آراء

العراق والبحث عن قيادة حكيمة (1): تحديد المشكلة

mohamadjawad sonbaمن البديهيات، أَنَّ الشعب العراقي مرّ بتجربة قاسية، في زمن النظام الصدّامي المقبور. هذه التجربة المريرة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.

في هذه العقود المظلمة، فقَدَ فيها الشعب العراقي، خيرة كفاءآته العلمية والفكرية والثقافية. كما خسر الكثير من موارده الاقتصادية. والأكثر من ذلك، فقد فقَدَ الشعب العراقي، شخصيات لو قُدّر لها البقاء الى الآن، لأصبحت رموز المرحلة الراهنة.

هذا الفراغ في ميدان العمل السياسي والاجتماعي، جعل الرأي العام، يعيش حالة التناحر والتشرذم. كما أنَّ فقدان الرمز ذو القدرة ، على اتخاذ المواقف الوطنية المصيرية، جعل السياسيين يتخبطون في ادارة الدولة، وتسبّبوا في اضاعة الكثير من فرص التقدم والازدهار على الشعب.

و أهمية وجود القائد الجماهيري في المجتمع، كونه الشخص الذي تتوفر فيه أكثر من غيره، الكثير من مؤهلات القيادة التي منها؛ الخبرة في ادارة الأزمات، والفراسة، والحدس والتوقع في تقدير المواقف الآنية والمستقبلية.

و فقدان القائد بالوقت الحاضر في العراق، جعل السياسيين يعيشون حالة الشلل والفوضى، وعدم القدرة على تحقيق الأهداف المركزية أو المصيرية، التي تصبّ في صالح الشعب. لهذه الأسباب، نلمس بوضوح تشرذم المواقف السياسية، وعدم الاجماع على رأي وطني واحد.

إزاء هذه الحالة البائسة، التي يعيشها الشعب العراقي، وظهور الطبقة (السياسية)، الفاقدة لعناصر؛ الأمانة والولاء والوفاء للوطن والشعب، تضاعفت على الشعب العراقي الازمات، وتكاثرت المعاناة.

لقد شهدت دول كثيرة في العالم، مراحل متأزمة من تاريخها، لكن وجود قيادات واعية لديها، كانت السبب المباشر لانقاذ تلك الشعوب، من اصعب الازمات التي مرّت بها. وللتذكير فان أَوربا مرَّت بظروف صعبة جداً، اثناء وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ففي روسيا استطاع (لينين 1870 - 1924)، الذي تبنى شعار (الأرض الخبز السلام)، تنظيم دور الحزب الشيوعي، ليقود روسيا ويحولها، من دولة زراعية الى دولة صناعية، وقوة عالمية ضاربة فيما بعد.

و (شارل ديغول 1890- 1970)، الذي مهَّدَ للشعب الفرنسي، مقاومة الاحتلال النازي لفرنسا. وبالنتيجة اسس لبناء جمهورية فرنسية، لها دور في التأثير بالسياسات الدولية.

و قائد ماليزيا (مهاتير محمد 1925- )، الذي عمل كرئيس وزراء متفانٍ، في اعوام حكوماته للفترة من 1981الى 2003، من اجل انقاذ بلدة من الفقر والتخلف. وكان من ثمار عمله، أَنّْ انخفضت نسبة السكان، الذين كانوا تحت خط الفقر، من 52% في عام 1970، الى 5% فقط في عام 2002.

و ارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولاراً، في عام 1970، الى 8862 دولاراً في عام 2002. كما استطاع أَنّْ يخفض نسبة البطالة إلى 3%.

وانجازات اولئك القادة، لم تكن في الخطابات الانشائية، وإنما كانت في المواقف والخطط والبرامج، النابعة من ارادات واعية، واصرار شديد على تصحيح الاوضاع الشاذة في بلدانهم، عن طريق تقديم الحلول الفاعلة، لمعالجة الازمات والقضاء عليها، بدلاً من الرقص على جراحات شعوبهم، كما يفعل ما يسمى عندنا، بالطبقة السياسية في العراق.

ان العراق بحاجة الى مبادرة عاجلة، من قيادات واعية، تدرك خطورة المرحلة التي يمر بها البلد، لتُنقذهُ من وضعه المتأزم. وأَمّا الخطابات الانشائية للبعض، فانها لا تقدم للشعب أَيّ حلّ. ما لم تُقرَن تلك الخطابات، بخطط وبرامج عملية، تستوعب بعمق، ان العراق يعيش في ظل تمزق مجتمعي، وتخلف سياسي يرتع بالفساد.

اضافة الى صراع مصالح، عدة دول في العراق. حيث تسعى هذه الدول، لفرض وجودها في المنطقة، والعراق هو الدولة الأضعف، التي تعيش وسط هذا الصراع. فمن لا يعرف تفكيك الازمات، لا يستطيع الاهتداء الى حلّ لها أبداً.

و بما ان التجربة اثبتت، ان الشعب العراقي يفتقد لوجود قيادة سياسية ميدانية حكيمة، تُجمِع عليها كل اطياف الشعب العراقي. فلا مناص اذن، من دور مركزي مرحلي، تقوم به جهة موثوقة، لتتولى انقاذ الشعب العراقي من ورطته. وكذلك قيامها بوضع الشعب العراقي، على الطريق الصحيح، ليتولى مسؤولية الطبيعية في مسك زمام الأمور بنفسه.

ومن وجهة نظري المتواضعة، اقترح ان تقوم مرجعية السيد السيستاني، بملء هذا الفراغ بشكل مؤقت، ووفق برنامج معدّ مسبقاً، وقابل للتطبيق عملياً، لتصحيح مسار الدولة العراقية، واصلاح الخلل في جميع اركانها ومفاصلها.

فمرجعية السيد السيستاني كما اثبتتها الوقائع، انها جهة حريصة على مصالح الشعب العراقي، وانها تقف على مسافة واحدة من جميع اطياف، ومكونات الشعب العراقي.

في الحلقة الثانية ان شاء الله تعالى، سأضع المعالم العامة لهذا الطرح، والله تعالى من وراء القصد.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم