آراء

لماذا التكنوقراط المستقل؟

emad aliاننا قبل ان نخوض في الموضوع، يجب ان نذكر بان التكنوقراط لا يحمل عصا سحري فيحول البلد في لحظة الى الجنة كما يعتقد البعض، هذا ان كان الهدف شريفا نابعا من ايجاد الحل للمشكلة العويصة التي وقع فيها العراق اصلا على ايدي من يريد ان يُخرج البلد من الوحل. نعم كانت السلطة العراقية خلال السنين الماضية  متنوعة الخلفيات من حيث المسؤل الحزبي فرديا، الا ان المجموع وما تعد تلك الالتزامات المفروضة عليه كان مهامه الرئيسي تحقيق ما هو تابع للاحزاب والافكار التي يريدونها وليست لها صلة ولو قليلة بما يمكن ان نعرّفه بالتكنوقراط الحقيقي المراد ان يلتزم العامل وفقه اي الكفاءة الفردية العلمية التخصصية من قبل المسؤل الحقيقي وليس باوامر حزبية يجرده من ما هو فيه من العلم والمعرفة . بعد الفشل الذريع في الحكم وادارة البلاد، خلال هذه السنين لمابعد سقوط الدكتاتورية البعثية، وبدلا من تحسين الحال ازدادوا الطين بلة وغاصوها واوصلوا البلاد لما نحن فيه، السؤال الجوهري هو ما الحل ؟ وهل يمكن ان يحله التكنوقراط ؟

هذه السنين التي مرت كانت تجربة حكم اسلامي وفشلت فيها الاحزاب الاسلامية وكما هي حال اكثرية السلطات الاسلامية في المنطقة من البلدان الشرق الاوسط المقهورة، ولم تكن السلطة في العراق بيد غيرهم ومشاركات الاخرين لم تكن الا شكلية، ونقصد هنا الجميع بكل مذاهبهم، انهم فشلوا وليس المذهب الشيعي فقط كما يتصور البعض ويتشفى، بل السلطة كانت دينية صرفة شارك بشكل واخر فيها المذهبان والاعراق ايضا . لم يكن هناك علمانيون ولا تكنوقراط مستقلون ولا ديموقراطية حقيقية لاسباب وعوامل عديدة ليس موضوعنا ان نذكرها اونحللها هنا بشكل تفصيلي . وان ادعى البعض بانهم كانوا تكنوقراط ايضا ولماذا فشلوا، هذا يحتاج لجواب، نقول؛ انهم ربما فيهم هنا وهناك يمكن ان نحسبهم على التكنوقراط، الا انهم لم يختاروا على اساس صفته وخلفيته العلمية او لكونه كذلك، ولم يختاروا احدا لم يكن ضمن حزب او تابعا له، وبه ستكون لحزبه المنة عليه ويعمل وفق مصالحه الحزبية بعد الشخصية وليس اعتمادا على كفائته العلمية الشخصية، ولم يفكر يوما بانه يجب ان يعمل وفق خلفيته العلمية بل كل ما كان يهمه هو اهدافه الايديولوجية الحزبية الدينية المذهبية، اي كانت خلفيته العلمية شكلية في الحكم وخلفيته الدينية هي المسيطرة والحاكمة على اموره ومسيره، هل من احد يذكر لنا حتى من الفطاحل التي ادعوا الخبرة وا لكفاءة وانهم من  التكنوقراط ولا يهمهم مصلحة احد وان كانوا ضمن حزب، فلمسنا افعالهم على الارض تدلنا على عكس ذلك، فتيقنا بانهم اما كانوا تابعين او ميالين بحيث اختراهم وزكاهم احد تلك الاحزاب الدينية  ليس لكفائته وعلمه بل لمصلحته الحزبية الضيقة وقدموا خدمات جليلة لهم اكثر من الحزبيين الدينيين المذهبيين .

هذه من جهة، اما جهة اخرى وهي الاهم، ان النظام السياسي الذي يسير به المسؤل ووفق الدستور المخترق في اكثر الاحيان لم يكن دافعا بان يلتزمالمسؤل التنكنوقراط الحزبي بمبادئه الشخصية العلمية وكفائته بل قيدت اياديهم من قبل الاحزاب التي جاءت بهم . اننا في الوقت الذي نعتقد بان الحالة عويصة وليس بالامكان ان تحل من خلال هذه التشكيلة البرلمانية الدينية العرقية المذهبية، يمكننا ان نعتقد بان الاساس المطلوب لوضع لبنة الحكم المدني يمكن ان يَبنى بمن سار ضمن مسار حياته منعكفا على اختصاصه اكثر من استناده على الفكر والايديولوجيا الحزبية، وهل يمكن ان ينجح في وسط معمعة الصراعات الحزبية الحالية والمصالح التي تمنع الاحزاب من السكوت على هذا رغم الادعاءات التضليلية المعاكسة للحقيقة التي يؤمنون بما لا يقولون .

السؤال الجوهري الاخر، هل يمكن ان تسير حكومة من التكنوقراط برئاسة احد جاء اصلا نتيجة انتماءه الحزبي وليس لكفائته وكونه ضمن مساحة التكنوقراط التي يدعيه الان، ان تسير على خطا ما تتطلبه التكنوقراط الحقيقي في عمله . وهل من الممكن ان يقود من زكاه حزبه الديني  كابينة وزارية وفق اسس غير دينية، ام انه ذر الرماد في العيون ويمكن تحقيق اهداف مخفية اخرى اكثر تعصبا من الناحية الدينية من المسار الحالي . هل يمكن ان يكون القائد السياسي الديني قد تراجع عن ما امن به خلال حياته من المبادي والافكار والمعتقدات الدينية وناضل من اجلها، ووضع نفسه لخدمة التحول والنقلة النوعية من الحكم بعيدا عن الخلفية الدينية التي يؤمن بها اصلا، ام هل احتك بما اقنعه من ان ما يسير عليه في السلطة ومن خلال حياته لم يكن افضل الطرق وهناك الافضل بعيدا عن كل ما آمن به منذ نشاته ؟

في الوقت الذي لا يمكنني ان اتيقن من هذا الامر يمكنني ان اقول ان الفشل الذي حصل في العراق وما هو فيه من الظرف والواقع الذي يختلف عن حتى اقرب دول المنطقة اليه، هل يمكن ان يجبر المتعايشين مع ظروف الحكم وكيفيته ان يعيدوا النظر ولو قليلا في خصوصياتهم الفكرية لاسباب ومنها، انهم كان قد تلامسوا مع السلطة المدنية لوقت ما كما هوحال العبادي، هذا ان لم يكن يقصد في قرارة نفسه اصلا التفرد وازاحة العوائق السياسية الحزبية امام مسيرته الشخصية فقط بعيدا عن مستلزمات العراق مابعد فشل السلطة الدينية .

اننا نقول، لو وعد العبادي بانه يتعامل وفق ما تفرضه حكومة التكنوقراط الحقيقية المبنية على الكفائة والخدمة العامة للشعب وليس استنادا على الامتيازات الحكومية التي تفرضها التوجهات الحزبية والشخصية فقط، وان تلمسنا منه التوجه العملي الصحيح في هذا الاطار، يمكن ان نتفائل جميعا في انه نحن مقبلون على المرحلة المتنقلة، الا انه التشاؤم جاء بعد تراجعه عن كل ما ادعاه والكتل اغلقت عليه الطريق وانهم سوف يختارون الممثلين عنهم ومن التكنوقراط الحزبيين!! وكما كان من قبل، اذن انه توقف وخضع لارادة الحزب مرة اخرى، فاين يمكنه ان ينفذ ما اراده بعد اليوم .

يمكن ان نقول بان الفرصة التاريخية التي سنحت امام العبادي ان كان يؤمن حقا بان السلطة الدينية فشلت وانه منها واراد من خلال خطوة انتقالية ان يسجل لنفسه تاريخا مضيءا، وعلى عكس ما امن به من قبل!1 فله ان يعلم خلال المدة الباقية من حكمه على ما وصل اليه ان يعمل على ما يبين للجميع بانه السلطة السابقة منذ سقوط الدكتاتورية وهو كان ضمنه كانت فاشلة ويجب ترميمها واصلاحها بشكل جذري ايضا وهو يتحمل تلك المسؤلية التاريخة التي يفرضه الوطنية الحقيقية . فله الفرصة وبهذه الكابينة المقترحة وكيفية التعامل معهم يمكنه ان يوضح للجميع ان المرحلة الانتقالية بدات ولا يمكن اخضاعها مرة اخرى لاوامر الحزب الدينية، وربما انتفضت الاحزاب وامنعوه في خطوات مهمة الا انه يمكنه ان يسير بهدوء ويفسح المجال في الدورات القادمة لاشخاص اخرين ان يكملوا ما هو يهم عليه، ويمكن ان نعتبرالحل بيد التنكنوقراط المستقل او غير الحزبي وهو البعيد عن الذي تُفرض عليه الاوامر الحزبية، وليس بشرط ان يكون هذا مجردا من الفكر والفلسفة .

اننا امام مفترق طريق حقيقي لحكم العراق ومستقبله ولكل خطوة تاثيراتها المباشرة على مستقبل العراق . وكما راينا المالكي قد مست مصالحه ومصالح حزبه وانتفض بالامس من الخطوة، سنجد الاخرين ايضا ومن جميع الاحزاب يوافقونه الراي طالما بقت التشكيلة النيابية كما هي، وعلى العبادي ان يعلم بانه سوف يعمل عملا تاريخيا ان تغيرت الحال واصبحت التشكيلة النيابية المقبلة متاثرة بخطواته الحالية واصبحت قريبة من المسار الصحيح الذي يتبعه . فلننتظر .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم