمسلمين الأولى وهي القضية الفلسطينية، التي كانت تمثل الهدف الأسمى للعرب والمسلمين وبالخصوص للثورة الإسلامية في إيران، وبذلك قدم النظام ألبعثي والدعم الخليجي الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية خدمة كبيرة ومجانية لإسرائيل .

ومنذ ذلك الحين أصبحت سمة الحروب بالنيابة هي السائدة في طبيعة الصراع القائم بين البلدين اللذان يشكلان شاخصين بارزين في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، كون المملكة العربية السعودية تطرح نفسها على إنها الحامي والمدافع الرئيسي عن حقوق المسلمين السنة في المنطقة والعالم، تقابلها إيران الشيعية التي يشعر اغلب شيعة المنطقة والعالم اتجاهها بالانتماء العقائدي، وهذا في حد ذاته يمثل تغير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي العربي، فقد شهدت المنطقة شكلا آخر من الصراع سابقا تمثل بالدولة العثمانية السنية في تركيا والدولة الصفوية الشيعية في إيران والذي استمر لقرون طويلة، عانى فيها الإنسان العربي والعراقي بوجه الخصوص الويلات، نتيجة هذا الصراع السياسي والاقتصادي، الذي اخذ منحى طائفي عقائدي، فكان سكان المنطقة بكافة طوائفهم هم الضحية لهذا الصراع الدموي، حتى أصبح هذا الصراع جزء من تراث شعوب هذه المنطقة ومظهر من مظاهرها، فظهر المثل القائل (ملة علي خوجة علي)، و(علي) هنا رجل دين صغير متذبذب الولاء يطلب السلامة والأمان، فإذا جاء العثمانيون أصبح ملة علي، وإذا جاء الصوفيون أصبح سيد علي .

إلا إن طبيعة الصراع السعودي الإيراني لم تصل لحد الآن إلى المواجهة المباشرة على الرغم من الاحتقان الكبير الحاصل بين الدولتين وعمليات الشد السياسي والطائفي والعسكري الحاصلة في المنطقة والتي تقف ورائهما هاتيتن الدولتين بصورة مباشرة، كما يحدث الآن في العراق واليمن وسوريا، والسبب إن كلا البلدين يسعيان إلى مد نفوذهما بالمنطقة ..لكنهما يخشيان المواجهة العسكرية المباشرة التي قد تجر أطرافا دولية كبيرة إلى هذا الصراع مما يتسبب إلى خروج الأمور عن السيطرة واللحاق ضرر كبير في ألبنا التحتية والمصالح الاقتصادية لكليهما، وللمنطقة بصورة عامة، وقد تسبب هذه المواجهة إلى نشوء حروب داخلية طاحنة ودموية داخل بلدان المنطقة بسبب التنوع الطائفي الموجود فيها كما في العراق والسعودية نفسها،إضافة إلى غياب حالة التكافؤ من الناحية العسكرية بين البلدين،بسبب القوة العسكرية الكبيرة والمتطورة التي تمتلكها إيران،وشكل العقيدة العسكرية الذي يمثل الطابع الثوري البنية الرئيسية لها .

إن ما يحدث بالعراق منذ أكثر من ثلاثة عشر عام وصراع الإرادات والنفوذ القائم بين من يريد أن ينهي المشروع الديمقراطي الذي يقوده الشيعة فيه عن طريق دعم الإرهاب والجماعات المسلحة المتطرفة، وبين من يحاول ترسيخ هذا النظام بغض النظر عن السوء الذي يحمله في ثناياه، ويعمل على محاربة الإرهاب ودعم الحكومة العراقية عسكريا ولوجستيا بهذا الشأن، هو احد أهم أشكال هذا الصراع القائم بين إيران والسعودية في المنطقة، وكذلك القضية السورية التي سعت السعودية ومنذ حكم الملك عبد الله على تحييد سورية وفصلها عن المحور الإيراني من خلال إغراء الحكومة السورية بأكثر من عشرة مليارات دولار كمساعدات ثمنا لفك ارتباطها مع إيران،فكانت نتيجة الرفض هو الفوضى والدمار القائم الآن في سوريا والذي استمر لخمسة سنوات متواصلة، تقف ورائه بصورة مباشرة وعلنية المملكة العربية السعودية من خلال مؤامرة دولية كبيرة توزعت في الأدوار وتوحدت فيها الجهود لإسقاط هذا النظام الذي يشكل حلقة الوصل في مشروع المقاومة الممتد من إيران إلى جنوب لبنان .

لكن ابرز مظاهر الصراع الإيراني السعودي في المنطقة تجلى بالحرب اليمنية الأخيرة، والتي اضطرت السعودية من خلالها إلى الدخول بصورة مباشرة لإيقاف ما تسميه المد الإيراني بالقرب من حدودها والمتمثل بالحوثيين الذين يعتنقون المذهب الزيدي ويحسبون على الشيعة، من خلال حرب غير متكافئة يشترك فيها طرفان احدهم يمثل اغني دول العالم والمنطقة والآخر من أفقرها وأكثرها بؤسا، في غياب واضح لأي المشروع سياسي الذي قد تقود إليه هذه الحرب، كون الحوثيون يمثلون جزء مهم من النسيج الاجتماعي والطائفي في اليمن وهم حقيقة قائمة على الأرض، مهما كانت نتيجة هذه الحرب العبثية التي امتدت لأكثر من عام كامل دون أن تحقق أي شيء من أهدافها المعلنة، وهذه الهسترية السعودية هي جزء من ردود الأفعال الغير منضبطة والغير محسوبة للنظام السعودي الحالي على الاتفاق النووي الإيراني الذي وقع مع الدول الست الكبرى والذي عد انتصارا كبيرا للدبلوماسية الإيرانية والتي سعت السعودية بكل ما تملك من نفوذ سياسي ومادي على الصعيد الدولي إلى إجهاض هذا الاتفاق والحيلولة دون توقيعه، أملا منها في جر إيران إلى مواجهة عسكرية مع أميركا والغرب تؤدي إلى خروجها من المعادلة السياسية والعسكرية في المنطقة كما حدث للعراق عام 1991 نتيجة غزو نظامه السابق لدولة الكويت .

لكن الدهاء السياسي الإيراني سحب البساط من تحت أقدامها، وخرجت إيران من هذا المخاض العسير الذي استمر لسنوات طويلة دولة نووية باعتراف دولي .. ومن يراقب المشهد الإقليمي والدولي الحالي يجد إن حالة الصراع الغير مباشر بين الدولتين الكبيرتين في المنطقة سوف تبقى قائمة، تجد بين الحين والآخر متنفس لتفصح فيه عن نفسها بشكل أو بآخر، وهذا قد يسبب نوع من القلق لبعض دول المنطقة خوفا من أن تصبح ساحة مفتوحة لصراع الهيمنة القائم بين الدولتين، والذي يبدو انه سيمتد لعقود طويلة قادمة .

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم