آراء

خسائر العراق البشرية: ارقام في ارقام

khadom almosawiتزداد يوميا ارقام الخسائر البشرية في العراق، ضحايا في ارقام موثقة وغير دقيقة، وأرقام اخرى فعلية غير موثقة وغير دقيقة ايضا، قد تزيدها او تضاعفها، وتظل في جميع الاحوال ارقاما في ارقام. لكنها تعبر عن مدى وحجم الخسارة البشرية من الضحايا المواطنين وما تتركه من اثار وأضرار على التركيب الاجتماعي والطبقى للمجتمع العراقي. وهذه الارقام في التقارير الدولية وبعضها في سجلات المنظمات الانسانية وأخرى في احصائيات حكومية من وزارة الصحة مثلا وبعض المنظمات المحلية، تعطي في مجملها مؤشرات لما حصل ويجري في العراق، قبل الاحتلال وبعده، خلال سنوات الاحتلال العجاف او بعد انتهاء عملياته العسكرية المباشرة، ومن ثم حروب القوى المستعمرة بالوكالة وما ينشر عنها، مباشرة وغير مباشر، علنا وسرا.

في اخر تقرير للأمم المتحدة، نشر في وسائل الاعلام يوم 19/1/2016 اورد على نحو مفصل التأثير الشديد والواسع للنزاع الدائر في العراق على المدنيين، حسب مصطلحاته وتسمياته لما حدث، حيث قتل ما لا يقل عن 18802 مدنيا وأصيب 36245 آخرين في المدة الممتدة من 1 كانون الثاني/ يناير 2014 الى 31 تشرين الأول/ اكتوبر 2015 (هذه ارقام التقرير!). وأضحى 3.2 مليون شخصا نازحين داخليا منذ كانون الثاني/ يناير 2014 بمن فيهم ما يزيد على المليون طفل في عمر الالتحاق بالمدارس. وقتل من المجموع الكلي للضحايا ما لا يقل عن 3855 مدنيا وأصيب 7056 آخرين خلال المدة من 1 أيار/ مايو الى 31 تشرين الاول/ اكتوبر من السنة الماضية - وهي الفترة التي شملها التقرير- على الرغم من أن الأرقام الفعلية يمكن أن تكون أعلى بكثير من تلك التي تم توثيقها. وحدث ما يقرب من نصف الوفيات في بغداد. (اقرار دولي بالخسائر البشرية الفعلية، ولكن!)

وفق التقرير الذي أعدته بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (OHCHR)، انه استند الى حد كبير على شهادات تم الحصول عليها بشكل مباشر من ضحايا انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي وناجين من تلك الانتهاكات وشهود عليها، بما في ذلك مقابلات مع نازحين داخليا. وذكر التقرير بأنه "لا يزال تأثير أعمال العنف التي يعاني منها المدنيون في العراق شديد الوطأة. وتواصل ما تسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) ارتكاب اعمال عنف وانتهاكات منهجيه وواسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الإنساني الدولي. وفي بعض الحالات قد ترقى هذه الأفعال إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وربما الإبادة الجماعية".

هذا ما يمكن الاتفاق عليه عموما وقبوله بحده الادنى وتظل اسئلة كثيرة عنه وعن مصادره ومصداقيتها والمؤثرات عليها ومتى يمكن تصديقها وتثبيتها في سجلات موثقة يعتمد عليها في المحاسبة والمحاكمة ورد الاعتبار للضحايا وأهاليهم وتعويضهم او على الاقل الاعتراف لهم بخسائرهم هذه وتحميل المسؤولية للمرتكبين لها دون مواربة او لف ودوران.

سلط التقرير الضوء على ارقام "مخيفة" وحدد مسؤولية وذكر "خلال الفترة التي شملها التقرير، قام تنظيم داعش بقتل واختطاف عشرات المدنيين وغالبا بطريقة استهداف. وشمل الضحايا الاشخاص الذين يعتبرون معارضين لفكر داعش وحكمه، والأفراد المرتبطين بالحكومة مثل منتسبي القوات الامنية العراقية السابقين وضباط الشرطة والموظفين السابقين والعاملين في مجال الانتخابات وأصحاب بعض المهن كالأطباء والمحامين والصحفيين وشيوخ العشائر والزعماء الدينيين. وتم اختطاف و/أو قتل آخرين بذريعة مساعدة قوات الامن الحكومية أو تقديم المعلومات لها. وتم إخضاع الكثير إلى المقاضاة امام مجموعات نصبت نفسها محاكم تابعة لداعش والتي بالإضافة الى حكمها بقتل عدد لا يحصى من الاشخاص كانت قد فرضت عقوبات قاسية مثل الرجم وبتر الاطراف".

في قراءته للتقرير سلط سام ماسترز في صحيفة الاندبندنت البريطانية الضوء على التقرير وأشار الى اعمال تنظيم داعش ومسؤوليته في الجرائم التي اعتاد التقرير والمنظمات الدولية القول بأنها ترقى الى جرائم حرب وضد الانسانية وربما الابادة، وكأنها لم تحصل بعد!. ما جاء فيه ان" تنظيم الدولة الاسلامية قتل في مدينة الموصل - التي تعتبر معقلاً للتنظيم في العراق - 9 رجال بدهسهم بدبابة سوتهم بالأرض". وإن "من بين هؤلاء التسعة الرجال، جندي عراقي وشخص يزعم التنظيم بأنه كان عميلا للأكراد". وأشار الى أن التنظيم " أسر 3500 شخص في العراق الصيف الماضي وأغلبيتهم من الطائفة الإيزيدية". وأن "التنظيم يعمل على عرض جثث عناصره الذي أعدمهم في محاولة لردع الآخرين عن عصيان أوامره". وختم المقال بالقول إن "التنظيم خطف نحو 900 طفل"، مشيرا إلى التنظيم أقام في 21 حزيران/ يونيو مسابقة لحفظ القرآن في الموصل، وكانت جائزة أول 3 رابحين الحصول على جارية توفر خدمات جنسية لهم. وذكر التقرير "استمرار تعرض النساء والأطفال للعنف الجنسي على أيدي مسلحي داعش وتحديدا بصيغة الاستعباد الجنسي".

وثّق نص التقرير ايضا حالات سوء معاملة وانتهاكات مزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي قامت بها قوات الأمن العراقية والقوات المرتبطة بها بضمنها الميليشيات والقوات العشائرية وقوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة. وأفاد بأنه "قد تكون بعض هذه الحوادث أعمال انتقامية ضد أشخاص يعتقد بدعمهم لداعش او ارتباطهم به".

كما وثّق التقرير اكتشاف عدد من المقابر الجماعية، وبضمنها مقابر في مناطق استرجعتها الحكومة من سيطرة تنظيم داعش فضلا عن اخرى تعود الى فترة حكم صدام حسين. وذكر ان احد المقابر التي اكتشفت تضم 377 جثة بضمنها جثث نساء وأطفال من الواضح انهم قتلوا في احداث الانتفاضة الشيعية ضد صدام حسين عام 1991 في شرق البصرة، وفق ما ورد في النص.

حذر مفوض الامم المتحدة السامي لحقوق الانسان زيد رعد الحسين من أن عدد الوفيات بين المدنيين قد يكون اعلى بكثير ودعا الى اتخاذ خطوات عاجلة للحد من الافلات من العقاب الذي تتمتع به الغالبية العظمى من مرتكبي اعمال العنف". وقال مفوض الأمم المتحدة السامي، "وتخفق حتى أرقام الضحايا الفظيعة في ان تبين بدقة مدى المعاناة الكبيرة التي يكابدها المدنيون في العراق. فالأعداد تشير الى أولئك الذين قتلوا أو شوهوا بسبب اعمال العنف السافرة، ولكن عددا آخر لا يحصى منهم قضى نحبه جراء عدم الحصول على المواد الغذائية الأساسية أو المياه أو الرعاية الطبية "!.

هل يمكن الصمت بعد؟!.

 

كاظم الموسوي

في المثقف اليوم