آراء

تخليد اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية خطوة على درب المصالحة مع المؤسسات

elmrazik almustafaإن البرلمان الذي لا يتفاعل مع ديناميات المجتمع وتطلعات فئاته المختلفة هو برلمان ليس جديرا بهذا الاسم (حكيم بن شماس)

خطوة جريئة على طريق المصالحة مع المؤسسات الوطنية، يدشنها مجلس المستشارين بمناسبة انعقاد البرلمان الدولي للعدالة الاجتماعية ببلادنا، والذي ينظمه ذات المجلس تخليدا لليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف يوم 20 فبراير تحت شعار "تنمية الكرامة الإنسانية لتمكين العيش المشترك"، تفعيلا للأدوار المنوطة بالبرلمانات الوطنية في التفاعل الضروري بين الحريات ومشاركة المواطنين والنمو الاقتصادي والاستثمارات الاجتماعية، وتدعيم مختلف الجهود الوطنية والدولية في مجالات العدالة الاجتماعية كما أقرها الاتحاد البرلماني الدولي في قراراته الرامية لتعزيز دور ومكانة البرلمانات في تقوية المؤسسات الديمقراطية.

و إذا كانت هذه المناسبة فرصة للتذكير بالعناصر المرجعية الأممية، في سياق ما يشهده العالم من تحولات واضطرابات، فإن الأولويات والأهداف تنبني على مرتكزات يشهد بها العالم اليوم تستند إلى قيم الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية، وإعمال حقوق الإنسان في كافة مجالات الحياة.

و لعل ما يعزز روح هذه المبادرة، هو الانخراط في ما يضمنه الدستور من مبادئ والتزامات ايجابية، تندرج جميعها في غاية تحقيق العدالة الاجتماعية، وتكرس اختيار المغرب الذي لا رجعة فيه في إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة ومقومات العيش الكريم.

إن تنظيم هذه التظاهرة في قلب مجلس المستشارين، يؤكد مرة أخرى أن ملائمة الإطار الدستوري الوطني مع التزامات المغرب الاتفاقية ومتطلباتها المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، خاصة تلك الناتجة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء والتمييز ضد المرأة وحقوق الطفل وحماية المهاجرين وأفراد أسرهم وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ هو درب من دروب المصالحة مع المؤسسات الوطنية.

كما أن تنظيم منتدى العدالة الاجتماعية بمجلس المستشارين في هذا الوقت بالذات له أكثر من دلالة حسب العديد من المتتبعين والمهتمين والفاعلين السياسيين والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني، لأن صيحة حركة 20 فبراير وجدت أخيرا صداها في المؤسسات التي من المفروض فيها أن تكون حاضنة لصوت الشارع وحراكه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإعلامي والرياضي.

إن إحياء اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي أقرته الجمعية العامة بتاريخ 26 نونبر 2007 ويحتفل به في 20 فبراير من كل سنة، هو رسالة ليست موجهة إلى المجتمع الدولي وللأمم المتحدة، بقدر ما هي موجهة إلى كل الفاعلين لتكون لحظة تقييم وطرح الأسئلة.

إنها محطة قوية في سياق ما تنتظره جماهير شعبنا من كل الفاعلين السياسيين ومن الدولة. محطة يجب أن نتعامل معها بعمق ورصانة، بعيدا عن أي سجال سياسي أو صراع انتخابي. إنها فرصة للمطارحة الهادئة والنقاش العميق المتحرر من السياسوية والبحث عن المكاسب الضيقة.

إنها سابقة في تاريخ المغرب أن يحتضن البرلمان مثل هذه المبادرة بانفتاح تام على تمثيليات دولية ووطنية، للتأكيد على مدى التناغم والتكامل في الرؤية المرجعية للسياسات العمومية الموجهة لتحقيق العدالة الاجتماعية كما وردت في عدد من الخطب الملكية السامية، والالتزامات الدستورية والاتفاقية لبلادنا، والإطار ألأممي للعدالة الاجتماعية.

لقد شكل مطلب العدالة الاجتماعية منذ بداية القرن 21 مطلبا ديمقراطيا يهدف إلى خلق نموذج مغربي للعدالة الاجتماعية بالارتكاز على الفرص الدستورية المتاحة، وعلى كل المكتسبات التي حققها الشعب المغربي بتضحياته وسواعده ودعم المبادرات الوطنية للتنمية البشرية وصيانة كرامة وحقوق المغرب القروي العميق بتفعيل آليات ومبادئ المساواة والتضامن الاجتماعي وتحقيق حد مقبول للحياة الكريمة لكل المواطنين.

و انطلاقا من أدواره الدستورية في مجال التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية، تأتي مبادرة مجلس المستشارين لتعزيز دور البرلمان في بناء صرح العدالة الاجتماعية لتحقيق تكافؤ الفرص بين كل المؤهلين والكفاءات للحصول على الوظيفة المناسبة لهم من دون محسوبية أو زبونية أو تمييز، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

و إذا كان "المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية" مساهمة وطنية في النقاش العمومي والترافع الانفتاح على كل العاملين في مجال التشريع، من أجل إغناء المنظومة الأممية للعدالة الاجتماعية، فإن تفعيل توصياته ونتائج أوراشه، رهين بإرساء آلية مستدامة لحوار عمومي تشاركي وتعددي مع الفاعلين المدنيين والاقتصاديين والاجتماعيين والجماعات الترابية حول العدالة الاجتماعية.

لقد راكمت الحركات الاجتماعية المغربية ما يكفي من تجارب سياسية ونقابية واجتماعية وثقافية، تؤهلها اليوم للمساهمة في إرساء دعائم عدالة اجتماعية سلوكا وثقافة تجعل التضامن الاجتماعي مسؤولية كل الأحزاب السياسية لتحقيقه ودعمه لتجاوز النماذج الاجتماعية التقليدية والخيارات اللاشعبية واللاديمقراطية وضمان سياسات عمومية مبنية على مقاربة حقوق الإنسان، عادلة ومنصفة ومندمجة ومتكاملة ومستدامة.

و جدير بالذكر، أن دعم مطلب العدالة الاجتماعية، في إطار التكامل الوثيق مع الإطار الأممي للعدالة الاجتماعية، هو كذلك مطلب كل قوى الحداثة والديمقراطية من أجل مغرب من دون أمية، ومن أجل ضمان جودة التعليم العمومي وتوفير فرص الشغل والسكن لذوي الدخل المحدود، وتوفير الرعاية الصحية ومعاش لجميع المغاربة، وتدعيم الحكم المحلي والحد من المركزية وتحقيق الحياة الكريمة للموطنين وحماية الفقراء ومحدودي الدخل وضمان حقوقهم المادية والمعنوية.

و أخيرا، وبناء على ما سبق، إن شرعية أي حكم ترتكز على أساس قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين، للحد من التفاوت الاقتصادي وتحقيق تنمية مستدامة قادرة على استئصال التهميش والإقصاء والاستبعاد وعدم المساواة والإجحاف والتمييز. كما أن العدالة الاجتماعية هي التزام وواجب سياسي واجتماعي وقانوني وأخلاقي.

 

المريزق المصطفى/ مكناس

 

في المثقف اليوم