آراء

هل تحل روسيا محل امريكا للكورد؟

emad aliما لا يمكن الوثوق به هوالضمان في السياسة الخارجية لاية دولة كانت مهما كانت مصداقيتها ونظرتها الى الاخر وكيف تعاملت معه وباي اساس او وفق اي فكر او فلسفة ،و خصوصا من قبل دولة راسمالية لا تهمها الا مصلحتها الضيقة فقط . لقد تعرض الكورد في تاريخه الى خذلان والاجحاف بحقوقه المشروعة من قبل الدول التي انقسم عليها كوردستان، وقبلهم على ايدي المستعمرين والدول التي تدخلت طوال التاريخ في هذه المنطقة جميعا . فليس هناك دولة ولم تنكث بعهدها في التعامل مع الكورد، سواء اثناء الحركة التحررية الكوردستانية او في الاوقات الحرجة التي احتاج الشعب الكوردي لمسند او اعمدة قوية لبناء كيانه وخذلته اصدقائه دائما، ولكن من استفاد منه في وقت حاجته تراجع عند اقنضائها كما كانت الحال في جمهورية مهاباد او ثورة ايلول، الاولى تراجعت روسيا عنها والثانية امريكا، وهما الدولتان اللتان لهما باع طويل وتاثير كبير على تحديد مصير الشعوب بشكل واخر، هذا عدا ما اقدمت عليه بريطانيا في حينه من ضرب ثورة الشيخ محمود بكل قوتها و دمرت حركتها بما كانت لديها من الامكانيات والاسلحة وشتت الكورد واضرت بهم وقسمت ارضهم على الدول الاربعة وفق معاهدة سايكس بيكو مع فرنسا، وهي المسؤلة الاولى قبل الاخرين على ما اصابت الكورد من المحن طوال تاريخهم . ولازالت على نهجها ولم تعترف ولم تعوض ما سببته للكورد بما فرضته على الارض ولم تعد النظر في ما هي التي سببته ولازالت ترمي الى ما يهم مصلحتها فقط دون ان تنظر الى ما وصل اليه الكورد، وهي تراقبهم من بعيد دون ان تسندهم لبناء كيانهم وتحقيق اهدافهم كما فعلت لاسرائيل، واثبتت انها دولة استعمارية الفكر والنهج لحد الساعة .

هذا ما فرضه التاريخ ومصالح الدول العظمى ولم يكن نصيب الكورد شيء جراء ما اقترفته ايديهم من ما فعلوه بالضد من مصالحه، وما التضحيات الجسام التي قدمه الشعب الا وهي على عاتق بريطانيا قبل الدول الدكتاتورية التي توزعليها الشعب الكوردي، والمعيب فيها انها لازالت على نهجها وهي لا تحاول ان تصحح من اخطائها وما فرضته مصلحتها على حساب هذا الشعب المغدور، وهو يعاني لحد اليوم من الفوضى والتخلف الذي اصابه جراء ما سار عليه في تاريخه، ومن كان يوجه التاريخ الا هم هؤلاء .

اما اليوم وبعد التغييرات الجذرية التي حدثت في المنطقة، دون ان يتغير الوضع الكوردي، فاصبح لديه شبه كيان في القسم العراقي منها وما موجود في القسم السوري اصبح على الطريق وهو يتقدم بخطى واسعة ومنتظمة على الرغم من قصر مدته . فاصبح تدخل الدول الكبرى في شؤن هذه البلدان مختلفا عما كانوا يفعلونه من قبل، بحيث اصبحت تدخلاتهم مباشرة بعد ان حانت الفرص بعد الثورات العربية وتدخل الارهاب في شؤون المنطقة وغيروا الخارطات على ارض الواقع واستغلتهم امريكا قبل اي احد اخر، واصبحوا ملقطا بيد دول المنطقة ايضا، وهم يتصارعون ضمن المحورين السني والشيعي الذي برز على السطح بشكل اوضح او مباشر بينما كان الصراع خفيا من قبل .

تتغير المعادلات في كل ساعة، وان تكلمنا من الاخر فان دخول روسيا بشكل مباشر غيّر الموازين، وبعد اسقاط طائرتها وتغيير موقف تركيا وتنازلها عن ما ادعتها من قبل اصبحت للدوليتن السعودية والتركية مواقفا متقاربا من البعض، وهذا يدخل في صالح الغرب اكثر من دول المنطقة لانهما الة بايدي الغرب في تحقيق مصالحه مهما كانت . وتستخدم في الصراع الجاري عدة اسلحة عدا العسكرية فان السياسية والاقتصادية اصبحتا الموازية للسبلاح العسكري في صراع المنطقة، هذا عدا الصراع الثقافي والفكري الذي تصر عليه امريكا قبل غيرها .

اما ما يخص الكورد ومن يكون المناسب ليكونوا حليفا له، فله الكثير من الاوجه، وقبل اي شيء يتوقف ذلك على الكورد بنفسه وظروفه الداخلية وما يهمه . فاصبحت الدولتان الامريكية وا لروسية على خط مع الكورد في سوريا وجزء من العراق والاكثر اهمية هو في تركيا بنفسها التي اختلطت فيها الامور كثيرا وتعلقت ارجلها بما كانت تلح على ان تكون بعيدة عنه من الصراع العسكري الداخلي ولكنها دخلت فيه ولا يمكن ان تخرج منه بسهولة طالما اصرت على الموقف الذي لا يتغير ولا تحرك ساكنا عنه، وتراجعت عن الوعود التي قطعته في سبيل الحل السلمي للقضية الكوردية فيها . الموقف يكون على مسارين، اما التنسيق الكوردي في جميع اجزاء كوردستان حول الدولة المعتمدة المفروض ان يستندون ويعتمدون عليها في حركتهم والعمل على تحقيق اهدافهم، وهذا بعيد جدا من حيث النظر الى القيادة والعلاقات التي تربط هذه القوى في الاجزاء الاربعة من جهة، وفي كل جزء من جهة اخرى . وعليه يمكن ان يقرر الكورد في كل جزء ماهو الاهم له، لانه لا يمكن ان يبقى على حياد بين الموقف الروسي والامريكي والتابعين لهما على الرغم من انه الموقف الصحيح المناسب ولكنه يحتاج الى عقل وحكمة وتخطيط وتنفيذ وامكانيات وسياسة ناضجة . فان التغييرات التي حدثت من تقارب تركيا مع السعودية وما تفضله امريكا قد يدفع الكورد في غرب كوردستان ان يتقاربوا من روسيا يوميا اكثر من امريكا في النهاية، لان النهاية ستكون روسية على الارجح على الرغم من حركات تركيا وما تفعله امريكا من اعادة الكرّة في المنطقة اخيرا . اما الكورد في كوردستان الجنوبية فوضعه الاقتصادي قد سحب البساط من تحت ارجله، ولا نعتقد بان تمتد يد المساعدة اليه طالما خضع هو للقوى الخارجية الاقليمة والدولية بسهولة دون دراسة، وهو مستند على المصالح الشخصية الحزبية الضيقة دون ان يبحث في ما يهم مستقبله باي شكل كان . فان كان للكورد القدرة على اللعب بين روسيا وامريكا بمناورات مناسبة وفنون وبقدرة وتغييرات يومية يمكنهم ان ينتهجوا سياسة الحياد ويثبتوا انفسهم، ولكن مرة اخرى نقول ان القيادة الكوردية الحالية في جنوب كوردستان غير قادرة وليست بكفائة يمكن ان نعتمد عليها في مثل هذه الامور الصعبة التي تحتاج الى عقلية فذة وباساس علمي متين . سيكون لامريكا دورا كبيرا وباقيا في ظل بقاء التنسيق التركي السعودي من جهة، ومن خلال الاتفاقية الايرانية وما تطلبه مصالح اسرائيل وما يخفيه الطرفان الايراني والاسرائيلي عن العالم من ما يجري هو لصالحهم صدفة كانت ام نتيجة عمل مدروس ومشترك بشكل غير مباشر من جهة اخرى .

فان التنسيق الروسي الاسرائيلي حول سوريا من جهة، وما تفعله امريكا مع اسرائيل والسعودية وايران من جهة اخرى، سيدفعنا الى ان نعتقد بان التنسيقات المتعددة الجوانب الملتقية من جانب والمتفارقة المبتعدة من جانب اخر، تحتاج لتركيز كبير في تحليله ومعرفة ما تنتجه والاستنتاج منه، وعلى الكورد ان يتقنوا ما يجري كي يتخذوا اية خطوة تكون لصالحهم اولا . فان روسيا ستبقى وتبقي على ما تريده مصالحها وهي لن تسمح بسقوط النظام السوري ( ليس بشار الاسد ) طالما كان النظام الموجود يضمن ما تريده، وفي المقايل توجد امريكا التي تنسق لما بعد سقوط الاسد وكيف يكون النظام والبديل المنساب لديها، فانها لا يمكن ان تصر على السقوط في هذه اللحظة دون اي تنسيق مع روسيا او معرفة البديل منها .

اذن، الموقف الصحيح من قبل الكورد ازاء هاتين الدولتين روسيا وامريكا وما تتبعهما من الدول المنطقة يتوقف على المتغيرات اليومية و الاهداف المهمة والاولوية لكل منهما . فان الدولتين لا يمكن ان تضعا ما يهم الكورد قبل ما تريدانه من ما يجب ان تكون عليه المنطقة لكل منهما، وهما تختلفان من جوانب عدة وو تتوافقان من جوانب اخرى . فلا يمكن ان يفكر الكورد في اي بلد منهما كبديل للثاني ويجب ان يتعاملوا معهما على انهما في مسافة واحدة منهم . وهذه عملية صعبة يستوجب اتقانها من قبل جميع الاطراف الكوردية، ولكن من المؤسف ايضا ان الوضع الحالي غير مبشر لما يمكن ان ينجحوا فيه، لانهم ليسوا بالمستوى التي يمكن ان يعتمد عليهم ويمكن الوثوق بهم في ضمان نجاحهم، وبالاخص القيادة في جنوب كوردستان، لانهم لم ينجحوا في بقعة واحدة والعلاقات والسلطة كما نراها على حافة الهاوية فكيف بهم ان ينجحوا في هذا العمل الصعب ؟ ولا يمكن لاي من هاتين الدولتين الكبيرتين ان تحلا محل الاخر فيما يخص الكورد ومستقبلهم في المستقبل المنظور .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم