آراء

هل أتاك حديث الفحولة السياسية!!!

almustafa abduldaemالتقرير الاممي الاخير رقم 2285 لم تستوقفني فيه مضامينه السياسية، ولاما اعتمل في إخراجه من تجاذبات سياسية بلمسة هتشكوكية بارعة، ابتدأت بخرجات بان كي مون بمخيمات اللاجئين الصحراويين، تلتها معركة التصريحات والتصريحات المضادة بين المغرب والامين العام للامم المتحدة، أعقبها بعد ذلك البيان المشترك الروسي / المغربي، وموقف مجلس الامن الذي لم يساير رغبات الامين العام بان كي مون، ثم دخل الملف دهاليز الصياغة الامريكية في نسختين ثانيها مخالف تماما لأولها ... وطبعا سبق كل هذه التجاذبات إسهال لغوي لقادة البوليساريو وإن كان لا يبشر بسنة 2016 سنة للحسم، على شاكلة سنة 2015، لكنه (اي هذا الاسهال اللغوي) هلل ب"عزلة" مغربية دولية قاتلة، واعتبرها مدخلا حتميا ل" هزيمة سياسية نكراء للنظام المغربي " ...

نعم لم يستوقفني كل ما سبق ذكره، لكن ما استوقفني حقا هو تعاطي  القادة الصحراويين معه انطلاقا من اعتبارهم السياسة " ملكا ثقافيا خاصا"، يوظفونها من خلال اشتقاقها اللغوي،فالسياسة من ساس يسوس الإبل سوسا وسياسة !!! وهكذا فإن سادة البوليساريو يمارسون السياسة اعتمادا على هذا الفهم "التملكي"، الذي يعتبر السياسة " صحراوية " المنشأ والغايات، وبما أن  السياسة " منتوج صحراوي " مجالا وثقافة،  فقد بنيت تجربة البوليساريو السياسية أوفي السياسة  على الانتصار الفج " للفحولة " المطلقة المستمدة من قطيع الإبل حيث تتاح ل( امخول= الجمل الفحل في القطيع ) كل مساحات الفعل الجنسي (هنا بمعناه الرمزي)، باعتباره المصدر الوحيد داخل القطيع للإخصاب الذي يعني الحياة، خصوصا ونحن كشعب صحراوي نعاني ومنذ أربعين سنة من حالة إخصاء سياسي، والدليل أن المؤتمر العام للبوليساريو لم يكن الا اعادة انتاج هذا الفهم المؤكد على موتنا الرمزي الجماعي (نحن كشعب في  حالة إخصاء سياسي)...

وبالعودة إلى تقرير شهر ابريل 2016 فما من داع للتذكير بفقراته،  التي طبعا جعلت البوليساريو ينطبق عليه المثل الصحراوي (لمغط بليام عريان) .. فالمغرب الذي روجت البوليساريو انه يعيش عزلة دولية، وأنه في صراع مع الأمم المتحدة، وأنه و أنه وأنه ... ورغم كل هذه الهزائم التي تنفخ فيها قيادة البوليساريو، والتي لم تشكل أبدا انتصارات لقيادة لهذه الاخيرة ، فبالأحرى للشعب الصحراوي، بل حولته إلى شعب متسول ينتظر مؤتمر الدول المانحة الذي تعتبر في العرف السياسي الدولي المقدمة المتاحة للتدخل بداية في شؤون  الجهة الممنوحة ، و التحكم في قراراتها فيما بعد.

غير أن ما استوقفني حقيقة هو إعلان قيادة البوليساريو على غير عادتها شهر أبريل سنة 2016 شهر حداد سياسي، دشنه الخرس الذي أصاب العديد من قياديها البارزين، مضاف إليه أجواء الخوف و الرهبة اللذين أشيعا في قلوب الصحراويين .. الخوف والرهبة من الموت وحضرتها .. ولأن الصحراويين في كل مكان، وكما كل المسلمين يغلبون في تعاطيهم مع الموت المادي والرمزي، المتعارف عليه أن" الموت حق " و"اذكروا موتاكم بالخير"، ولأن " إكرام الميت دفنه " تقام الاحتفالات الجنائزية الضخمة والمفتخرة، وتبرز عناوين تمجيد خرائط الموت والضياع، ويتنافس المسؤولون / الثوار في صم الآذان بخطب التأبين الثورية، وطبعا يكون الهدف الأسمى عن سبق الإصرار تغييب التشريح السياسي المفترض لهذا الصراع الدائر منذ سنوات والذي ينتج كل يوم أوضاعا مزرية تزداد كل يوم مأساوية، مقابل الخوف والتهيب من الموت ..الموت الذي يتربص الرئيس، كما الموت الذي يتربص المشروع السياسي برمته ...

و من المفارقات العجيبة أن أربعينية هذا الموت بدلالاته السياسية يصادف هذه السنة، ذكرى عاشر وعشرين ماي المناسبتين اللتين يستغلهما عادة  سادة البوليساريو فقد بوشرت كل أسباب التعجيل بوضع كل مظاهر الحزن، وشرع المسؤولون في هدم كل خيام المأتم الأبريلي الأسود ، و التحضير الكبير والفوري لوسائل البهرجة السياسية الضرورية المستقدمة من  منطقة النزاع، والكفيلة بوضع المساحيق المطلوبة للإخفاء المؤقت لأوجه الفشل، وتعميم سريع ل " مسرحة " الحياة السياسية من جديد بمشاهد تمجيد الماضي، والتنويه بالحاضر، ودفع الجميع إلى إنتظار الغد المشرق ؟...

ورغم أن الانتظار قاتل، لكنه بالنسبة لقادة البوليساريو ممر ضروري لإنقاذ الموقف،  والخروج السريع من خيام المآتم التي يخلفها كل سنة شهر أبريل المشؤوم ..  خصوصا وأن هذا الشهر فلم يستطع مرة أخرى  تحقيق " الانتصارات " التي طالما بشرت بها قيادة البوليساريو، فلم تتحقق فيه سنة الحسم، ولا توسعت فيه صلاحيات المينورسو، ولا استعملت روسيا وبريطانيا اللتين لطالما عدد إعلام البوليساريو المرئي والسمعي والمكتوب  مواقفها الداعمة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير .. دون ان ننسى الولايات المتحدة والصين الشعبية .. تصويت دول الفيتو وامتناع روسيا على تقرير 2285 هل يعكس عزلة المغرب الدولية أم عزلة البوليساريو ؟ ..

وعلى العكس شكل هذا الشهر المشهور  بكذبته، نذيرا دوليا لنواح صحراوي مكرور، يغدو – أي هذا النواح - (فعلا انطولوجيا من أجل البقاء رغم خروج الروح) ..  شهر أبريل لسنة 2016  جاء تقريره في الحقيقة عاكسا للمناخ السياسي المقيت الذي ساد منذ سقوط يافطة " 2015 سنة الحسم "، ذاك السقوط المدوي الذي كان بالإمكان ومن خلال محطة المؤتمر 14 للبوليساريو، أن يشكل مقدمة لمراجعة فكرية شاملة قادرة ليس فقط على إعادة النظر في الأسس النظرية لتجربة البوليساريو، ولكن وهذا هو المهم إعادة بناء تصور لمستقبل يتجاوز الأرض والتراب، ويتطلع لآفاق مغاربية أوسع وأرحب، تستحضر التحولات العالمية الكبرى من جهة، ومصالح الشعوب من جهة أخرى .

لابد في الختام التأكيد أنني قرأت هذا التقرير الأممي 2285، قراءة تستحضر أبعاد هذه  العلاقة بين الحكام والمحكومين والتي تتحكم فيها في العمق العلاقة بين الحكام كرمز للإخصاب، والمحكومين المجبرين على القبول أن تمارس عليهم عملية الإخصاء، وتأثير هذه العلاقة على قضية الحياة والموت باعتبارهما تدخلان ضمن اختصاصات الحكام ماديا ورمزيا . والخلاصة أن تجربة البوليساريو هي إخصاء سياسي لكل الصحراويين ما يجعلها – اي تجربة البوليساريو – نموذج متقدم للمخزن الصحراوي المعتمد على الفحولة السياسية باعتبارها الوجه غير المرئي لالة الاستبداد ...

 

المصطفى عبدالدائم

عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين

 

في المثقف اليوم