آراء

"الكيف" بين الصراع الطبقي والانتقال الديمقراطي

elmrazik almustafaهل انتصر"الفلاح الكتامي" في فرض موضوع "الكيف" داخل الفضاء العمومي المغربي؟

لم يكن بالأمس القريب مسموحا لأحد بالدفاع عن زراعة القنب الهندي أو المطالبة بتقنينه، ولم يكن من السهل أن تكشف عن هويتك "الكتامية" أو إنتماءك لأحدى دواوير ومداشير تنتج العشبة الخضراء.

واليوم، ماذا تغير؟

لعل ما يجب الإشارة إليه قبل الغوص في الموضوع، هو هذه اللحظة الفاعلة والمبدعة في تاريخ منطقة ظلت إلى أمد قريب تعيش في العتمة، معزولة عن تناقضات النمط السوسيو- إقتصادي المركزي، والتي من معالمه بروز مواقف صلبة (وأحيانا راديكالية) من هذا التحول الذي جعل مستقبل "بلاد كتامة" محرك أساسي للفاعل السياسي وللنخب محليا، جهويا ووطنيا.

و يجدر بالذكر هنا أيضا أن التطور السياسي في المنطقة واستحضاره للظلم التاريخي الذي عاشه أهالي كتامة، ساهم بشكل كبير في التفكير بطرق وأشكال أصيلة وإبداعية لمقاربة الموضوع وإخراجه لعموم الرأي العام من دون حشمة ولا خجل.

إن هذا التطور الحاصل اليوم في مقاربة الموضوع، وانطلاقا من الخبرة الذاتية،يجعلنا نذهب إلى أبعد من ذلك لنسلط الضوء على الخطوط العامة والعريضة للشروط التاريخية التي أنتجت طبقة الفلاحين المزارعين في المنطقة، ومنها المرحلة الكولونيالية وما نتج عن العلاقات بين الدولة و"المجتمع الكتامي" منذ ما بعد الاستقلال.

و في هذه الإضاءة، وكما في أبحاث وأطروحات مختصة التي أنتجها نخبة من الباحثين، يبدو تحليل الوضع انطلاقا من تطور الطبقات الاجتماعية في تاريخ بلادنا ضروريا في كل أبعاده وأصالته. إنها مرحلة بداية المصالحة مع مغاربة وطنيون عانوا الأمرين من العبودية المتمثلة في العمل الجبري للنساء والفتيات والأطفال في غياب تام وكامل للحماية الاجتماعية، إلى معاناتهم  مع الفاشية أيام جعل الجنرال فرانكو المنطقة الخليفية قاعدة خلفية لتمرده العسكري على الحكومة، وما تكبدوه من ظلم وإقصاء وعزلة وتهميش طوال الحكومات المتعاقبة على مغرب الاستقلال.

ورغم التطور الذي حصل في البنيات الاقتصادية والاجتماعية المغربية، ظلت "بلاد كتامة" تعيش في شكلها القبلي كشكل من أشكال المجتمع الكلي القائم على مجموعات سكنية متعددة ومختلفة (عائلات، تجمعات بشرية، مجموعات محلية مندمجة فيما بينها)، يشعر أعضاؤها بنوع من التضامن العميق بينهم أكثر من قوة تضامنهم وعلاقتهم مع الخارج. 

و إذا كانت الدولة الحديثة قد أعطت أولوية قصوى للمغرب الحضري في العديد من المجالات والقطاعات التنموية، فإن الانتقال الاقتصادي والاجتماعي في "بلاد كتامة" ظل معطلا، وظل مرتبطا بنظام الأدوار التي خولتها الإدارة المركزية لهذه المنطقة التي ساهمت – عبر طبقتها الميركانتيلية – في بناء وتوسيع العديد من المدن والحواضر المغربية.

إن إلقاء نظرة سريعة سواء على درجة التطور الاقتصادي والتنموي أو بنيات الإدارة والخدمات في المغرب الحضري تكشف لنا عن بساطة وضعف " بلاد كتامة"، ما يجعل الانتماء الاجتماعي لسكان هذه المنطقة للوطن يحتاج فعلا لانتقال ديمقراطي جهوي، يضمن المساواة والعدالة المجالية والأمن الغذائي والسلم الاجتماعي لكل المواطنات والمواطنين المغاربة من دون تمييز ولا تقسيم بين أبنائه.

و إذا كانت "بلاد كتامة" تتجه اليوم نحو الذوبان في المدن والمناطق المجاورة لها بقوة العناصر التاريحية التي أشرنا إلى البعض منها، فإن تكامل هذا الاندماج لن يتم إلا من خلال/ وبواسطة قوانين وإجراءات حكومية أو تشريعية تقنن زراعة "الكيف" وتجعل منه رافعة للتنمية المحلية في إطار  قانوني منظم، في أفق إدماج المنطقة في المشاريع الوطنية المهيكلة الكبرى على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمجالي  والبيئي.

إن التطور المنشود ل"بلاد كتامة" بات يفرض نفسه على كل الفاعلين الأساسيين في المجتمع، رغم غياب رؤية موحدة ومنسجمة حول البدائل التنموية المقترحة. وهو ما يتطلب في المرحلة القادمة تهيء أجواء المصالحة والمفاوضات المباشرة مع كل المعنيين بالموضوع.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم