آراء

سيرك الإنتخابات الأمريكية ومصير البشرية المبين (2)

altayb baytalalwi(الرؤساء الأمريكيون لا يُنتخبون... بل يٌنتقون الرئيس الأمريكي) .. فرانكلين روزفلت

 

 الإنتخابات الأمريكية وخصوصية الحقل الإيديولوجي الأمريكي .. مقاربة أنثروبولوجية:

مما لا شك فيه أن مصير القضايا المصيرية للعالم مرتبط بحمأة بهرجة سيرك الحملة الإنتخابية الأمريكية الجارية الموغلة هذه المرة –أكثر من السابق- في الشطح الإعلامي الهوليودي، المحقر للعقول بإمكانته التقنية المرعبة، والقاتل لملكات النقد بضجيجه المهول، ان تبقت للبشربقية عقل في هذا الزمن البلزاكي الصعب المرير، الذي أينما أجلت الطرف فيه، إعتنقتك إعتناق اللام بالألف، نداءات الفقر، والأزمات الإقتصادية ومؤشرات المعضلات الكبرى الآتية، والبشرية تعيش في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين، الذي هو أكثر القرون طرا إدعائية وزورا وبهرجة وبهتانا، وبالتناقض أكثر فترات التاريخ تعملقا –علمياوما ديا- وبالمقابل اكثر القرون تقزما أخلاقيا وإنسانيا، وأشرسها حروبا وتدميرا وأقلها أمنا –حاضرا ومستقبلا....، ومع ذلك ما يزال الكثيرمن المثقفين، التقدميين منهم، والرجعيين، والوسطيين المعتدلين، والليبراليين المتحررين، والمنتمين واللامنتمين، كلهم باتوا صرعى حمى التحليلات الإيديولوجية، وشطحات القراءات الاستراتيجية، وتهاويل الفتوحات السياسية والاقتصادية المستقبلية، لافرق في هذا الشأن، ما بين الأمريكيين، والأوروبين والثالثيين، فالكل يتعبقر ويلج بالعشي والإبكار، ب التغييرات الأمريكية القادمة، حيث التنظيرات تسقط –بغتة- من حالق، أو تأتي من فراغ، أو تلفظها بومة منيرفا في الأمسيات الحالكة الظلمة

ولمزيد فهم ما يجري في المعترك الإنتخابي الأمريكي الحالي، لا بد من فهم مدى إرتباط ما يسمى ب الحقل الايديولوجي في الغرب بالسياسة بمعناها الماكيافيللي المتداول غربيا منذ القرن السادس عشر حتى أواخرتسعينات القرن العشرين -، حيث ظلا مرتبطين إرتباطا وثيقا في بلدان الديموقراطيات الغربية المميزة لثقافتها السياسية –عمليا منذ ما بعد الثورة الفرنسية مع نابوليون في غزواته الإمبراطورية لبقاع أوربا، -وكذلك لأسباب تقنية وسوسيولوجية وسياسية وعوامل أخرى– غير معلنة-،

 فكان من اللازم تحويل المعارضات السياسية إلى عرض Spectacle -show، بعد ظهور التلفاز بغرض بيع الإيديولوجيات السياسية كسلع مزجية ورخيصة في الأسواق الشعبية، وتقريب والبرامج الحزبية (التي غالبا لاتُقرأ) لعامة الشعب البعيد عن معميات السياسة، والمنشغل دوما ببيولوجياته اليومية...، وبقصد إتاحة الفرصة لمختلف الأطروحات السياسية الحزبية للظهورعلى خشبة المشهد المسرحي عبرالمناقشات المتفلزة، وعبرالأثيروالأنترنيت، من أجل تعويد الناخب المتفرج على الإستهلاك اليومي للسياسة –لمدة من الزمن- والدفع به للإهتمام بالمرشحين وتوجيهه إلى الإنفعال والإنشغال بالحقل الرمزي لمختلف الاتجاهات الأيديولجية.(1)

 فكان لا بد من ممارسة السياسة بأساليب العرض show الذي عرف منذ الأغارقة والرومان حيث أن كل الخطباء السياسيين صاروا على هدي خطيب روما المفوه شيشيرون ، وصار على نهجه كل الزعماء السياسيين الذين تمكنوا من تبسيط إيديولوجية الحزب وتحويلها الى ما يشبه العقيدة كما هو معروف في العالم العربي منذ ما بعد ما يسمى ب النهضة مع بداية العشرينات مثل

 : الشيخ حسن البنا –المعروف بقدراته المذهلة على الإقناع بالخطابة أكثر من الكتابة التي برع فيها مريده سيد قطب أكثر من شيخه –

 وجمال عبد الناصر في تبسيط (القومية-الناصرية) وحافظ الأسد في تبسيط (القومية – البعثية) والقدافي في تبسيط رؤيته الناصرية الجديدة

وكما هو الشأن في الغرب: عند موسوليني في تبسيط الفاشية، وهتلر في تبسيط النازية والجنرال دوغول في تبيسط الديغولية كخليط (قومي -وطني –مسيحي) وكطريق ثالث في مواجهة المدين الشيوعي –الستاليني الشمولي والراسمالية الأمريكية الشرسة

 

 غير أن الحقل الإيديولوجي-السياسي قد تميز في بلدان الغرب الأوروبي -مبدئيا- منذ القرن التاسع عشربقيامه على قوانين مكتوبة، وأعراف محلية تاريخية عريقة كمرجعيات متفق عليها usages مشبعة بالروحانية المسيحية -رغم لادينية كل الأنظمة الغربية الأوروبية- حيث تتظافر القوانين المكتوبة والشفوية التقليدية مجتمعة في تحديد قواعد اللعبة من الناحية الأخلاقية والمبدئية، وتحول دون الخروج عليها، من حيث أنه حقل تنافسي نزيه، مما يتطلب ضرورة تقنين هذه المنافسة.وتحصينها بسياج من الأخلاقيات الوضعية –وأحيانا الدينية-

 واذا سلمنا جدلا بوجود هذا الحقل الايديولوجي في الولايات المتحدةـ وهو موجود بالضرورة من الناحية الشكلية- إلا أنه يفتقد مع ذلك الى الضوابط والمعاييرالأخلاقية التي كان متعارفاعليها في أوروبا الغربية –على الأقل من حيث الشكل- ..

 ولقد شاعت التعددية السياسية الظاهرية والشكلية في أمريكا ذات التراث الليبرالي ومعقل الثقافة التوسعية في زوايا الأرض الأربعة وفي كل شبر من العالم، كرمزل الدولة الصليبية ضد العالم منذ مبدأ مونرو في أواخر القرن التاسع عشر (هذا عنوان لكتاب كتبه أستاذ العلاقات الدولية البروفيسور بجامعة بانسيلفانيا والحائز على جائزة Pulitzer Prize المعنون ب Promised Land The american encounter with the world since 1776) ذلك المذهب الذي تحول بشكل سافر إلى عقيدة مع الرئيس ولسون ومذهبه المسمى ب بالخروج من الإنعزالية المتمثلة في نقطه الأربعة عشر بعيد الحرب العالمية الأولي -،

غير أن التعددية السياسية مسموح بها في أمريكا في نطاق ضيق وعلى طريقة خصوصيات الديموقراطية الأمريكية- حيث، لم يسمح فيها قط لأنواع اليسار الراديكالية بالتعبيرأو التحزب أوالظهورعلى المسرح السياسي الأمريكي، منذ أن ظهراليسار الراديكالي في أمريكا كقوة مؤثرة، أفرزها الغبن الاجتماعي والتباين الطبقي والعنصرية المؤسساية المؤدية الى الأزمة الاقتصادية الكبرى لعام 1929، إلا أنه تم القضاء علي كا ما له علاقة بالتيار اليساري الذي إعتبر مروقا وجرما وخيانة وطنية، بحيث تم استأصاله وقمع منظريه، وزج معتنقيه في السجون في الخمسينات في المرحلة المكارثية المعروفة، ولكنه عاد إلى الظهور رويدا مع نهايات الستينات بسبب حرب الفيتنام وبسبب تأثير وجود ما سمي زمنها ب المتمردين الفرنسيين french rebels من رواد التفكيكية حث كان للإقامة الطويلة ل ميشيل فوكو تأثيرا كبيرا في الأنثروبولوجيا السياسية الأمريكية، زاد من تأثيرها تلك الفظاعات البوشية التي إستغلها الديموقراطيون للتمسح باليسار العربي والتقرب من الفلسطيني المرحوم إدوارد سعيد ومن رموزاليسار اليهودي مثل تشومسكي –صديق ساندرز ومنظره، لكون هذا التيار موجود اليوم بكثرة في صفوف السود واللاتين، ومندس بين القطاعات الطلابية الجماعية وهي التي تصوت حاليا ل ل ساندرز الديموقراطي ,التي صوتت البارحة لأوباما –وقد يلدغ الناخب الأمريكي من الجحر مرتين-

 ولقد تقاسم السلطة السياسية -تاريخيا- كل من الجمهوريين والديمقراطيين، وظلا يحتكران حق إنتاج وترويج الحاجيات الرمزية التي تتكلف بصنعها المؤسسات، و(صناديق أوعلب التفكير) وشبكات صناعات الرأي العام المكلفة بتوجيه الميول والأذواق(بكل أنواعها، من فرشاة الأسنان، الى شريكة أو شريك الحياة، وصولا الىىأكثرالأشياء حميمية لدى الأمريكي) عبرالماكينة الهائلة لجبروت المال وأولوهية الأبناك - التي تديرها وول ستريت ومؤسساتها المصرفية، وتمليها كبريات دورالصناعات الحربية الخاضعة للوبيات تجار الحروب –مثل مؤسسة ديك تشيني نائب الرئيس بوش الإبن–أحد غزاة العراق الذي تضاعفت ثروته أضعافا مضاعفة خلال الغزو العراقي إلى جانب ديكتاتورية امبراطوريات الاعلام التي تمارس ما يسمى ب البغاء السياسي حيث تتكلف بالترويج للشخصيات السياسية-المرغوب فيها ووئد غير المرغوب فيهم –كما سنرى في اللحظات الأخيرة ماذا سيحدث للظاهرة الجديدة في السياسة الأمريكية لترامب الجمهوري وساندرز الديموقراطي للحفاظ على هيلاري المراة الهيستيرية والمشبوهة ومدلعة وول ستريت ولوبيات الحروب- والإتحادات النسوية الأصولية المعادية للذكورة أينما حلت وإرتحلت ومسح ملفاتها المتعفنة في آخر لحظة – أو الإتيان –كما قلت سابقا- برجل العناية السماوية -

وسأفصل في هذه الإحتمالات في المبحث المقبل-

 علما بأن الإعلام الأمريكي يسوق للنجوم – المرغوب فيهم – بعين الرضا في السياسة والرياضية والسينما مثل السلع الاستهلاكية بالأساليب الدعائية الرخيصة، وحسب قوانين السوق، وحينية العرض والطلب، التي تدوردوما في فلك فانتازيا نموذج الحياة الأمريكية عبرتلك الوسائل الجهنمية الكبرى، كما يتكلف بمعاقبتهم بعين السخط بتشطيبهم من باحة الأمجاد والشهرة والرفاه والحرمان من المتع، فبيد الإعلام الأمريكي –المسير- ناصية الأموركلها، يعزمن يشاء ويذل من يشاء، وبالتالي فظهورأية شخصية سياسية أو تيارلا يستجيب لهذه الاستثناءات الأمريكية -التي أتيت على ذكرها في مبحث سابق- أولا يتماشى وتنظيرات هذين الحزبين-إلا ويُنظراليه كخطرداهم على نفوذ مصالح الدولة والقيم الأمريكية العلياالثابثة والمصيرالواضح للأمة الأمريكية –كما قعد لها المنظرون البراغماتيون في عشرينات القرن الماضي المستمدة من العهدين الجديد والقديم والتقاليد (التوراتية-التلمودية) بالمنظور البروتستانتي

للموضوع بقية

 

د‌. الطيب بيتي من: فلوريدا –الولايات المتحدة-

 

في المثقف اليوم