آراء

التجربة الشيعية أنظمة ومسارات!!

الحديث عن العراق ومستقبله هو حديث الساعة والساحة، وليس ذلك ترف فكري، وإنما بسبب حساسية المرحلة وخطورتها، خصوصاً وان البلاد تواجه منعطف سياسي خطير، بعد تعطيل البرلمان، ومحاولة سرقة دوره التشريعي والرقابي، اذ ان اغلب الأحزاب والتيارات في البلاد تعمل من منطلق مصلحي حزبي، وتعد اي عمل سياسي يجب ان يَصْب في مصلحتها، اذ ومن خلال الاستقراء الموضوعي لأغلب هذه التيارات لا وجود لهم المواطن، او البحث او الدفاع عن مصالحه، والشعور بالانتماء الوطني العراق وشعبه، الامر الذي ولد شرخ وحاجز بين هذه الأحزاب والتيارات، وشيوع مبدأ عدم الثقة، واتهامها بالفئوية والحزبية .

الآحزاب الشيعية عموماً يمتلك كُلُّ منها ايدلوجية فكرية، فالتيار الصدري يسير خلف روى وافكار السيد محمد الصدر، وهو لا يؤمن كثيرا بالمرجعية الدينية العليا، بل يسير وفق منهج الصدر، ويعده مرجعاً فقهياً وفكرياً، وأما حزب الفضيلة فهي الآخرة. أنتجت رجل معمم منها لتسير خلف رُواه وهو اليعقوبي، وهي الاخرى لا تؤمن بشي اسمه المرجعية الدينية العليا، وتعتقد ان مصلحتها منوطة  بوزارتها التي هي مصدر بقائها، وأما منظمة بدر فهو التشكيل العسكري الذي تأسس في الثمانينات في ايران، ويكون القوة الرديفة للجيش الإيراني في حرب الثمانينات بين نظام صدام وإيران، وعاد بعد السقوط ليسير خلف الرؤية التي يعتقد بها، وهي ولاية الفقية، وأما حزب الدعوة، فهو الاخر لا يختلف كثيرا عن سابقة من التيارات الاسلامية وتحديدا الشيعية منها، فهو لا بؤمن بالمرجعية، ويعتقد ان المرجع يمكن ان يكون ضمن الحزب، فإذا اصبح المرجع حزبياً، جاز لأفراده السير خلف فتواه ورواه،  وأما المجلس الأعلى فهو الاخر في زمن المعارضة في الخارج، وكان السيد محمد باقر الحكيم، الشخصية العلمائية التي اكتسبت الحضور اللافت في المحافل الدولية،فهو ابن زعيم الطائفة السيد محسن الحكيم، اذ سعى الى تشكيل المجلس الأعلى ليكون خيمة المعارضة في الخارج، كما يعد من أهل العلم والاجتهاد، وممن أشار بمرجعية الامام السيد السيستاني عندما تصدى للمرجعية في تسعينيات القرن الماضي، الامر الذي جعل خارطة التيارات الشيعية تتوضح، وتنكشف رواها، ومتبنايتها الفكرية، وحتى بعد سقوط النظام ورجوع السيد محمد باقر الحكيم الى العراق، أعلن عن وقوفه مع المرجعية بمطالبها وأهدافها، وانه جندي مخلص لهذه المرجعية الكبيرة والواسعة .

من هذا السرد المرحلي والتاريخي للتيارات الشيعية، نجد ان حركتها تختلف باختلاف أهدافها وأيدلوجيتها، وكان خير دليل على اختلاف حركة هذه الأحزاب، هو وقوف حزب الدعوة بوجه المرجعية الدينية، ومطالبها بإجراء التغيير، وإعلان رفض الولاية الثالثة، الامر الذي قوبل بالرفض من حزب الدعوة، وتمسكها بالمالكي للولاية الثالثة، ولولا تحرك بعض الأطراف الشيعية، وإعلان مرشحها العبادي، لكنا لليوم نعيش أزمة الولاية الثالثة، ناهيك عن التحرك الغير منضبط للتيار الصدري، وقرارات زعيمه التي عبرت عن اهواء ورغبات، وعكست تخبطه، كما انها عكست انفلات الجمهور الصدري، ولا يمكن السيطرة عليه او توجيهه توجيها يَصْب في مصلحة المشروع الوطني، والعمل السياسي في البلاد .

من هنا لا يمكن ان تتوحد جهود ومواقف هذه التيارات، ما دامت كُلُّ منها يملك الاجندة والمسار والأيدلوجية، كما لا يمكن ان تتفق هذه التيارات حول موقفاً واحد، وسيبقى الخلاف والاختلاف هو سيد الموقف، وربما اذا حصل اتفاق فسيكون فقط لمصالح ألكيانات والأحزاب، ومع هذا الخلاف والاختلاف تبقى البلاد تعيش دوامة الصراع السياسي، والذي اعتقد وكما يراه المحللون سينتقل الى الشارع، وهو ما يريده الذين يعتاشون على الصراعات والازمات، ولا يمكن لأي طرف شيعي ان يمسك زمام المبادرة مع وجود هذا الانقسام الخطير في المواقف، والذي انجلى واضحاً في هدم المؤسسة التشريعية (البرلمان) ومحاولة إنهاء اي دور لها، وكان المتصدي لهذا الامر هي نفسها التيارات الشيعية، والتي رفعت شعار الإصلاح، لتأتي اليوم وتعبر عن إصلاحها ونواياها بتعطيل البرلمان، وتهديد الديمقراطية في العراق الجديد، وما لم يبادر الى خلق نخبة جديدة تقود العمل السياسي، وفق مبدأ الأغلبية السياسية، فان البلاد لا يمكن لها ان تسير نحو الاستقرار والنهوض التنموي والسياسي .

 

محمد حسن الساعدي 

 

في المثقف اليوم