آراء

شيزوفرينيا الخطاب السياسي

raed jabarkhadomكعادته حين تشتد المصائب والمحن والازمات السياسية الكارثية على البلد من جراء السلوك السياسي المنحرف ظهر السيد الرئيس على شاشات التلفاز، بخطابه المشلول الشيزوفريني داعياً الشعب الى ضبط النفس، والتهدأة والاتزان الجماهيري وأتخاذ طريق الحكمة والروية، وتحذيره من خطر اللعب بالسياسة والاقتراب منها، وتذكيره بأن البلد لا يحتمل الازمات والتصعيد، وأن قيمة الامن في القمة، وهي من اولويات الدولة والشعب، وأننا اليوم في حرب مع الارهاب لا تسمح لنا بالتشظي والانقسام السياسي، وأن السيد الرئيس ماضٍ بالاصلاحات الى ما شاء الله، ولملمة الامور وحل الخلافات وفق الحوار وعلى طاولة واحدة لهي كفيلة باصلاح الامور السياسية داخل البلد. وهذه الكلمات عهدناها كثيراً والفناها تُردد من قبل السياسيين والمسؤولين ساعة الصفر، وحين تهدد مصالحهم ويثور الشعب وينتفض عليهم.

سيدي الرئيس عهدناك والطاقم السياسي والحكومي بأنكم خطباء منذ زمن بعيد، وتمارسون هذا الدور والوظيفة بقوة وقت تشتد الازمات، كما عهدناكم بأنكم رجال اقوال لا رجال افعال، وساسة تخدير لا اصلاح وتغيير، أسألكم بربكم الذي تعبدوه وبالهكم ان كنتم تخافوه، هل الشعب من يحدث كل هذا الضجيج والفوضى العارمة في البلد أم انتم ؟ هل تدعون الناس للأتزان والهدوء والصبر عليكم وعلى أفعالكم ونحن نعتصر ألماً من سوء حالنا وضياع بلدنا ونهب خيراتنا وموت شبابنا ونزوح وتهجير أهلنا من مدنهم وبيوتهم ؟ اتريدون ضبط الشارع والجماهير بخطابات تخديرية ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تهلك الحرث والنسل، وتوعدوه باصلاحات هزيلة متهرأة لا جدوى لها ولا جدية ترتجى منها ؟ أهناك خطابات أخرى في الطريق أم سيكون ذلك آخر الخطابات السياسية التي لم نعد نهتم بها ولا جدوى لها ولا قيمة سوى اضاعة الزمن وهدر الصحة وتصدع الرؤوس منها؟ لن تنطلي على الشعب اللبيب تلك الدعوات والاصلاحات الفارغة التي ملأتم الخافقين بطنينها وضجيجها، ولن يسلم الشعب لكم لحيته لكم مرة أخرى لتضعوه في هذا الموقف التاريخي الحرج، لقد اثبتم انكم بعيدون عن الشعب ولم تقتربوا منه قيد أنملة، ولم تتعرفوا على همومه ومتطلباته ولم تعملوا على خدمته ولم تؤدوا وظيفتكم بالصورة الشرعية والقانونية السليمة التي ترضي الله والشعب عنكم، لقد كنتم في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، لأنكم بعيدون كل البعد عنه، وتجلسون في منطقة رئاسية معزولة عن الشعب، وتمارسون وظيفتكم منها دون علم بما يجري من أحداث وقضايا داخل المجتمع وخارجه، فما وصل اليه واقعنا من تشرذم وتأزم وتمزق هو نتيجة منطقية للخراب السياسي الذي تعيشوه انتم والذي ألقى بضلاله على واقعنا الحياتي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

تحيرني وتدهشني أسئلة ومواقف كثيرة ومنها، أن السياسيين والمسؤولين يريدون منا ان نستجيب لخطبهم وكلامهم رغم أنه كلام فارغ لا قيمة له ولا معنى، وهل نسمع من فاسد نصيحة وهل يرتجى من عليل شفاء ومن ميت حياة، ثم ان الشعب كم مرة خاطبكم لتغيير سلوككم وأصلاح بلدنا ومحاربة الفاسدين ومحاسبتهم ومقاضاتهم، ولكنكم تصرون على الخطأ ولم تستجيبوا له ولا لمرة واحدة. أيُ تهدأة وضبطاً للنفس والاتزان تطلبوها من الشعب وأنتم تأخذون به الى بر العذاب والخراب والدمار؟ أي صبر بعد هذا الصبر الكونكريتي تصبره أمهات الشهداء وآبائهم وعوائلهم وأنتم تفترشون أرواح الشهداء أرضاً لكم وتسحقون فوق أمجادهم ودمائهم الزكية الطاهرة.؟ لقد مُتعتم بطاقة هائلة ليس لها مثيل من (التطنيش) و(التثويل) والتجاهل لحقوق هذا الشعب لسنين ما لا طاقة لنا به على الصبرعليكم، فلقد بلغ السيل الزبى، وتبدد صبرنا، وطال امد الابقاء على فسادكم وأنتم ترفلون بالعز والسلطة والاموال والجاه والاحوال، منذ زمن دون مراعاة لهذا الشعب وسوء حاله وفقد خدماته وتضييع حقوقه وثرواته من قبلكم. انكم تخاطبونا على قدر عقولنا وتضحكون علينا، لكن الشعب سيحاسبكم على قدر فسادكم ودماركم وحجم أراقتكم للعراق وأهله، ويقاضيكم ويستأصلكم غير مأسوف عليكم ولا رغبة بالرجوع أليكم. لقد سُستم هذا البلد لسنين طوال دون بوصلة او استراتيجية او مشاريع او خطط تنموية او اعمار او خدمات او امن او مواطنة، لم يكفيكم سرقة بلدنا وثرواتنا بل عمدتم واتيتم على افراحنا وتاريخنا وعلاقاتنا الاجتماعية ووئامنا وتنوعنا لتسرقوه منا، وتبقون على احزاننا وبؤسنا وخرابنا الذي زرعتموه في جسد هذا البلد الطيب الجميل الامين.    

سحقاً لتلك الخطابات التي تقتلنا كل يوم ألف مرة وتوقظنا بعد حين لنشاهدكم دون رحيل، سحقاً لتلك الشعارات التي لم نجنِ منها سوى اقوال دون افعال، تعساً لتلك الاصلاحات الفاشلة التي نصبح ونمسي عليها دون تنفيذ، تعساً لمشروع التكنوقراط الحكومي والسياسي الذي اجُهض منذ يومه الاول، لعدم نزاهة اصحابه وصدقهم واخلاصهم، بؤساً لوثائق الشرف وعهودها التي امطرتموها علينا منذ سنين خلت وما تزل، ولم تزدد من الشرف السياسي شيئاً، بؤساً لكل خرائط الطريق التي لا طريق لها ولا وجهة ولا قبلة.

أيها السياسيون لقد اغدقتم علينا من الشرف الشيء الكثير، فرفقاً بنا نحن لسنا أهلاً لذلك، ولا طاقة لنا اليوم بكل هذا الشرف. ايتها الحكومة افيضي علينا مما اُفيض عليكم من الصلاح والاصلاح لأننا لا صلاح لنا من دونكم، فأنتم ثقة الشعب ورجائه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من آمن بكم بقلب سليم. ايها السيد الرئيس الكريم تلطف بنا فنحن لا طاقة لنا بحكومة التكنوقراط وهذه الانجازات الكبيرة التي تحققت من قبلكم كي توصلنا الى بر الأمان. ايتها الكتل والاحزاب السياسية نشكر ونثمن وقفتكم التاريخية الخجولة تجاه أخراج البلد من أزماته الخانقة التي زدتموها حلكة وظلاماً دون حكمة وضياء. لكم ايها السيدات والسادة وأنتم ترفلون بالفساد وتسبحون في بحر أمواجه الهائجة، كل الخزي والعار والذل والهوان وأنتم تبيعون هذا البلد الامين وتشربون على روحه الخالدة نخب الفساد. لكم ايها القادة والزعماء والساسة ألعن التهاني والتبريكات وأنتم تضعون البلد على عتبة فساد وخراب ودمار جديد يضاف الى سلسلة مشاريعكم الفاسدة التي أغرقتم بها البلاد والعباد. ألف تحية عار وأذلال للسادة الشركاء والفرقاء الخصوم ممن يصبون زيتاً فوق النار ساعة تشتد أزمة بلدنا، وألتي لم تر الانفراج منذ عرفناهم، أخوان سوء وخلاف وكراهية. ترليون باقة ورد وحب فوق رأس الشعب الذي لم ولن يرضخ او ينحني للفساد، وسيقض مضاجع أهل السوء والطائفية والمحاصصة من ساسة الجور ورواد التخدير السياسي والاحزاب المتسلقة. ترليون دعوة أمن وأمان وعطر ووئام نرسلها وننثرها فوق رؤوس قواتنا المسلحة والامنية البطلة والشرفاء من القادة الذين يسهرون على حماية امننا وفقأ عيون اعداء بلدنا ومن أرادنا بسوء وبلاء ومكروه.

سادتي اصلحوا انفسكم قبل أي خطوة أصلاح تُقدمون عليها، وتشاوروا بينكم قبل خروجكم بأي مشروع أصلاحي للشعب، ولا تطلقوا الشعارات والهتافات ولا تعقدوا الصفقات ووثائق الشرف وأنتم ليس أهل لها، كونوا صادقين مع انفسكم ومع الآخرين، وقوموا بخدمة الشعب لا بخدمة أنفسكم وتحقيق مصالحكم الشخصية المقيتة. ووجهوا خطاباتكم لأنفسكم لا ألى الشعب فحسب، فأنتم من يتطلب منه تحقيق الاصلاح والمشاريع والتغيير، ولا تصدعوا رؤوسنا كل يوم على الفضائيات بكثرة الكلام ومزيداً من الازدواجية والنفاق والكلام الفارغ، فلقد مللنا ذلك وأستأنا كثيراً من كل ما تقوموا به، لأنه كذب وزيف وخداع لا مثيل له في تاريخ الفكر السياسي.

 

د. رائد جبار كاظم

 

            

في المثقف اليوم